
أسامة داود يعيد نشر حواره مع بطل معركة كبريت بمناسبة ذكري أكتوبر ( 1 – 2 )

فى ذكرى نصر أكتوبر المجيد تنشر "طاقة نيوز" فى هذه الحلقة شهادة البطل محمد نور الدين أحد أبطال معركة كبريت في حرب أكتوبر والتى استمرت حتى الأول من فبراير 1974 وحتى انتهاء مباحثات الكيلو 101.
وهى المعركة التى استمرت 134 يوما ومثلت شوكة فى حلق العدو، أثناء حرب أكتوبر تمنعه من استكمال مخططة فى توسيع الثغرة التى لم تكن سوى محاولة للالتفاف على هزيمته النكراء.
فى البداية يروى نور الدين قصة اللواء 130 قائلا "كان الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر 1973 قد أسس اللواء 130 لمهمة محددة وكان يتضمن كتيبتي صاعقة مدعومتين بالدبابات والمركبات البرمائية وكان دور الكتيبتين مع بدء المعركة أن تنطلق إحداهما الى ممر "متلا" والأخرى إلى ممر "الجدى" لصد تقدم أى احتياطيات من جانب العدو وتعطيله لمدة ساعات محددة لمنع تقدمه حتى تعبر قواتنا".
يضيف نور الدين قائلًا "فى الطريق كانت توجد مناوشات واشتباكات مع بعض قوات العدو ولكن استطعنا أن نصل إلى الممرات فى وقت قياسى ، واستطعنا أن نوقف تقدم العدو لعدة ساعات وحتى تصل قواتنا من الغرب.
كان الدور المنوط بنا تنفيذه هو المناورة وصد العدوان وكنا وصلنا إلى الممرات خلال ساعتين من بدء المعركة".
يواصل نور الدين شهادته بقوله "كنت ضمن أفراد الكتيبة 603 صاعقة وكنت فى ممر الجدى وعندما أنهينا مهمتنا وهى صد القوات البرية للعدو حتى وصلت القوات المصرية وأخذت مواقعها، تم تكليفنا بالانتقال إلى الغرب.
وفى يوم 8 أكتوبر صدرت التعليمات لاحتلال نقطة كانت محصنة بقوة للعدو وكنا نأتى اليها من المواجهة واقتحمناها واستولينا عليها حيث فاجأناهم من اتجاه الشرق وليس الغرب كما كانوا يتوقعون.
فرت القوة الاسرائيلية أمامنا وقد قتل بعضهم وكان بها حوالى 100 جندى اإسرائيلى مجهزين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.
بدأنا بعمل كمائن لمواجهة أى قوات اسرائيلية وكان بالنقطة معدات ومهمات ، وفى يوم 17 بدأ الطيران الصهيونى مع الصاعقة دك الموقع بعمليات قصف مُركز ولم نكن نتمتع بغطاء جوى من خلال قوات دفاع جوى لتغطيتنا وكانت كبريت أضيق نقطة فى الممرات وكانوا يريدون من خلال إسقاط كبريت إقامة ممر للانتقال منه للغرب لتكون نقطة موازية لثغرة الدفرسوار القريبة من بور سعيد ولتكون كبريت قريبة من السويس.
كان الضرب بكثافة ولم نكن نتمتع بأى حماية أو غطاء من جانب الدفاع الجوى المصرى ، وكان الطيران يقصفنا نهارًا فكنا نختبئ بالملاجئ بينما تأتى محاولات التشكيلات الميدانية لمحاولات إقتحام نقطة كبريت ليلا لكنهم يجدوننا أمامهم فى تحد ونحدث بهم خسائر كبيرة فيعاودون قصفنا نهارا بالطيران وكان التناوب علينا ما بين القصف نهارًا وبين محاولة الاقتحام ليلًا مستمرة لا تنقطع.
كنا لا نعرف تفاصيل ما يدور من معارك بعدما فقدنا كل وسائل الاتصال مع القيادة ، كان تمسكنا بالمكان ناتجا عن إيماننا بالله وبأن ترك ولو حبة رمل قمنا بإسترداها لن يحدث ونحن أحياء.
كانت تحصيناتنا بالملاجئ هى لتقليل خسائرنا البشرية وأيضًا لنستعيد قوتنا وحتى نكون مستعدين لمواجهتهم ميدانيًا ليلًا، حتى لا يستطيعوا إستعادة الموقع مرة أخرى. كانت هناك خسائر تقع بنا الا أننا ظللنا متماسكين ولم نستسلم.
ويروى نور الدين لقطات من بطولات المقدم إبراهيم عبد التواب الذى يصفه بأنه صخرة من الايمان و الشجاعة
يقول البطل نور الدين "كان المقدم ابراهيم عبد التواب قائد الكتيبة يملك شجاعة وقوة غير عادية، كان يضع الخطط لسد كل الثغرات التى يمكن للعدو الولوج منها".
بدأ المقدم عبد التواب مع بداية العمليات نقل الألغام التى كان قد زرعها العدو شرق نقطة كبريت الى الغرب وعلى مسافات وعبر خريطة رسمها بإحترافية حتى تعيق تقدم العدو نحونا وهو ما ألحق بالفعل بهم خسائر كلما أرادو الاقتراب منا بمعداتهم الثقيلة، خاصة وأن عمليات القصف كانت قد أفقدتنا ما تركوه من معدات بالاضافة الى مخزون المياة والغذاء.
