أسامة داود يكتب : 9 سنوات من تجريف القيادات فى زمن الملا ( 2 )

أسامة داود يكتب : 9 سنوات من تجريف القيادات فى زمن الملا ( 2 )


أنقذوا قطاع البترول من التراجع فى كل شىء 

 أنصاف الموهوبين مشغولون بحصد المزايا والبدلات وترك المشاكل لتتحول إلى أزمات ثم كوارث

هناك عناصر شبابية تستطيع استكمال المسيرة ولكن لا يسمح لهم برفع رؤوسهم وإلا

أخشى الاستعانة بقيادة من خارج القطاع لا تملك الدراية الكاملة بمشاكله

 دخل بعض القيادات مئات الالاف شهريًا وبعضهم لديه 5 عضويات بمجالس الإدارة

هناك من  يمارسون كل أنواع القهر ضد كل رأس تريد أن تفكر 

الإنتاج والعناصر الفنية والإدارية المؤهلة لتحمل المسئولية تواجه أنواء وعواصف لا حصر لها 

 بدلات المحظوظين تتجاوز فى ضخامتها أجر رئيس أرامكو وسابك السعودية

 استراتيجية صناعة الأيدى المرتعشة لن تستطيع البناء

 أستغيث بمن فى يده الحل والعقد أن يراجع عن قرب أداء قطاع البترول 

 أطالب باستخراج العناصر التى أصبحت كالدرر فى قاع البحر ولا يسمح لها بالطفو وإلا تم  اصطيادها 

عبدالهادى قنديل أمضى بالوزارة 7 سنوات وترك خلفه 5 مستويات قيادية 

البنبى ترك خلفه عياد وفهمى ومصطفى ومئات يصلحون لإدارة الوزارة بكفاءة 

سامح فهمى سلم مبارك أسماء 20 قيادة جميعهم يستطيعون  إدارة شئون القطاع

هذا سر نجاح مجموعة شباب فى التغلب على أكبر أزمة وقت نكسة 67


هل مدة الـ9 سنوات التى مرت على المهندس طارق الملا فى منصبه كوزير للبترول ليست كافية حتى يصنع مستويات وظيفية قادرة على أن تحمل على عاتقها مهمة استمرارية بناء القيادات بالقطاع الاقتصادى الذي يعد الأهم فى الدولة المصرية؟

 لم يكن قد مر على الكيميائى عبدالهادى قنديل فى مقعد وزير البترول أكثر من 7 سنوات حتى ترك خلفه 5 مستويات قيادية كل مستوى به المئات يصلحون لتحمل مسئولية القطاع وهو ما حدث بالفعل ، كما أن المدة التى قضاها الملا تزيد عن عمر وزارة الدكتور حمدى البنبى بكثير، لكن البنبي ترك خلفه العشرات ممن يصلحون لقيادة القطاع كان من بينهم عبدالخالق عياد وسامح فهمى ومحمد طويلة وكمال مصطفى ومصطفى شعراوي  ومئات يصلح كل منهم أن يدير الوزارة بكفاءة.

ألم يسلم سامح فهمى للرئيس حسنى مبارك عندما سأله عن حال قطاع البترول أسماء 20 قيادة وقال له : كل منهم يستطيع إدارة دواليب العمل بالوزارة بكفاءة عالية وعندما غادر القطاع كان هناك عبدالله غراب وهانى ضاحى وعبد العليم طه ومحمد شعيب وأسامة كمال وطارق الحديدى ومحمود نظيم وشامل حمدى متعهم الله بالصحة  وشريف إسماعيل وإسماعيل كرارة عليهما رحمة الله ، ومنهم من رفض الوزارة لأكثر من مرة وهو محمد شعيب واعتذر عنها هانى ضاحى ليتولى معظم هؤلاء الوزارة بينما تولى هانى ضاحى وزارة النقل وأحدث طفرة بها ووصل أحدهم إلى موقع رئيس مجلس الوزراء وهو المهندس الراحل شريف إسماعيل.

