أسامة داود يكتب: البترول العربى لا يزال سلاحًا قويًا.. لماذا لا يُستخدم تعبيرًا عن الغضب؟

فى عام 2002 أثناء العدوان الصهيونى على غزة، التقيت فى معهد ناصر مع جرحى الانتفاضة الفلسطينية وكان من بينهم نموذجان يستحقان الدراسة، سيدة فقدت زوجها واثنين من أشقائها و4 من أبنائها ووجدتها فى رعاية ابنها الخامس الذى كان ضمن صفوف المقاومة وأصيب إصابات بالغة، رأيت السيدة بعينيها الثاقبتين ووجها الصابر المحتسب، الثابت لسانها من بين التسابيح تقول فى ثبات لم أعهده من قبل "فقدت الزوج والأخ والابن ولكن هناك من سيأتون من أصلابنا من الأطفال، وهم رجال الغد وفدائيو واستشهاديو باكر.. لن تعدم الأرض من يدافع عنها.. أشرف لنا أن نموت شهداء على أن نعيش منعمين جبناء. لن ننسى قضيتنا ولو استطعت لحملت السلاح ولكن فى بيتنا وفى وطننا رجال لا يهابون الموت". كان على الجانب الآخر صبى لم يتجاوز العاشرة من العمر، مبتور اليد ويعالج من إصابته، سألته فقال بلكنته الفلسطينية "كنت أصنع عبوة ناسفة.. من البارود والمسامير وشظايا حديدية بوضعها فى حلة طعام فارغة ثم نتولى لحامها بمهارة ورفق، وشاء القدر أن تنفجر بى إحدى العبوات لتطير يدى". وأضاف: "ليست المرة الأولى التى أصاب فيها" ليكشف عن كتفه وقد أصيب برصاصة اخترقت كتفه البض.. العبرة هنا أنه رغم إصابته الأولى لم يشعر بالجبن ولكن الأمر تطور لديه فأصبح ممن يصنعون العبوات الناسفة بأشياء بدائية. هنا أيقنت أن فلسطين وقضيتها لن تموت.. حتى ولو تجمع العالم واختار السير فى ركاب الكيان السرطانى التوسعى أساس كل مصائب العالم وكوارثه وأزماته وهم الصهاينة. وكان العدو الصهيونى قد استخدم فى هذا العدوان الطائرات إف 16 لقصف أحياء كاملة من المدنيين بهدف زيادة حصيلة القتلى رغم أن حماس لم تكن قد اخترقت حدود الأرض المحتلة وضربت قواعده وكتائبه العسكرية الإجرامية، ولم تكن حماس قد فعلت معه سوى أسر أحد جنود الاحتلال.. لن تموت قضية فلسطين لأن كل أطفالها هم مشروع مقاومة للمحتل وكل نسائها خنساء العرب التى تلد وتربى وتؤهل وتصنع من براءة الأطفال رجالاً لا يخافون الموت للدفاع عن الأرض والعرض. فلسطين تاريخ منسوج فيه كلمات السماء من رب العزة لأنبيائه المرسلين بأحجار وتراب ودروب الأرض بنخيلها، بأشجار الزيتون، بالبشر والحجر.. لن تخبو جذوة النضال ولن تنطفئ نيرانها ضد المغتصب السفاح حتى ولو فتحت خزائن العالم له لأنها لن تكون أنهارًا ولكن بحيرات آسنة راكدة. لن يتوقف نضال فلسطين ضد المحتل حتى ولو تخاذل بعض العرب أو أكثرهم ولم يغضبوا حتى بكلمة أو بفعل ينم عن الغضب مثل وقف إنتاج البترول وتعطيل الحقول لأيام.. لا تصدقوا أن لدى الغرب ما يكفيهم شهورًا.. لا.. فالبترول العربى لا يزال سلاحًا قويًا.. ولكن ماذا يفعل السلاح إذا ما وضع فى يد من يجهل دوره؟ لن تموت قضية فلسطين ولو تم دك غزة ولم يبى بها قلب ينبض لو قضى على حماس وكل فصائل المقاومة لأن الأرض سوف تقاتل الصهاينة.. نعم سوف تلعنهم مع كل صباح ومساء. سوف تظهر فصائل جديدة للمقاومة كما ظهر صلاح الدين بعدما غزا الصليبيون كل الممالك العربية عبر خيانات ملوك وأمراء عرب وعبر حشد كل طاقات الغرب بزعم تحرير بيت المقدس.. لينطلق ومن أرض مصر بطل جديد مثلما انطلق صلاح الدين الأيوبى الكردى الذى جاء من بلاد الرافدين لينمو فى مصر وعبر رجالها، كان هو المخلص لبيت المقدس هو ما أذاق الصليبيين مرارة الهزائم وقتل جنودهم. أعرف أن فى فلسطين وفى الوطن العربى ومن بين شعوبها مشاريع مقاومة سوف تنطلق يومًا ما إلى أرض فلسطين لتحريرها من دنس الصهاينة وأتمنى ألا أسمع تلك الأفواه النتنة وتلك الألسن المسممة تنطق بكلمة عاملوا الصهاينة بإنسانية.. لأن كل يهودى على أرض فلسطين هو صهيونى سفاح قاتل. إن معايير الكفاءة والبطولة لدى الكيان الصهيونى لتقييم قياداته هى بشاعة ما يرتكبونه من مجازر ومذابح وقدرتهم على معاداة الإنسانية. إن مجزرة المستشفى المعمدانى هى خير دليل أمام العالم على أن الصهاينة هم أحقر وأحط صنوف البشر ولن أقول إنهم حيوانات بشرية لأننى لا يمكن لى أن أظلم الحيوان الذى هو أكثر إنسانية ورأفة ورفق مع بنى جنسه. إن الصهاينة الذين مارسوا كل صنوف القتل منذ فجر التاريخ، ليس غريبًا عنهم ما يرتكبونه الآن من مجازر، فهم قوم غير صنوف البشر، ولو كان ما يرددونه عن الهولوكوست صحيحًا وهو محل شك، فقد منحوا بأفعالهم الأكثر شناعة هتلر الزعيم النازى صك البراءة، ولم أسمع ولم أقرأ عن أبشع من تلك الجرائم التى تُنقل إلى العالم الذى غادر ضميره الدنيا غير مأسوف عليه. ولا أملك إلا أن أصيح وسط حالة الخذلان التى أراها فى دول عربية مازالت ــ رغم كل تلك المجازرــ تدعم الغرب بثرواتها. لا يسع رعايا الأمتين العربية والإسلامية إلا أن تصرخ بأعلى صوت.. "أين أنت يا صلاح الدين؟!".