كنا قد فقدنا الاتصال بالقوات المصرية ولكن تم تحديد الهدف الأساسى وعدم الانشغال بغيره وهو الدفاع عن كبريت بكل ما نملك.
لم يتوقف الضرب حتى بعد وقف إطلاق النار ولم يتوقف إلا مع محادثات الكيلو 101 وكان الفريق الجمسى رئيس الوفد المصرى فى المحادثات، ولم تكن تصل إلينا أى معلومات أو إمدادات ، كانت المياه والطعام قد نفذا بعد أن تم ضرب المخازن الخاصة بهما من جانب العدو لعلمه المسبق بوضع الموقع. ولم يكن لدينا أجهزة أو بوصلة اتجاهات ولم نكن نعرف ماذا وصلت المعركة فى باقى النقاط.
بعد أيام طويلة استطعنا ومن خلال عنصرين من الجنود الوصول إلى الجيش الثالث متسللين وسط قوات العدو بعدما علمنا بوضع الثغرة وأننا محاطون بالعدو ، كان تسلل إثنين من الجنود بنجاح حتى وصلا إلى الفرقة السابعة ليعودا إلينا يوم 25 أكتوبر بعدما حصلا على جهاز لاسلكى، والذى كان يمثل خطوة مكنتنا من بدء عمليات تسلل كان من أهم أهدافها نقل المصابين الى أماكن آمنه ليتمكنوا من تلقى العلاج بالإضافة إلى الحصول على كميات من المياة والطعام لسد احتياجاتنا بعد نفاذ كل ما لدينا وتعرضنا للهلاك جوعا وعطشًا.
ويكمل نور الدين شهادته عن بطولات حرب أكتوبر بقوله" كان التسلل يمثل مخاطرة كبيرة ولدينا أزمة أن لدينا أعدادا من الجرحى تصل إلى 22 جريحا منهم إصابات خطيرة جدا وكان الطبيب المرافق لنا قد استشهد وكان من الصعب أن يبقوا على قيد الحياة دون انقاذ".
طلب المقدم ابراهيم عبد التواب متطوعين لنقل المصابين على نقالات والتسلل بهم فى ظلمة الليل رغم كل المخاطر لأن انتقالنا بهم يكون وسط قوات العدو. على أن يعودوا إلينا بما يستطيعون من إمدادات من المياة والمواد الغذائية لكى نستطيع الصمود.
أبدى الجميع استعدادهم حتى اضطرالمقدم عبد التواب أمام حماس الجميع إلى إجراء قرعة لاختيار المتطوعين وكان لى شرف ان أكون احدهم.
استخدمنا ادوات بدائية لنقلهم حيث استخدمنا بعض الأخشاب وغطاء المعدات وتحويلها إلى نقالات.
تحركنا لمسافة 17 كيلو متر للوصول الى الجيش الثالث بالحالات دون أن نفقد منهم أحدا.
كان من المواقف البطولية أن أحد الجرحى وبإصابات خطيرة قرر أن يبقى وأن يترك النقالة لزميل اكثر إصابة منه. وبعد إلحاح قرر أن ينتقل متكئا على كتف أحد الجنود سائرا بجراحة الخطيرة على قدميه.
سرنا 44 جنديا و 4 ضباط ولم يفطن لنا العدو ووصلنا بهم دون أن يكشف تحركاتنا العدو ، وأثناء عودتنا ونحن نحمل جراكن مياه وكراتين المعلبات والاطعمة الجافة كان العدو قد اكتشفنا وقام بقصفنا بنيرانه الكثيفة ولكن لإرادة الله كنا قد اقتربنا من الموقع ليرد زملائنا بقصف مواقعهم القريبة لتغطيتنا حتى وصلنا .
مازال حديث نور الدين موصولا عن بطولات قائد الكتيبة ، حيث يقول "لم يتوقف تفكير المقدم ابراهيم عبد التواب عند هذا الحد فقرر تشكيل مجموعات أطلق عليها كتائب الموت تتولى القيام برحلة تسلل عبر القناة فى رحلة أطلق عليها رحلة الموت لتتسلل حتى تصل الى مواقع الجيش الثالث وكان منهم عصام طايل وسيد حرب وعادل منصور، ونجحت تلك المجموعة فى العودة ومعهم لنشات محملة ببعض الإمدادات دون أن يكتشفهم العدو وكان أثناء العودة نقوم بالاشتباك مع العدو كنوع من اشغاله حتى لا يكتشف أمرهم.
ومازال للحديث بقية في الحلقة الثانية من سلسلة حوارات أبطال حرب أكتوبر ونتعرف من خلالها على:
البطل ابراهيم عبد التواب وكيف أبهر العالم بصموده وتمكن من إذلال اسرائيل
الثعابين والحشرات طعام الأبطال
السادات قال للجمسى أريد عودة أولادى
قصة تكثيف المياه بجهاز بدائى تحمل الحصار 134 يومًا
قصة آخر شهيد فى حرب أكتوبر 1973
قصة الثلاثة الذين رافقوا عبد التواب حتى استشهاده
ما هى وصية البطل ابراهيم عبد التواب لأبنائه الثلاثة