أتحدث بالأسماء وبالأرقام وليس بالهوى وأطالب بإنقاذ قطاع البترول الذى أرى أن به من العناصر الشبابية من يستطيع استكمال المسيرة ولكنهم جميعًا غير مسموح لهم برفع رؤوسهم وإلا ينطبق عليهم قول الحجاج بن يوسف الثقفى "إنى أرى رؤوسًا أينعت وحان وقت قطافها."

أستغيث بمن فى يده الحل والعقد أن يراجع عن قرب أداء قطاع البترول وأن يحاول استخراج العناصر التى أصبحت كالدرر فى قاع البحر ولا يسمح لها أن تطفو خوفًا من اصطيادها عبر أهل اللهو من محترفى نشر الظلام.

زمن العمالقة

ففى زمن العمالقة يبزغ نجم الشباب ويتحولون إلى أيقونة تتوهج بالطاقة والحيوية تعمل وتجد وتفكر وتبدع وتصوب ما تقع فيه من أخطاء تملك روح العزيمة والمثابرة والتحدى، تستطعم النجاحات وتطارد الفشل حتى الأخطاء تستفيد منها فتتجنبها.

 كانت تلك هى وزارة البترول ولم يكن المهندس العبقرى سامح فهمى قد ولد فى زمن آخر غير زمن أترابه وأقرانه، ولكن عبقريته كانت تتلخص فى أنه إذا ما أراد أن يتخذ قرارًا جمع أهل الحل والعقد  فى نفس المجال - دون الاستعانة بوسطاء على شاكلة كهنة المعبد فى الأزمان الغابرة أو أصحاب المصالح بالوزارة حاليا - فيطرح الأمر ليتحول إلى نوع من الشد والجذب بين كل الأطراف الذين يمسكون بخيوط الكلام دون مقاطعة ودون موانع، وما أن يتقدم أحد باقتراح أو رؤية للحل كان يطلب من باقى الأطراف أن يردوا عليه بما لديهم من ملاحظات. 

كانت تلك الجلسات التى تناقش الأزمات وتبحث فى الحلول أشبه بأتون تنصهر فيه أحجار الذهب لينقى منه كل الخبث فيصبح فى أعلى معدلات النقاوة.

كانت حالة من العصف الذهنى التى تتحول بموجبها الرؤى إلى قرارات شفافة وليست كما نرى فى قطاع البترول حاليًا يتحكم فيه أنصاف الموهوبين المشغولين بعدة أمور أهمها حصد المزايا والبدلات وترك المشكلات لتتحول إلى أزمات ثم كوارث وأعظمها ما يواجهنا حاليًا من تراجع فى كل شيء، الإنتاج والعناصر الفنية والإدارية المدربة والمؤهلة لتحمل المسئولية فى مواجهة أنواء وعواصف لا حصر لها.

لماذا استطاع مجموعة شباب فى الثلاثينات من العمر التغلب على أكبر أزمة شهدتها مصر فى تاريخها وقت نكسة 1967 عندما خرجت كل حقول البترول تقريبًا من أيدينا لكون أكثر من 90%من إنتاجنا البترولى كان من سيناء ولم يتبق أى أمل أمام الدولة والشعب؟.

ولكن كان هناك قيادات من أمثال محمود يونس و على والى وأحمد كامل البدرى وشباب منهم أحمد عز الدين هلال و رمزى الليثى وعبدالهادى قنديل وحسب النبى عسل وآخرين تحدوا كل الصعاب وغيروا الواقع واستطاعوا تدبير كل احتياجات الدولة من الزيت ومن المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء.

كان يتم استخدام الترع فى نقل الزيت الخام عبر اللانشات، وكان يتم حفر مساحات وتحويلها إلى ما يشبه البرك والمستنقعات الكبيرة ليتم عزلها بأنواع من البلاستيك ووضع كميات الزيوت بها لتعريضها للشمس للتخلص من المواد الخفيفة التى تتطاير ثم الإبقاء على المواد الثقيلة التى كانت أقرب ما يكون للمازوت واستخدامها فى تشغيل محطات الكهرباء لاستمرار حركة الحياة حيث كان قد تم ضرب معملى النصر والسويس بجانب معمل وادى فيران.

