أسامة داود يسأل: عيد البترول سقط عمدًا.. أم جهلًا؟!

17 نوفمبر ألم يُذكرك بشيء مهم فى تاريخ قطاع البترول؟ 17 نوفمبر 1975 هو التاريخ الذى استعادت فيه مصر حقول بترول سيناء من بين مخالب وأنياب العدو الصهيونى، وبعد سنوات من امتصاص العدو لتلك الحقول ومحاولة استنزافها.

كان آخر احتفال بعيد البترول وبالشكل الذى يليق به من جانب الوزارة فى عام 2015.. وهو العام الأخير للمهندس شريف إسماعيل فى كرسى الوزارة وقبل أن يصعد إلى مقعد رئاسة مجلس الوزراء.

ومنذ عام 2016 بدأت أول محاولة لانتزاع أجمل ذكرى فى تاريخ القطاع من عيون أبنائه؛ ظنًا ممن لا يقرءون التاريخ أنه من الممكن انتزاعه من قلوبهم!

أضع هنا كلام الراحل العظيم الكيميائى عبد الهادى قنديل لى، والذى سوف يتضمنه كتابى عن رواد البترول الذى يصدر الجزء الأول منه إن شاء الله قريبًا. يقول الراحل عن عيد البترول فى مذكراته عبر لقاءات كان لى الشرف بالانفراد بها مسجلة وعلى مدار 12 ساعة كاملة:

تألمت لقيام الوزارة بإلغاء الاحتفال بعيد البترول، وسألت أحد المسئولين: ماذا تعرف عن عيد البترول الذى ألغيتموه؟ فقال: لا أعرف. قلت له: يا ابنى دى الذكرى المهمة التى دخلنا فيها سيناء بعد تحريرها، وتم استرداد حقول البترول، ورفعنا العلم المصرى عليها.. وكان أحمد عز الدين هلال ورمزى الليثى وأنا ومحافظ سيناء وقتها فى الانسحاب الأول، ثم الانسحاب من العريش ورأس محمد.

والآن أسقطوا العيد من الذاكرة، وعيد البترول هو يوم مهم؛ لأنه يرتبط بتكريم أناس خدموا القطاع، وبتكريمهم يظل للذكرى فى نفوس العاملين معنى وللتضحيات والتفوق مثل وقدوة.

ويضيف الرجل حزينًا على زمن جميل قد ولى قائلًا: كان يتم دعوتنا أحمد عز الدين هلال ورمزى الليثى وأنا وكل من جاءوا بعدنا؛ حتى يتم ربط الأجيال الجديدة بالقديمة؛ ليتعرفوا على ما قدمناه من أعمال.

لايعرفون للتاريخ قدسية

وهنا أذكر أننى نشرت مقالًا وقتها فى ذكرى عيد البترول الذى كنت أظن أن تجاهله كان عمدا، بعنوان  " عيد البترول الذى سقط عمدا لا سهوا"

والمقال السابق لا يزال يحاكى واقعا يعيشه قطاع البترول، الذى يريد له بعض من يجهلون هذه الذكرى الانسلاخ من تاريخه.. ربما لأنهم لا يعرفون أن للتاريخ قدسيته وللذكرى حرمتها.. ربما يريدونه قطاعًا هشًّا على قدرهم كخُشُب مُسنَّدة.. وليس على قدره عفيًّا قويًّا كشجرة أصلها ثابت وفرعها فى السماء.

هذا هو التاريخ الذى يظل شاهدًا على علم علماء.. وجسارة وشجاعة خبراء، حققوا لمصر الكثير؛ ليجعلنا جميعا نؤدى لهم التحية؛ امتنانًا لأدائهم وعرفانًا بتضحياتهم..

قيادات من ذهب

رموز باقية متجددة لقيادات، مثل محمود يونس وعبد الحميد أبو بكر وعلى والى وأحمد كامل البدرى وأحمد عز الدين هلال ورمزى الليثى وعبد الهادى قنديل وحمدى البنبى وعبد المنعم أبو السعود وحسب النبى عسل وحليم مرقص وغيرهم سوف يتسع المجال فى موضع آخر لذكرهم.. وآخرون حملوا الشعلة خلفهم.

ماذا يعلم هذا الجيل عن الأجيال السابقة؟ هل تعلمون كيف كان يدار اقتصاد مصر وقد وقعت كل حقول بترولها تقريبًا فى قبضة الصهاينة، بينما لم تكن الدولة تملك فى ذلك الوقت سوى حقل المرجان؟ وكيف كان يتم توفير الوقود بينما لم تكن مصر تملك بعد تدمير معملى النصر والسويس سوى معمل الإسكندرية محدود الطاقة؟

وكيف كانت المفاوضات التى تدور حول حقول سيناء بعد حرب 1973؟ وهى كواليس لم تُعلَن ولم تُنشَر حتى اليوم. هناك تاريخ طويل محترم لقطاع البترول يتطلب أن نفتخر به، وننقله من صفحات أراد البعض أن تظل حبيسة الأدراج، ولم يسجلوا وقائعها تُرِكَت حبيسة صدور رواد تآكلت أعمارهم بقضاء الله وقدره.

العجيب والمثير للدهشة أن وزارة البترول احتفلت بالعيد ببيان عبارة عن الإعلان عن تاريخ اكتشاف أول حقل بترول فى مصر، وتاريخ تنميته وبدء دخولة الإنتاج.

ولم تتحدث عن ذكرى استرداد حقول سيناء مع تحرير سيناء وكأنه شيء غير مرغوب فيه؛ ولا أظن أن الوزارة يمكن أن تجهل هذا الأمر.

وإن كان تبرير تجاهل المسئولين بالقطاع لذكرى عيد البترول بسبب الجهل به أفضل ألف مرة، من أن يكون التجاهل عمدًا مع سبق الإصرار والترصد؛ لأنه فى حالة تعمد تجاهله، يكون لهذا التصرف مسمى آخر يعفُّ اللسان عن ذكره.