أسامة داود يكتب: نواز شريف.. وبرويز مشرف بين الشرف والخيانة

29 مايو 1998 يوم تاريخي.. فيه أعلن نواز شريف عن 5 تفجيرات نووية ناجحة تعيد التوازن مع الهند وبعد شهور من تفجيرات نووية هندية، عقبها ازدياد نبرة التهديد الهندى لباكستان، ثم حشد جيوشها على الحدود مع إسلام أباد.

جاء إعلان نواز شريف رئيس الوزراء الباكستانى كرد فعل تضمن أن باكستان قادرة على الرد فورًا على الهند بالأسلحة التقليدة إن شاءت أو النووية إن أصرت الهند على استمرار تهديداتها وتحرشاتها.

[caption id="attachment_13661" align="alignnone" width="300"]نواز شريف رئيس الوزراء الباكستانى الأسبق نواز شريف رئيس الوزراء الباكستانى الأسبق[/caption]

أعلن المجتمع الغربى فى ذلك الوقت انتقاده للتجارب النووية الباكستانية، ولم يتطرق لما وقع من جانب الهند من تفجيرات سبقت تفجيرات باكستان.. ولكنها كانت قد أصبحت واقعًا.

كانت باكستان تمثل الجانب الأضعف أمام الهند التى كانت قد سبقت باكستان إلى التسليح النووى، بدأت مع بيان نواز شريف بالانتقال إلى مصاف الدول العظمى قوة، بعدما استطاعت فى سرية تامة أن تملك تسليحًا نوويًّا. لم تعلق الهند، ولكنها بدأت تغيير تصريحاتها إلى النقيض. كان مرور الأيام قد نزع فتيل الأزمة، وأحال سخونتها إلى نوع من البرود.

وفى يوم 14 يونيه 1998، أى بعد أيام من إعلان نواز شريف واشتعال الأزمة، تلقيت مكالمة من السفارة الباكستانية بالقاهرة قالت فيها مديرة مكتب السفير طيب صديقي إن السفير يريد أن يتشرف بلقاء مع جريدة العربى الناصرى؛ ليدلى بحوار صحفى. تلقيت الاتصال والتقيت مع الأستاذ عبد الله إمام رئيس التحرير، وطلب منى الذهاب إلى السفارة لإجراء اللقاء مع السفير، وطلب منى أن أستفسر منه عن "هل القنبلة النووية الباكستانية سوف تكون قنبلة إسلامية؟".

التقيت السفير برفقة مترجمه. قال الرجل إن الشعوب العربية قد أعلنت مساندتها للرد الباكستانى على التحرشات الهندية والتهديد باستخدام السلاح النووى ضد باكستان.

كان الموقف العربى ينقسم إلى قسمين: الأول وهو الموقف الرسمى الذى تضامن مع تصريحات الرئيس الأمريكى بيل كلينتون بمطالبته بتوقيع عقوبات ضد باكستان، بينما كان الموقف الشعبى العربى فى اتجاه آخر، حيث أعلن مساندته لباكستان، بل أعلن رجال أعمال عرب عن استعدادهم لدعم باكستان ماليًّا واقتصاديًّا لمواجهة العقوبات الاقتصادية التى دعا لها الغرب.

كان مجلس الأمن يسير وفقًا لمعايير مزدوجة تتضمن التغاضى عن السياسات الاستيطانية والتوسعية لإسرائيل والهند، والتى تم اكتشاف ارتباط وثيق بينهما، خاصة فى مساعدة إسرائيل لنيودلهى فى التجارب النووية التى كانت قد أجرتها قبل شهور من تفجيرات إسلام أباد، والاكتفاء بتطبيق العقوبات على الدول العربية والإسلامية. وكشف طيب صديقي لى أن مسئول البرنامج النووى الهندى "أبو الكلام" كان قد سافر عدة مرات إلى إسرائيل خلال عامى 1995 و1996 بالإضافة إلى زيارة رئيس الأركان الهندى فى الفترة من 8 إلى 12 مارس 1998؛ لوضع الترتيبات النهائية للتفجيرات النووية التى أجرتها الهند بإشراف وبمشاركة وبمباركة إسرائيل.

وقال طيب صديقى إن موقف رجال الأعمال الباكستانين فى أنحاء العالم يمثل ذورق النجاة لباكستان؛ حيث بدأوا بضخ ما يصل إلى 4 مليارات دولار كدفعة أولى؛ دعمًا للاقتصاد الباكستانى فى مواجهة العالم الغربى وعقوباته الاقتصادية، وقال إن هذا الدعم يأتى فى الوقت الذى لم يزد الاحتياطى النقدى الباكستانى عن مليار ونصف المليار دولار فقط.

