.jpg)
أسامة داود يسأل: لصالح من يتم تجريف الخبرات البترولية؟

حكمة قالها مصطفى أمين الكاتب الكبير الذى أنشأ مؤسسة أخبار اليوم: إذا أردت أن تكون نجمًا فاحرص على أن يكون كل من هو حولك نجومًا.
لم تكن حكمة مصطفى أمين مجرد كلام أجوف، وإلا ما كان هناك محمد حسنين هيكل ولا أحمد بهاء الدين ولا جلال الدين الحمامصى ولا موسى صبرى ولا سعيد سنبل ولا مصطفى شردى ولا جمال بدوى.
كانوا نجومًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. ومع نجومية كل هؤلاء كان نجم مصطفى أمين يزداد تألقًا وسطوعًا.
هذا عن الصحافة.. وفى البترول قال الكيميائى الراحل عبدالهادى قنديل فى حواراته لى التى سبقت وفاته عليه رحمة الله: عندما تم تعيينى رئيسًا لهيئة البترول فى عام 1980، طلب منى أستاذى أحمد عز الدين هلال وزير البترول وقتها أن أجهِّز 5 أجيال متدرجة فى الأعمار، وأن أدربهم جميعًا على إدارة الشركات، وفعلت ذلك.
ويضيف قنديل: كنت أستطيع أن أتحدى الدنيا بأولادى فى قطاع البترول؛ لأن المثل يقول إذا أردت أن تكون عملاقًا، فلا بد أن تعمل مع عمالقة، وليس مع عناصر ضعيفة.. وكنت أصر على اختيار كل من يعمل معى من العناصر المتميزة، وتركت القطاع وبه مجموعة كبيرة، جميعهم يصلحون لتولِّى المواقع الوزارية.
وبالنسبة لما حدث بعد ذلك فى القطاع، فأنا غير مسئول عنه؛ لأن كلاًّ منا لا بد أن يترك منصبه يومًا ما، وبعدها يقولون عمن يرحل "الله يرحمه"، أو "يكسروا وراه قلة"! ويكمل قنديل.. من أسرار سعادتى دائمًا أننى استطعت أن أختار قيادات تمكنت بدورها أن تقود العمل بكفاءة.
وانتهج الدكتور حمدى البنبى - عليه رحمة الله - ومن بعده المهندس سامح فهمى نفس النهج.
وأذكر للمهندس سامح فهمى أنه كان أثناء مروره بالشركات، يلتقط قيادات شابة، منهم عبدالله غراب وأسامة كمال وشريف إسماعيل، وجميعهم كانوا وزراء أكْفاء، خاصة شريف إسماعيل الذى وصل إلى قيادة حكومة مصر كرئيس للوزراء.
وغيرهم العشرات ممن تربَّوْا على القيادة فى تلك العصور الزاهرة، فكانوا يصلحون للقيام بمهام الوزير فى قطاع البترول وغيره، بل منهم من رفض الوزارة، مثل المهندس محمد شعيب ولعدة مرات، بالإضافة إلى هانى ضاحى الذى تولى وزارة النقل.
أضرب هذه الأمثال وأنا أتابع ما يجرى داخل قطاع البترول، وتحديدًا منذ عام 2017، وأقول أين ذهبت قيادات من مهندسين على قدر طارق الحديدى وطاهر عبدالرحيم ومحمد بيضون ومحمد المصرى وعمرو مصطفى وأخيرًا خالد حمدان؟!
وهنا أبدأ من الأخير خالد حمدان، الذى كان ضمن حركة تنقلات أصدرها المهندس طارق الملا وزير البترول أمس.
من شركة الوسطانى إلى خالدة ثم جابكو، مصنع القيادات التى خرج منها حمدى البنبى وإبراهيم صالح وغيرهما، كانت رحلة صعود خالد حمدان. بدأت بالتدرج وليس بالبراشوت كغيره ممن لا نريد ذكر أسمائهم، حتى وصل إلى نهاية السلم فى قيادة الشركات المعنية بالإنتاج. وبقرار دون مقدمات تم إسقاطه من عرش قطاع الإنتاج إلى شركات الخدمات؛ لينتقل إلى موقع مدير عام بالشركة الوطنية للخدمات البترولية "نبسكو"، وهى الشركة التى أتحدى أن يعرف عنها معظم قيادات قطاع البترول شيئًا.
