د. ماهر عزيز يكتب: الطاقة العالمية.. على أبواب عهد جديد (٢)

زخم التغير المناخى ليست كل احتياجات الطاقة واستخداماتها يمكن كهربتها، فالحرارة والقوى والفحم والغاز والوقود المائع والنووى ستكون مطلوبة لعقود عدة قادمة، واستراتيجيات نزع كربنة أعمق تتعاظم الحاجة إليها الآن للوصول إلى القطاعات من الاقتصاد التي يصعب كهربتها. فليس هنالك بعد مساراً مقبولاً للوقوف عند حدود درجتين مئويتين فقط أعلى فى متوسط درجة حرارة جو الأرض بحلول عام 2050 ، بيد أن التخفيف من أثر التغير المناخى، وتأمين انتزاع كربنة أعمق يمكن تحمل تكلفته، ليس بعد متأخراً جداً. رابعاً: إدراك أن القيادة المتشظية تنطوى على أكبر خطر للجميع تتسع جيوسياسات النفط والغاز لتشمل التكنولوجيا والبيانات، ورغم الروح الجديدة لريادة الأعمال الصغيرة في الطاقة، فخلال ثلاثة أعوام على الأكثر سيربح وعد التقدم في مقابلة "اتفاق باريس" بتنافسيات جيواستراتيجية جديدة، وعائدات اقتصادية متواضعة، تَحُدُّ من إِجَازَة الاستثمار في الانتقال الطاقى energy transition ، وفى غضون ذلك تبزغ زعامة جديدة وغير تقليدية في الانتقال الطاقى العالمى بتجددية مدهشة في قطاعات الاستخدام النهائي. عشــــرة مجـــــالات للفعــــل استخدام جميع مسارات التدفق لتأمين سيولة وانتشارية الطاقة النظيفة على الأساس العالمى والمحلى هو غاية يسعى الجميع إليها، وقد تم تحديد عشر فرص جديدة في الطاقة للرخاء المستدام وشعوب الأرض. فلنعتمد زعامة قيادية مؤثرة جديدة إن إدارة الانتقالية الطاقية العالمية على نحو ناجح لهى تحد معقد لا يمكن إدراكه مرة واحدة وإلى الأبد.. فنظام الطاقة يتميز بتنوعية متزايدة في المشاركين فيه، والاهتمامات، والتحديات. ولا تستطيع تكنولوجيا الطاقة الجديدة وحدها مناولة الحلول العلمية المواقتة التي يمكن أداء مقابلها (أى دفع ثمنها) ، ولذا فالقادة المسئولون يعملون الآن على حفز الاقتراب إلى "نظام كلى" whole system يتأصل من خلال التجدد التعاضدى، والتجارب المشتركة، والانفتاح للتعلم المتواصل، ويمكن للسيناريوهات المرادفة أن تفيد في تصفية تعقدية التغيرات في شبكات الإمداد، ومصادر الطاقة وخدماتها، وفى تمهيد الأرضيات المشتركة الجديدة. ولنقاوم فخ حلول "التثبيت السريع" و"المسمار الفضى" ليس هنالك "مقاساً واحداً" يناسب كل الحلول، ولا توجد فسحة للإطراء أو الإجحاف والتحامل تجاه أحد مصادر الطاقة أو غيره، فَتَبَنِّى التوليفة ذات الكربون الصفرى الخالص، والفحم النظيف عالى الكفاءة منخفض ابتعاثات غازات الدفيئة، وآليات التخفيف الكربونى، والطاقة المتجددة التي يعول عليها ويمكن أداء مقابلها، يُعَدُّ أمراً جوهرياً إذا تعين علينا أن نحرز انتقالاً مواقتاً بيئياً وفي المتناول اجتماعياً، وأن نُمَكِّن للخيارات السياساتية الأفضل. ولنعجل بالتجارة في الموائع النظيفة تبزغ الآن مسارات جديدة للحرارة والموائع والغاز والتخزين ذات الكربونية الصفرية الخالصة (الزرقاء)، وصفرية الأحفوريات (الخضراء) التي بمستطاعها التمكين لصعود المتجددات، والوصول إلى أطراف في نظام الطاقة لا تزال مكلفة جداً في انتزاع كربونها، فيمكن زيادة تدفقات الطاقة النظيفة ("السيولة") بالتحويل فيما بين الإمداد والتخزين، وتحقيق التقدم في التكامل الإقليمى، والتمكين لأسواق جديدة لتجارة الطاقة النظيفة. ووفقاً لدراسات النمذجة والدراسات التحليلية فإن الهيدروجين هو مبدل الوضع والتنافس، وقد يبلغ نقطة الارتفاع ذات 2.5% (11 إكساجول) من الاستهلاك الإجمالى النهائي للطاقة بحلول عام 2040، ثم يتعجل فيما بعد. ويتعين على الحكومات والمنظمين على المستويين الإقليمى والوطنى أن يؤسسوا مجالاً لمستوى التداول للوُقُد المائعة، وأن يؤكدوا القبول الجماعى للوُقُد الخضراء المستوردة. ولنُمَكِّن لتخطيط عمل البنية الأساسية للطاقة التخطيط المسبق المتقدم لتأمين الاستثمار الضرورى للبناء الجديد، وإدارة التمديد للمحطات، وإعادة الاستهداف للأصول القائمة، يتعين أن تأخذ بعين الاعتبار أن قسماً متنامياً من نظام الطاقة صار أقل وضوحاً لصانعى السياسات ومشغلى الشبكات، ولذا فالتخطيط المسبق يتطلب تنسيقاً للبيانات في علاقتها بترسيم خرائط هياكل البنية الأساسية الحرجة، وتشارك