وكانت باكستان قد أعلنت وقف أعمال البنوك تحسبًا لمنع سحب الأرصدة الدولارية منها.

وقال طيب صديقى إن باكستان ترفع شعار نأكل العشب، ولكن نصنع القنبلة النووية، والتى تمثل العزة والكرامة فى عصر لا يعترف إلا بالقوة.

الهند من التهديد إلى المهادنة!

كان رد الفعل الأول من الهند هو احترامها لحقوق جارتها باكستان، وأنها لا تريد الدخول معها فى نزاع مسلح، وكان الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فى تغير الموقف الهندى للسلاح النووى الباكستانى، الذى أحدث توازنًا بين الدولتين، وكان لى شرف أول لقاء صحفى مع السفير الباكستانى طيب الصديقى عقب التفجيرات النووية الباكستانية.

[caption id="attachment_13662" align="alignnone" width="300"]لقاء السفير الباكستاني عبر صفحات جريدة العربي لقاء السفير الباكستاني عبر صفحات جريدة العربي[/caption]

تذكرت هذا الموقف وأنا أتابع كل ما يتعرض له العالم العربى من اعتداءات، حتى أصبحت أراضى بعض الدول ساحات تدريب وحروب بين جيوش خارجية، بينما تلك الدول أصبحت مفككة أمام أعداء خارجين لا يرحمون الضعفاء، ومفخخة داخليًّا بسبب مؤامرات تُنازِعُ الاستقرار، وتريد تقويض الدول من الداخل.

لكن كل الدلائل تشير إلى أن منطق القوة فى امتلاك سلاح الردع هو الحل لحماية أمن أى دولة، ولو لم تنهج إيران حاليًّا نهج باكستان، لتعرضت ربما لما تعرضت له العراق من ضرب مفاعلها فى يوم 7 يونيو 1981، وهى العملية التى أطلق عليها اسم "أوبرا" بمشاركة 8 طائرات حربية إسرائيلية متطورة، حصلت عليها تل أبيب من الولايات المتحدة، وأقلعت من القواعد الجوية الإسرائيلية لتدمير المفاعل النووى العراقى. وبعد عام و37 يومًا فقط من اغتيال العالم المصرى يحيى المشد فى 14 يوليو 1980، والذى كان مكلفًا بالإشراف على إنشاء المفاعل النووى، أثناء تواجده فى فرنسا لمراجعة الأجهزة الخاصة بالمفاعل، وبعد فشل إسرائيل فى تجنيده.

لقد أفلتت باكستان بقوتها النووية من استئساد الهند، والآن ولولا قوة إيران النووية، لتعرضت لضربات أمريكية على طريقة القضاء على الذئب قبل أن تنمو له أنياب. أما الآن فقد فات الأوان، وأصبحت إيران فى مأمن من استئساد أمريكا وإسرائيل، وندعو بالستر على الدول العربية التى تنتهج طريق الشجب والاستنكار والتعامل بمثالية مع قرارات وقوانين ومعايير دولية مزدوجة.

إعدام برويز أنعش ذاكرتى

لقد أنعش ذاكرتى حكم الإعدام الذى صدر من محكمة باكستانية ضد برويز مشرف أول أمس الثلاثاء، وبرويز مشرف هو الذى قاد انقلابًا عسكريًّا في باكستان في 12 أكتوبر 1999، ضد حكومة نواز شريف، وبعد عام و٤ شهور و١٣يومًا فقط من أهم وأجرأ قرار أعلنه نواز شريف فى تاريخ باكستان كله بإعلانها كقوة نووية وسط تَحدٍّ عالمى. وكان برويز مشرف قد أدين بتهمة الخيانة العظمى؛ بسبب فرض حالة الطوارئ في البلاد في عام 2007، وتعطيل العمل بالدستور؛ ليصدر ضده الحكم بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى. فأردت أن أرصد وبأمانة الدور الذى لعبه نواز شريف فى دعم أمن باكستان ضد التحرشات الهندية، وكان جزاؤه الانقلاب عليه.

[caption id="attachment_13663" align="alignnone" width="300"]برويز مشرف الرئيس الأسبق الباكستاني المحكوم عليه بالإعدام برويز مشرف الرئيس الباكستاني الأسبق المحكوم عليه بالإعدام[/caption]