دون مقدمات تم استبعاد خالد حمدان، من موقعه وقبل تاريخ خروجه للمعاش رسميًّا بعام واحد تقريبًا.
ليكون أمام حمدان أحد أمرين: إما أن يقبل، فيبقى رهن ثلاجة دون عمل بشركة لا يعرف عن عملها شيئًا، أو أن يلحق بسابقَيْه طارق الحديدى وعمرو مصطفى فى التقاعد مبكرًا؛ ليخسر القطاع عنصرًا قياديًّا فى الوقت الذى يعانى منه البترول تراجعًا فى مستوى الخبرات، الأمر الذى جعل البحث عمن يتولى رئاسة الشركات من المهام الصعبة.
وما أقوله لا أقصد به تقليلاً من شأن "نبسكو" التى لن يضاف إليها شىء بوجود رجل قضى عمره الوظيفى فى الحقول، حتى ضاعفت شمس الصحراء من سمرته.
بل سوف تخسر "نبسكو" نفسها عنصرًا فنيًّا آخر يكون متخصصًا، يستطيع أن يقوم بالتعامل فى مجال عملها، كما خسر قطاع الإنتاج رجلاً مثل خالد حمدان. المثير للدهشة أنه فى الوقت الذى استُبعِدَ فيه خالد حمدان من موقع شركات الإنتاج ومن أكبر شركات القطاع، يتم الإبقاء على قيادات تسببت بعدم التزامها بقواعد الأمن الصناعى فى كوارث، كان آخرها حريق إيتاى البارود؛ ليُمنَح رئيس شركة أنابيب البترول فرصة البقاء فى موقعه حتى خروجه للتقاعد فى 8 يناير المقبل.
لم يكن خالد حمدان أول ضحايا القرارات، وإن كنت أتمنى من كل قلبى أن يكون آخرها.
فقد سبقه منذ شهور عمرو مصطفى، الذى تقدم باستقالته؛ ردًّا على محاولة التنكيل به، حيث تمت إقالته من موقعه دون أن يلحق بموقع آخر، فكان رد فعله هو المعاش المبكر.
ومن قبل حمدان وعمرو مصطفى كان المهندس محمد المصرى، الذى صعد من شركة جابكو إلى رشيد ثم إلى رئاسة الهيئة العامة للبترول، ومنها إلى رئاسة شركة إيجاس؛ ليبلى بلاء حسنًا. ومع رحلة صعود المصرى، والذى اقترب من مقعد الوزارة، إذا به وكأنه اعتلى قمة جبل من جليد، تعرض فجأة وبلا مقدمات لموجة حارة، فانهار به؛ ليجد نفسه فى مكتب بنهاية طرقة الدور الأول بمبنى الشركة القابضة للبتروكيماويات، فكان أبعد ما يكون عن المكان الذى شغله الرجل طوال سنوات عمله، لا لشىء إلا لقضاء وقته فى أى شىء إلا العمل، الذى حُرِم منه، وكان ولا يزال قطاع البترول فى أمس الحاجة إليه.
ومن قبلهم كثيرون، كان أولهم المهندس طارق الحديدى رئيس الهيئة العامة للبترول، الذى حقق نجاحات، كان آخرها إدارة أزمة وقف أرامكو السعودية تدفيع كميات من المواد البترولية لمصر؛ ونجح فى توفير المنتجات البديلة وقبل أيام من إعلان الخبر.. ليجد نفسه بعد هذا الأداء مطالبًا بأحد أمرين، أحدهما التنازل عن سلطاته لغيره، ملتزمًا بتحمل أعباء المسئوليات، أو أن ينتقل إلى التقاعد عبر المعاش المبكر. وقد اختار الحديدى الحل الأخير.
وهنا أتساءل: ماذا يمكن أن يبقى لقطاع هو القاطرة الرئيسية لقيادة باقى قطاعات الدولة الاقتصادية بعدما تقرر التخلص من النجوم فيه واحدًا تلو الآخر، وكأنها عملية تجريف متعمد تسير وفقًا لخطة فى الاتجاه المعاكس لاتجاه الدولة؟