 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: حسن يونس رفض تعليمات سيادية فأنقذ ثورة يناير(1)

حسن يونس، الذى بدأ مهندسًا بمحطات التوليد، وتَنقَّلَ بين دهاليز مختلف قطاعات الكهرباء، حتى وصل إلى رئاسة الشركة القابضة خلفًا للمهندس مصطفى سويدان، ثم أحد أهم وأشهر وزراء كهرباء مصر من أهم القيادات التى أدارت دواليب وزارة الكهرباء على مدار سنوات طويلة..
كنت ألتقى به فى مكتبه بالدور الخامس بوزارة الكهرباء، عندما كان يشغل موقع نائب رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر للتشغيل، وكان صديقه المهندس حجازى عياد - رحمه الله - رئيسًا لشركة القناة للكهرباء، والتى كانت تضم قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع قبل فصلها فى عهد الدكتور على الصعيدى، وكنت ألتقى المهندس حجازى عياد داخل مكتب يونس.
وعندما تولى الصعيدى، خرج الدكتور مصطفى سويدان إلى التقاعد، وكان أمام الدكتور على الصعيدى اثنان فى نفس المستوى تقريبًا؛ للاستعانة بأحدهما رئيسًا لهيئة كهرباء مصر، والتى لم تكن قد تحولت إلى شركة قابضة وقتها، هما الدكتور محمد عوض والدكتور حسن يونس.
وتم اختيار الدكتور حسن يونس لرئاسة الشركة القابضة، وكانت له مواقف كثيرة لا يمكن إنكارها، فكان أشبه بالصخرة التى تتحطم فوقها كل الأزمات.
ولم يستمر الصعيدى وزيرًا للكهرباء أكثر من عامين تقريبًا؛ ليتولى بعده الدكتور حسن يونس، ويستعين بصديقه وزميله الدكتور محمد عوض رئيسًا للشركة القابضة لكهرباء مصر، ويستأنف مسيرة الراحل ماهر أباظة مع الاختلاف فى طريقة الأداء.
[caption id="attachment_12688" align="alignnone" width="300"]
تلميذ ماهر أباظة
تعرضت الكهرباء لانقطاع عمَّ جميع أنحاء مصر؛ وذلك لخروج إحدى محطات التوليد، نتيجة للأحمال الزائدة ثم توالى خروج باقى المحطات، وكان ذلك فى عهد المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق.
كان الدكتور حسن يونس يشغل موقع رئيس مركز التحكم فى الثمانينيات وقتما حلت بمصر أزمة خروج المحطات واحدة تلو الأخرى.. وبحكمة الرجل استطاع تشكيل غرفة عمليات، وبدأ من خلال خبراته المتراكمة فى استعادة المحطات واحدة تلو الأخرى، حتى تم القضاء على الأزمة وعودة الكهرباء فى زمن قياسى، لم يتجاوز الـ 8 ساعات. ولم تكن تلك الحادثة حالة استثنائية بمصر، بل وقعت فى نفس العقد بالولايات المتحدة الأمريكية، عندما خرجت بعض محطات التوليد فى كندا، الجارة التى تربط شبكتها القومية بالشبكة الأمريكية؛ ليعم الظلام ولاية نيويورك مرة واحدة ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية استعادة التيار إلى ما كان عليه إلا بعد ثلاثة أيام.
بعدها استدعى أباظة فريقًا من خبراء هيئة كهرباء فرنسا لدراسة الحدث ووضع خطة لمنع تكرار هذا الحادث.
بعد أسابيع كان فريق الخبراء قد أعد تقرير كشف من خلاله عن مفاجأة وهى أن ما فعله فريق العمل المصرى برئاسة المهندس حسن يونس لاستعادة دخول محطات التوليد للخدمة وإنارة الشبكة فى 8 ساعات وهو زمن قياسى يُعد اختراعًا.
كان الاختراع الذى كشف عنه تقرير فنى لخبراء فرنسيين يتضمن أن حسن يونس قد تولى تقسم الشبكة إلى ثلاثة أجزاء وشكل لكل جزء فريق عمل من الفنيين يتولى كل منهم تشغيل وإنارة الجزء الخاص به ثم تولى بعدها استعادة ربط الأجزاء الثلاثة مع بعضها لتعود الشبكة الموحدة كما كانت.
نصح الخبراء المهندس ماهر أباظة بترك أمر وضع خطة منع تكرار هذا الحادث للمهندس المصرى حسن يونس ورجاله.
ابتكار يونس لمنع الانقطاع العام للكهرباء
بدأت وزارة الكهرباء وبأفكار حسن يونس بالاستعانة بأجهزة استشعار داخل محطات النقل وشبكات التوزيع تتولى فصل التيار الكهربائى عن بعض المناطق بهدف تخفيف الأحمال وبما يوازى قدرات أى محطة توليد تخرج من الخدمة.
وحدد يونس المناطق والمنشآت حسب الأهمية الاستراتيجية لها والتى يجب ألا يتم فصل الكهرباء عنها.. ومنذ ذلك التاريخ لم تتكرر حادثة الإطفاء العام للكهرباء.
حسن يونس يطارد حيتان الضبعة
الحدث الثانى هو وقوف حسن يونس أمام خطة محكمة تمثلت فى تكتل بعض رجال الأعمال على رأسهم إبراهيم كامل مع مستثمرين أجانب، قيل إنهم إسرائيليون، استطاعوا إقناع القيادة السياسية بضرورة إغلاق ملف المشروع النووى المصرى وتحويل أرض الضبعة إلى مشروعات سياحية خاصة وأن تلك المساحة على البحر مباشرة.