ما الذى دفع هؤلاء لأن يفعلوا ما فعلوه إلا وطنيتهم المخلصة التى يدعمها شعورهم بالانتماء إلى قطاع منحهم الثقة فى أنفسهم ولم يسلبهم شقاهم وعرقهم ولم يسخر من علمهم لكونهم من أبناء البسطاء من الشعب وليسوا من أبناء الذوات أو من أبناء الهليبة والمصلحجية والقاطنين فوق أنفاس قطاع البترول بقوة المحسوبية ويمارسون كل أنواع القهر ضد كل رأس تريد أن تفكر وكل يد تريد أن تبدع وكل قيادة تريد أن تنجح.

أتحدث عن قطاع كانت المستويات الوظيفية متدرجة فى الهندسة والجيولوجيا والكيمياء والادارة والمحاسبة بداية من مهندسين يتدربون ويتأهلون، وفنيين يتعلمون كل فنون العمل وإداريين ومحاسبين يبدعون فى تيسير كل وسائل النجاح للقائمين على عجلة الإنتاج من أمثال عبدالفتاح أبوزيد وخالد الحديدى وامازيز ووفيق زغلول ومحمد مصطفى وهادى فهمى وكان زعيمهم مدير إدارية هيئة البترول الأسبق جابر خليل الذى قال لى عنه عبدالهادى قنديل  كنت أنوى أن أسند له مهمة قيادة هيئة البترول وذلك لفرط عبقريته وقدرته على إنجاز المهام الصعبة رغم أنه لم يكن فنيًا.

أين أمثال كل هؤلاء الآن؟.. لقد تم تجريف القطاع من القيادات ، ولم يتبقى سوى أمثال الاستاذ حسام التونى نائب رئيس هيئة البترول للشئون الادارية الذى  أصدر قبل أيام قرارًا من قراراته وهو حرمان العمالة بالحقول من اصطحاب أى من الوجبات الجافة المخصصة لها إلى خارج الحقل وتفتيشهم تفتيشًا دقيقًا قبل خروجهم. 

وعندما تحريت عن القرار وأسبابه وجدت أن العمالة الفنية المنهكة خلال أيام عملها - والتى تتقاضى ما بين مائة ومائتين جنيها يوميا وهى بقايا فتات موائد أبناء الذوات بالقطاع - يوفرون بعضًا من الوجبات المحددة والمخصصة والمنصرفة لهم وهى حق وليس هبة لاصطحابها لأسرهم التى تنتظرهم مع أجورهم الهزيلة لتساعدهم على الحياة باقى الشهر.

هذه قيادات تلك الأيام التى تعقد الاجتماعات ليس لبحث الأسباب التى دفعت العاملين فى الحقول لاقتطاع جزء من وجباتهم الجافة واصطحابها لأسرهم.. وكان يجب أن يعالج الأمر بتثبيتهم وتحسين اجورهم ومنحهم كل المزايا من تأمينات وعلاج وليس تركهم كعمال تراحيل يتم جلبهم عبر وسطاء وسماسرة ويمكن الاستغناء عنهم فى أى وقت.

تحدثت سابقًا عن القابضة للغازات الطبيعية التى تولى أمرها المهندس الدكتور مجدى جلال لسنوات متتالية عبر آلية التجديد والتى انحدر إنتاجها كما أشرت وبالأرقام التى نقلتها على لسانه ولسان الوزير طارق الملا عبر تصريحات نقلتها كل وسائل الإعلام وكان ثمار هذا التجديد هو التراجع بالإنتاج من 7.3 مليار قدم إلى 5.5 مليار وقت مؤتمر إيجبس ثم 5 مليارات وقت مغادرته الشركة ليترك لمن خلفه كرة ملتهبة من التراجع فى الإنتاج وعليه أن يعالج هذا الأمر.

وقلت أنا لست ضد التجديد وقد يكون ضرورة ولكن لمن؟ لعناصر كفئة لديها من العبقرية ما يتفوق على الآخرين وبشرط أن يكون قد استطاع تأهيل قيادات الصف الثانى خلفه.