والتحام مقسمى ومجمعى الطاقة. ولنحتضن تصميمات للأسواق الجديدة تقود اللاتمركزية أو التَوَزُّعِيِّة فى القوى الكهربية إلى تغيرات مهمة ذات مغزى لقواعد تصميمات الأسواق، وإلى الأخذ بالتكنولوجيات الجديدة وانتشارها. وتحتاج الحكومات أن تُوَصِّل بأمانة استراتيجيات متكاملة للانتقال الطاقى، لا تتحدى فقط الأعمال الكبيرة وتقدم وعوداً بالدعوم للعامة، بل بديلاً عن ذلك يتحتم أن تقنع المجتمع أن "اللا فى فنائى الخلفى" NIMBYISM معناها الصريح ألا تذهب للتغيير، بينما كل واحد مطالب بأن يساهم وأن يغير سلوكه. إن المقبولية الاجتماعية لأى نوع من التكنولوجيا الجديدة، سواء طاقة سلسلة الكتلة أو الفحم النظيف، أو النووية الجديدة، أو الهيدروجين، أو تخزين الطاقة حديث العهد، أو مزارع الرياح لم تُعْطَ إجمالاً بَعْد، وهى حاسمة للعهد للجديد. إن الوُقُد الأحفورية ستظل مناط الاحتياج لعقود عِدَّة قادمة خاصة الفحم النظيف، ولذا يتعين أن تصير نظيفة مع بقائها في الوقت ذاته يُعَوَّل عليها، ويمكن دفع ثمنها. ولنعزز الحوار العالمى بشأن الوصول الأنفع والأعدل مجتمعياً للانتقال الطاقى بغض النظر عن التقدم الحادث في إغلاق الفجوة الأساسية أو القاعدية في الوصول للطاقة، يوجد على وجه التقريب بليون من البشر لا يزالون يعتمدون على حرق روث البهائم والخشب للطهو والتسخين، وهو السبب الرئيسى المؤدى للموت المبكر. إن إحراز 100% وصولاً للطاقة بحلول عام 2030 يبدو مجدياً للغاية، ولكنه يتطلب البناء على الخبرة المتحصلة من الدول المتقدمة، والنماذج الناجحة في قطاع الأعمال. وفى ظل تنامى فقر الطاقة في بعض دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، يبدو ما يسمى بالوصول الأساسى أو القاعدى للطاقة إجراءً كليلاً لا يُؤمِّن تدفقات الطاقة النظيفة النافعة المطلوبة لتمكين الرفاه العالمية، وبلايين الأرزاق والمعايش الجديدة، على أن التعاون الدولى والإجراءات الصلبة تتعاظم ضرورتها لتقوية الوصول النافع للطاقة، وتنمية وتنويع ونزع كربنة الاقتصادات جميعاً. ولنوفر أمناً مشتبكاً ومرناً ولنستثمر فى المطاوعة الدينامية طالما تميز أمن الطاقة القومى تقليدياً بقوة وشدة ونشاط نُظُم الطاقة، وبالأرصدة الاستراتيجية من النفط. ويكشف الارتحال إلى نظم للطاقة تتميز بالرقمنة، والتَّوزُّع، واللاكربونية عن تحديات جديدة لأمن الطاقة – بما فى ذلك الأحوال الجوية المتطرفة، ورؤيانية الشبكة، والعولية، والمطاوعة والاحتمالية، وتهديدات الأمن السيبرانى. وتعتبر المطاوعة والاحتمالية الدينامية إطاراً جديداً للعمل يمكن تبنيه من قبل الحكومات وقطاع الأعمال لاحتضان فرص التَعَلُّم خلال محاكاة الكوارث، وإعداد استجابات معجلة، والارتقاء بالمنظومة. ولنقو استراتيجيات الترابط والاقتران نحو استخدامات أعمق انتزاعاً للكربون يمكن أداء مقابلها للحرارة والغاز والوقود مخرجات مسارات التكامل السياساتى واستراتيجيات الترابط والاقتران القطاعى ضرورية لمقابلة التحديات الأعمق لنزع الكربنة، المرتبطة بالاستخدامات غير المكهربة للطاقة، بما فى ذلك التدفئة والتبريد الفراغى، والنقل على المسافات الطويلة، والاستخدامات الصناعية للحرارة، والوُقُد الغازية والمائعة.. فالآليات التخفيفية للكربون، سواء كانت موضع الترحيب أم لا، ستكون هى مناط الاحتياج فى حالات كثيرة. ولنطور اقتصاديات جديدة للانتقال الطاقى التكلفة الكلية لمجمل الانتقال لنظام الطاقة ليست هى ذاتها كالتكلفة الحدِّية للإمدادات الجديدة، فإذا استهدفنا 100% قدرات متجددة نحتاج أن نأخذ بعين الاعتبار التكلفة المضافة للتَّقَطُّعِيَّة والتَّرَجُّحِية التى تعتور المتجددات فى خدمة عولية الطلب على الكهرباء، والقدرة على أداء مقابله. ولنغلق فجوة المهارات والقدرات والاستطاعة تحاول قطاعات الطاقة على اتساع العالم أن تجتذب الموهبة والألمعية ونبوغ الأذكياء، وأن تعالج الفجوات الحرجة فى المهارات. ولسوف لا يكون أخصائيو الطاقة المستقبليون كلهم من المهندسين، لكنهم سيحتازون مهارات متعددة مختلطة، وسيأتون من كل شرائح المجتمع، فالتعليم الهندسى وبناء القدرات هما مرتكزان جوهريان لخلط المهارات والقدرات ومزجها، وقد صارا يتلقيان الآن فصاعداً اهتماماً لجوجاً.