أسامة داود يكتب: الراحل عبدالخالق عياد كما عرفته

أسامة داود يكتب: الراحل عبدالخالق عياد كما عرفته


تتلمذ على يد عمالقة مثل "على والى" و"غراب" و"البرقوقى"

ساهم فى أول تجربة بعمليات الحفر المائل بمصر

واحد ممن شاركوا فى تأسيس شركة أدنوك الإماراتية

قدم استقالته احتجاجًا على محاولة انتزاع إحدى صلاحياته


رحل عبدالخالق عياد صاحب القلب الطيب والروح الوثابة كان شعلة نشاط حتى أيامه الأخيرة يقرأ ويحلل ويدلى برأيه فهو من خبراء البترول الذين تتلمذوا على يد عباقرة وعمالقة منهم على والى وعبدالمنعم غراب وأحمد نصر البرقوقى.

عرفته فى نهاية تسعينيات القرن الماضى عندما كلفت بمتابعة ملف الطاقة بصحيفة العربى كان من أقوى رؤساء هيئة البترول وكان صاحب رأى ورؤية واختلف مع الدكتور حمدى البنبى وزير البترول وقدم استقالته احتجاجًا على افتئات أحد وكلاء الوزارة على اختصاص من اختصاصاته.. وتدخل وقتها لحل الأزمة وإثنائه عن الاستقالة الدكتور سيد الخراشى الذى يستحق وصف "ملاك" قطاع البترول.. وسوف يأتى الوقت الذى أسرد فيه تلك الوقائع.

كان عبدالخالق عياد قارئًا نهمًا لم يتوقف لحظة حتى بعد مغادرته قطاع البترول مع بلوغه سن التقاعد قبل ما يقرب من ربع قرن من الزمان ومع وجوده فى مجلس الشيوخ كنائب منتخب ترأس لجنة الطاقة ليجعل اللجنة أشبه بمركز بحث ومتابعة وكان يشرح لأعضائها بأسلوب شيق ما جعلهم مُلمين بقضاياها.

البداية

بدأ عبدالخالق عياد اهتمامه بالبترول فى عمر 17 عامًا وكانت قراءاته لنجيب محفوظ والتاريخ قد أسهمت فى هذا الاهتمام ومع تأميم قناة السويس فى عام 1956 واهتمام عبدالناصر بملفين الأول القناة والثانى البترول المصرى.

هنا اتجه نظر عياد إلى قطاع البترول ليكون مستقبله الذى يجب أن يخطط من أجله وفى عام 1957 وهو نفس العام الذى أنشئت فيه الشركة العامة للبترول لتكون أول كيان مصرى وطنى يهتم بعمليات البحث والاستكشاف وإنتاج البترول والتى أصبحت الآن من أكبر الشركات إنتاجًا للزيت الخام فى مصر، كان هذا التوقيت هو بداية التحاق عبدالخالق عياد بالجامعة، وكان إنشاء شركة مصرية تتولى البحث والاستكشاف قد أثار انتباهه ففتن به وقرر الالتحاق بقسم هندسة البترول.

وكان قد تم اختيار اثنين من مهندسى البترول وهما الدكتور عبدالمنعم غراب وأحمد نصر البرقوقى ليكونا نواة الشركة العامة، وكلاهما كان يعمل فى شركة "شل" الهولندية.

توسط والد عبدالخالق عياد لابنه الذى يدرس الهندسة للالتحاق بمستودع طنطا للمنتجات البترولية كمتدرب أثناء الدراسة، وكان أول مستودع مصرى لا يخضع للخواجات ليتدرب فيه عام 58 ثم ينتقل للتدريب بالشركة العامة عام 61 والتى تم تعيينه بها عقب تخرجه فى الجامعة عام 62.

يقول عياد لى فى حوارات لم تنشر بعد: كان أول لقاء لنا بعد التعيين بالمهندس على والى وكنا 12 مهندسًا وظل ينظر إلينا نظرات شعرنا حينها أنها تخترقنا وكأنه يفتش داخلنا عن شيء، ثم قال بعد صمت طويل إن الشركة لن تستوعب هذا العدد واقترح علينا قبول التدريب فى الحقول كعمال وفنيين على أجهزة الحفر.. قَبِلنا لأن البديل كان صعبًا وهو التعيين فى الصرف الصحى.

وعينت براتب شهرى 32 جنيهًا بجانب 3.5 جنيه بدل صحراء وكان مبلغًا محترمًا، وكان العمل ٤٢ يومًا و٦ أيام إجازة.

ومع تأميم شركة آبار الزيوت حدثت نقلة فى حياة عياد حيث تم ضم آبار الزيوت العملاقة إلى الشركة العامة الوحيدة، وتبدلت أحواله حيث أصبح يقيم فى مبان فخمة ويستمتع برفاهية لم يكن قد تعود عليها فى العامة للبترول حيث الإقامة كانت فى وحدات خشبية.

نجم عياد يتوهج

ومع توهج نجم المهندس الشاب عبدالخالق عياد فى عمله بالشركة العامة تم اختياره للسفر فى بعثة تدريب فى الولايات المتحدة الأمريكية مع شركة "إيستمان أوف ستوك"، وبعد أن قرر عبدالناصر رغم خلافات السياسة مع الولايات المتحدة الأمريكية الاستعانة بشركتى أموكو وفيليبس الأمريكيتين للبحث عن البترول والاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية.

بعدها كان واحدًا ممن تم الاستعانة بهم فى أول تجربة تقوم بها مصر من خلال شركة أجنبية فى عمليات الحفر المائل وكان الدكتور حامد عامر رئيس شركة خليج السويس والمهندس محمد توفيق شوقى مدير عمليات شركة بان أمريكان الشريك الأجنبى فى خليج السويس قد أصرا على الاستعانة بالعناصر المصرية ومنهم عياد الذى ارتفع راتبه من ٣٢ إلى ٤٨ جنيهًا.

وفى عام ٧٧ سافر إلى أبوظبى ضمن ٢٨ مهندسًا مصريًا للعمل فى شركة أدنوك الإماراتية وبقى بها حتى عام ٨٢ كما تم اختياره للمشاركة فى تأسيس أول شركة حفر وطنية بالإمارات وكان الاختيار من جانب الشيخ طحنون بن محمد الذى ترأس العديد من المناصب ومنها رئيس مجلس إدارة أدنوك.. ليدخل عياد فى منافسة شرسة مع خبراء من كل أنحاء العالم ليتشرب روح المنافسة والتحدى واكتساب الخبرات لتنضج لديه صلابة رجل عرفناه عن قرب مثالاً للعبقرية والتحدى معتزًا بكرامته مؤمنًا بحقه فى امتلاك كل الصلاحيات فى أى موقع يسند إليه طالما يتحمل مسئوليته.

رحم الله عبدالخالق عياد العملاق صاحب المبادئ الذى تربى على يد عباقرة وعمالقة رحمة واسعة وأسكنه فسيخ جناته.