وبالفعل زارت تلك المجموعة أرض الضبعة، وبدأت التعليمات تتوالى لخلع جذور وزارة الكهرباء من الأرض الوحيدة التى كان قد نجح ماهر أباظة فى اختيارها من بين عدة مناطق، وبعد دراسات أثبتت جميعها أنها الأنسب من حيث المد والجذر ومدى تأثرها بالزلازل والبراكين وغيرها من العوامل الأخرى.
وأصبحت تلك المنطقة هى الأهم والأصلح لإنشاء المشروع النووى المصرى.
وكان بالمنطقة مركز لرصد الزلازل منذ الثمانينيات، وكان زلزال 1992، وهو الأقوى فى تاريخ مصر ومركزه البحر المتوسط، فرصة اختبار حقيقية لمدى توافق المكان مع طبيعة المشروع النووى السلمى، وأثبت أن الضبعة تم اختيارها بمنتهى الدقة.
كان حسن يونس فى أصعب اختبار يمكن أن يمر على مسئول فى تاريخ مصر، ولكن له مقولة مهمة، وهى: إن كنا لم نستطع لظروف كثيرة دولية وإقليمية إنشاء مشروع نووى لتوليد الكهرباء، فعلى الأقل لن نكون سببًا فى إنهاء هذا الحلم بالنسبة للأجيال القادمة؛ وبالتالى سوف نحافظ على المكان الوحيد والمناسب، حتى تتهيأ الظروف له.
ونجح يونس فى تبديد أحلام الانتهازيين الجدد من حيتان الزمن الردىء والإقطاعيين الراغبين فى وأد حلم مصر النووى، بعدما مُلِئَت كروشهم من أراضى وخيرات الدولة وامتصاص دماء الشعب.
قال لا فأنقذ الثوار من المذبحة
لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذى اختُبِرَ فيه معدن وقوة ووطنية الرجل، ولكن ظهرت نفاسة معدنه فى ثورة 2011.
كان اختبارًا حقيقيًّا، وإن كنا ندعو الله ألا يختبرنا بما لا نستطيع تحمله، ولا أن يبتلينا بما لا نستطيع مقاومته. فقد صدرت التعليمات مساء يوم 2 فبراير 2011 وهو اليوم الذى حدثت فيه موقعة الجمل للدكتور حسن يونس بقطع الكهرباء عن ميدان التحرير المكتظ بملايين البشر مع دخول الليل.
كانت التعليمات صارمة، لكنها بالنسبة له صادمة، وللمرة الأولى من نوعها يتم وضع رجل مسئول بدرجة وزير ينتمى إلى حكومة فى اختبار من أعلى سلطة فى الدولة، وبالطبع كان هناك كثيرون سوف ينفذون تلك التعليمات لو كانوا فى نفس الموقع، باعتبارها صدرت من الجهات الأعلى.
لكن من يعرف حسن يونس، يعلم يقينًا أن مثله لا يتردد أو يتلعثم أو يقرر الإمساك كغيره بالعصا من المنتصف.
يومها قال الرجل قولته الشهيرة: دورنا أن نضىء لا أن نُظلِم. ولن أكون شريكًا فى إزهاق أرواح بريئة أو إراقة نقطة دم مواطن مصرى.. وعلى قدر وحجم ومبدأ حسن يونس كان مساعدوه.
كان القول الحاسم لحسن يونس قد عقد ألسنة مُصْدِرى التعليمات.. فلم يكن الرجل ممن يتردد أو يقول اترك لى فرصة للتفكير.
أما حسن يونس فلم يكتفِ بالرفض القاطع، وأصدر التعليمات لكل مرؤوسيه بعدم طاعة أى تعليمات لأى مسئول فى هذا الشأن، وحسن يونس كان من المحظوظين بمعاونيه منهم المهندس محمود سلطان رئيس شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء التى يقع فى دائرة مسئولياتها ميدان التحرير.
المهندس محمود سلطان كان شعلة من النشاط والإنجاز فتكاتف سلطان مع يونس وبدأ تطبيق التعليمات التى تمثلت فى قرار يحتاج تنفيذه إلى جسارة من نوع خاص.
وعلينا أن نقارن بين قرار يونس برفض تنفيذ تعليمات تستهدف قطع الكهرباء عن ميدان التحرير لارتكاب مذبحة وبين من قام بتنفيذ تعليمات بإيقاف حركة القطارات لتكون نهايتها مدينة بنها وبعيدًا عن العاصمة بمنعها من دخول محطة مصر.. إضافة إلى قطع الاتصال عبر شبكات المحمول.
تلت التعليمات خطوات عملية من الرجل ومساعده بتأمين مصادر تغذية ميدان التحرير ليكون أكثر من مصدر، خوفًا من حدوث أى نوع من الخيانة أو التواطؤ أو التلاعب من أى شخص أو جهة، يكون هناك البديل الذى يؤمن استمرار إنارة الميدان.. ميدان الثورة؛ وتولى هذا الأمر محمود سلطان ليقطع أى احتمال لفصل التيار عن الميدان المكتظ بالبشر، وتحول مكتب حسن يونس إلى غرفة عمليات؛ لمتابعة الإنارة بميدان التحرير بل كل الميادين حتى انتهت الثورة.. وعلينا أن نتخيل كم حجم الكارثة وعدد الضحايا لو تم فصل الكهرباء عن ميدان التحرير وفى نفس توقيت تدفق الجمال والخيول التى تم جلبها بواسطة سياسيين وأعضاء مجلس شعب؟.
لنعرف إلى أى معدن ينتمى حسن يونس.
انتظرونا في الحلقة القادمة "حسن يونس من مطاردة حيتان أرض الضبعة إلى القرار النووي.