عضويات بالدولار

إن عضوية مجالس إدارة الشركات تنقسم إلى قسمين: قسم يتقاضى بدلاته بالدولار،  تصرف له بالجنيه المصرى طبقًا لسعر صرفه أمام الدولار بالبنك المركزى، بجانب مرتباته ومخصصاته من شركته الأصلية والتى تتجاوز للبعض 200 ألف جنيه وكان أحد القيادات يصل دخله إلى 800 ألف جنيه شهريًا وبعضهم يحصل على 5 عضويات بمجالس الإدارة .

 بينما هناك عضويات بالشركات العامة بدلاتها هزيلة وتكون من نصيب رؤساء الشركات العامة وبما لا يزيد عن عضوية واحدة ، وهناك رؤساء شركات إنتاج ومسئولون عن استخراج الزيت والغاز من باطن الأرض ويتنقلون ما بين الحقول ودواوين شركاتهم وهيئة البترول والقوابض على مدار أيام الأسبوع، ولا يتحصلون إلا على أقل القليل عبر أجور، قال لى أحدهم وهو من القيادات الفذة إنه بدخله لم يستطع تحمل تكاليف إلحاق أبنائه بالتعليم الخاص وأبقاهم بالتعليم العام.

سألت أحد القامات من رؤساء الشركات السابقين عن المستحقين لعضوية مجالس الإدارة فقال يجب أن توضع العناصر الشابة فى مواقع أعضاء مجالس الإدارة باعتبارهم الأقدر على الإبداع والبحث عن حلول غير تقليدية لحل المشاكل قبل أن تصل إلى أزمات وكوارث كما أنها المكان المناسب لتأهيل قيادات الصف الثانى على الادارة.

وقال: يتم تسكين المقربين في عضوية مجلس الإدارة فى قطاع البترول ، وأطالب القائمين على الأجهزة مراجعة العناصر التى تشغل مواقع عضوية مجالس الإدارة وكم عضوية تمنح للعناصر بقاطنى دواوين الوزارة والهيئة وقوابضها والتى يحتفظون بها حتى بعد خروجهم للتقاعد وكم البدلات التى يتقاضونها والتى تتجاوز ربما فى ضخامتها الأجر الذى يحصل عليه رئيس أرامكو أو سابك السعودية.

وأذكر أثناء حوار سابق مع المهندس سامح فهمى وزير البترول خلال العقد الأول من الألفية الحالية وقت أن كان وزيرًا أننى سألته عن كيفية تقليل الفجوة بين دخول رؤساء الشركات فى القطاع المشترك والعام وبين رؤساء الشركات الاستثمارية فقال: أتولى ذلك عبر مراعاة إسناد عضويات مجالس الإدارة بالقطاع الاستثمارى لرؤساء الشركات العامة مع بدلات تغطى جزءًا من الفجوة.

وأتسائل.. أين شباب الصف الثانى والثالث فى القطاع من عضوية مجالس الإدارة؟، وأين هم من قيادة الشركات؟

البعض منهم يتولى القيادة بالفعل ولكن معظمهم بلا صلاحيات وينتظر التعليمات التى ترد إليه من الوزارة وليس القوابض أو الهيئة وكأنها تعليمات غير مقبول مناقشتها أو مجرد التعديل عليها، إنها استراتيجية صناعة الأيدى المرتعشة التى لا تستطيع البناء.

وحتى لا يتهمنى أحد بالتجنى أو بظلم أحد أرجو مراجعة أداء الشركات وهل يستطيع رئيس شركة أن يختار معاونيه أو حتى يحدد من يصلح لكل مهمة من مهام مديرى العموم أو أن يراجع أو يناقش ما يصدر له من تعليمات حتى ولو كان تنفيذها ضد الصالح العام.

وأخيرًا هناك قيادات حقيقية مطمورة تحت سطوة قرارات صبيانية أشبه بسياط الجلادين بقطاع البترول.. وأخشى ما أخشاه أن يتم الاستعانة بقيادة من خارج القطاع وبالتالى لن تكون على القدر الكافى والدراية الكاملة بمشاكله ووسائل حلها وبالتالى تستفحل أزمة قطاع يجب أن يكون له حظ أوفر من ذلك بكثير؟ خاصة أنه قطاع يسطر التاريخ الكثير من أمجاده التى لا يمكن حصرها وقامات تولته فكانت كعقد اللؤلؤ، فأرجو ألا يُترك لعبث العابثين.