أسامة داود يكتب: عبقرية تطوير الحوادث الى كوارث!

حادث إيتاي البارود الذى أودى بحياة 7 مواطنين وإصابة 16 آخرين بإصابات يصل بعضها الى الإعاقة التامة، بخلاف خسائر مصر من المواد البترولية، يمثل سلاحا ذا حدين

الحد الاول أن يتم الاكتفاء بتشييع الضحايا وانزال العقاب بشخص عمره 70 سنة تم حبسه احتياطيًا بينما من المستحيل أن يكون هو بمفرده من قام بإجراءات تتطلب فريق عمل متخصصا يثقب الخط والحصول على البنزين والقيام بنقله وتوزيعه.

والحد الثانى أن يتم فتح الملف على مصراعيه وتشكيل فريق بحث جنائى للكشف عن المافيا الحقيقية وراء حوادث سرقة المنتجات البترولية التى تتم لتلك المواد على طول مصر وعرضها.

والسؤال الذى يحتاج الى اجابة، وبالتأكيد الإجابة.. لدى أنابيب البترول بإعتبارها الشركة المعنية بهذا الامر.. كم عدد حوادث السرقة التى تتم لخطوط نقل المواد البترولية سنويًّا؟ كم عددالحالات التى يتم ضبطها؟ ما حجم الكميات التى يتم سرقتها؟ كم عدد المحاضر التى يتم تحريرها؟ وما هى العقوبات التى يحصل عليها من يتم ضبطهم؟ ومن يقف خلف لصوص نهب أموال الدولة ممثلة فى المواد البترولية؟

أسئلة عن حوادث رغم أنها مستمرة، إلا أنها لم ولن يُعلَن عن أىٍّ منها إلا إذا تحوَّلَ لكارثة، مثلما حدث فى ايتاى البارود.. وبالتالى الاسلم أن تصمت حتى يأتى حادث آخر بنفس الاسلوب ونفس السيناريو ويتحول الى كارثة ثم نعلن عن القبض على المجرم والذى من المؤكد ما هو الا أداة فى قبضة مافيا أخطر من مافيا الاثار والمخدرات بل وتجار الرقيق!

سيناريوهات تتكرر والنتائج مأساوية

حادث إيتاى البارود - كما قلت - لن يكون الأخير، وسوف تساق التبريرات التى تمثل تحصينا لتكرار الاخطاء والجرائم. من تلك التبريرات أن أطوال خطوط شبكات نقل المنتجات البترولية والزيت الخام تبلغ  6 آلاف كيلو متر مربع كشرايين تنتشر فى خريطة مصر وأنها تنقل فى أحشائها 55,5 مليون طن من السولار والبنزين والمتكثفات والبوتاجاز والزيت الخام.

وأن صعوبة السيطرة على تلك الأطوال المتناثرة فى كل ربوع مصر هو السبب.. لكنها مبررات مردود عليها بتساؤل بسيط ومنطقي: هل تلك الشبكات بأطوالها وأقطارها وتمدداتها التى تشبه الشعيرات الدموية.. اكتشفها قطاع البترول فجأة دون سابق إنذار؟

لا أظن ذلك.. وليس من الممكن تعليق تلك الحوادث على شماعة القضاء والقدر، وكأنها تدخل ضمن الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين، وقى الله مصر شرها. الحقيقة أن كل تلك الحوادث وما يتبع بعضها من كوارث ترجع لعدة أسباب، من بينها التهاون فى أسلوب السيطرة وإحكام الرقابة عليها.. ولن أسوق اتهامات أو ادعاءات، ولكن أتحدث بمعلومات أضعها فى شكل تساؤلات.

ما هى الآلية التى وضعها قطاع البترول لحماية منشآته البترولية المتمثلة فى خطوط وأنابيب تنتشر بطول مصر وعرضها؟ ويفترض أن شركة أنابيب البترول تملك خرائط تفصيلية لها.

ما هى الثغرات التى تنفُذُ من خلالها مافيا سرقة المنتجات البترول والزيت الخام؟ هل تم رصدها أو بعضها؟ وكيف تم ويتم التعامل معها؟ ما هى خطة الوزارة فى مواجهة تلك الحوادث؟ وفى حالة وقوعها ما هى الإجراءات التى يتم اتخاذها منعًا لتحول الحادث إلى كارثة، مثلما جرى مع حادثة إيتاى البارود؟

هل يتم رصد السرقات التى تتم من الخطوط؟ وكم حجم الفقد الناتج عن تلك السرقات؟وما الإجراءات القانونية التى يتم اتخاذها؟ وهل هى كافية ورادعة؟ وإن كانت غير رادعة، فهل تقدمت وزارة البترول بمشروع قانون لتغليظ العقوبات فى مثل تلك الحالات؟

أتساءل أيضًا: ما الإجراءات القانونية التى تحصل عليها الشركات من أصحاب المزارع المار بها خطوط نقل المنتجات البترولية؟ هل حصلت الشركة من أصحاب المزارع المارِّ من خلالها أنابيب نقل المنتجات أو الخام على تعهدات بالمسئولية عن الأطوال المارة كلٌّ فى مزرعته من السرقات، خاصة وأنهم يحصلون على التعويض المناسب؟

اتساع دائرة الاشتباه

السؤال الأكثر إلحاحًا ويتطلب ردًّا من المسئولين بقطاع البترول وليس شركة الأنابيب وحدها هو: هل يملك اللصوص، مهما بلغت مهارتهم، التقنيات الفنية اللازمة لإحداث ثقب فى خط تدفيع المنتجات البترولية بضغوط عالية؟ هل يمكن أن تحصل المافيا على المواد المطلوبة والمهمات التى تستخدم فى إحداث فتحات وتركيب محابس وباستخدام وسائل فتح ولحام دون حدوث حريق أو انفجار فى خطوط تحمل بداخلها مواد سريعة الاشتعال وبضغط مرتفع؟

والسؤال الأكثر إحراجًا: كيف للمافيا اختيار الخطوط والأماكن التى يتم عبرها تركيب المحابس، وتحديد حجم الكميات، ومعدلات السحب من المنتجات البترولية، دون أن تلتقطها مراكز التحكم والرقابة الإلكترونية عبر عملية استشعار تعطى إشارات بانخفاض الضغط وحدوث شيء غير طبيعى؟

ومن المعروف أنه يتم رصد السرقات عند انخفاض ضغط التدفق للمواد البترولية عن حد معين ومن خلال الكونترول الذى يتتبع سريان المنتجات داخل الخطوط على مدار الساعة، ويكون السبب منحصرًا فى حوادث كسر  للخطوط، أو سرقة المواد البترولية.