الأربعاء ٠٥ / فبراير / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب : هذه مخاوفي بشأن مصير العامة للبترول ( 1 )

أسامة داود يكتب : هذه مخاوفي بشأن مصير العامة للبترول ( 1 )

عبارة مثيرة للقلق في بيان الوزير بعد اجتماعه مع قيادات الشركة قبل شهرين

أتوجس خيفة من تصريح "الاستغلال الأمثل للفرص الاستثمارية المتنوعة بالشركة وزيادة الاستثمارات برؤية جديدة"

هل هناك خريطة طريق يحملها بدوي فيما يخص البحث والاستكشاف مع الشركاء الأجانب؟

هل نكرر تجربة اتفاقية شمال الإسكندرية مع شركة BP البريطانية؟ أم هناك أنواع جديدة من الاتفاقيات؟

أخشى أن يصبح قطاع البترول المصري لاعبًا لدور "شاهد ما شفش حاجة"!

قبل أن أبدأ، أؤكد على أن كتابة هذه الأسطر قد مر عليها 66 يومًا بالتمام، ولم تعرف طريقها للنشر، رغبة مني في التريث تجاه أي حدث. ومع تكرار الاجتماعات داخل هيئة البترول مع مجلس إدارة الشركة العامة للبترول، والحديث عن مديونيات الشركة - والتي على حد علمي ناتجة عن التزامات مثل تأجير حفارات وخدمات وأجور وغيرها - نجد أنه في الوقت الذي يتم محاسبة الشركة العامة عن هذه المديونيات، لم تعرج الهيئة خلال اجتماعاتها على قيمة ما تنتجه الشركة من خام، والذي يصل إلى 73 ألف برميل يوميًا  بخلاف كميات من الغاز الطبيعى وفقًا للتقارير الحديثة عن الشركة، وتدخل جميعها في بند التكرير والاستهلاك، دون خروج أي نسبة منها لصالح شريك أجنبي إلا في حدود اتفاقيات الخدمة، والتي سوف نشير إلى طبيعتها في وقت لاحق.

كان يوم الاثنين 29 يوليو 2024، عقد وزير البترول كريم بدوي اجتماعًا مفاجئًا مع قيادات الشركة العامة للبترول بمقر الوزارة في العلمين. أصف هذا الاجتماع بالمفاجئ لأنه لم يكن على أجندة الوزير، وإلا كان قد عقده في العاصمة الإدارية مقر وزارته الرئيسي، بدلًا من جلب قيادات الشركة العامة للبترول من مقرهم بالقاهرة إلى العلمين، مقر الوزارة الثاني، مما أدى إلى إهدار ساعات طويلة في السفر تعقبها ساعات طويلة لالتقاط الأنفاس من رحلة تستغرق 4 ساعات من القاهرة.

ومن خلال اطلاعي على الاجتماع عبر بيان المكتب الإعلامي بالوزارة، استوقفتني بعض العبارات التي تثير داخلي تساؤلات كثيرة بجانب عبارات الإشادة والإطراء على الشركة والقائمين عليها. أولاً، عبارة "الاستغلال الأمثل للفرص الاستثمارية المتنوعة بالشركة، والتي تمثل قاعدة لجذب الاستثمارات". ثانيًا، "زيادة الاستثمارات برؤية جديدة" بجانب عبارات الاشادة والاطراء بالشركة ونشاطها.

لا يمكن بالطبع أن يكون عقد الوزير اجتماعًا مع قيادات الشركة العامة ونقلهم من أقصى الشرق إلى أقصى الشمال الغربي فقط ليستمعوا إلى عبارات الإشادة والإطراء بأداء الشركة. وإن كان ليس هناك ما يثير التساؤل، هل هناك نية للتخلي عن امتياز أو حقل أو أكثر  من حقول الشركة العامة  لمستثمر خارجي؟ هل ستنسلخ الشركة عن مسماها الذي عُرفت به منذ تأسيسها بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1957، لتصبح أول شركة وطنية تعمل في مجال البحث والاستكشاف وإنتاج البترول؟

وإن كان هناك مستثمر للشركة العامة، فأرجو أن يتسع صدر الوزير لتساؤلاتي، التي أطرحها من باب الحصول على المعلومة أولاً، خاصة في ظل رغبة بقايا مراكز القوى وأتباعهم أن يجعلوا من الصحفيين مجرد "عرضحلجية" عليهم أن يكتفوا ببيانات إعلامية تستعرض الجولات المكوكية للوزير مع صور مقابلاته محليًا وعربيًا ودوليًا، دون أن نجد ردًا على أي تساؤل يتعلق بالبترول من حيث البحث والاستكشاف والإنتاج والتصنيع.

فهل هناك خريطة طريق يحملها كريم بدوي تتضمن التخلي عن الحقول لصالح الشركاء الأجانب مقابل الحصول على عائد معين؟

هل ينوي قطاع البترول تطبيق نظم البحث والاستكشاف المتبعة في بعض الدول الإفريقية عبر اتفاقيات تمنح المستثمر الأجنبي كل الحقوق في الحقل مقابل إلزامه ببيع كامل الخام للجانب الوطنى ودفع اتاوة؟

وإن كان هذا صحيحاً هل يستطيع قطاع البترول توفير جميع احتياجات الدولة من الزيت والغاز عبر منظومة الاستيراد، بما في ذلك ما يتم إنتاجه من الحقول المصرية؟ وما المقابل؟ هل تكتفي مصر - التي تحصل بدون مقابل على 70% على أقل تقدير من صافي إنتاج الزيت والغاز الطبيعي من حقولها بعد نفقات التشغيل وفقاً لنموذج اقتسام الانتاج المطبق حالياً - بأن تدفع ثمن تلك النسبة من خزانة الدولة؟ وهل المقابل هنا هو الحصول على الإتاوة، التي تماثل "البقشيش" الذي يقدمه الزبون للنادل في المقهى؟ أتمنى ألا يكون ذلك صحيحًا.

ولماذا لا تطبق وزارة البترول نموذج اتفاقية الخدمات، الذي يتضمن إلزام الشريك الأجنبي بتحمل كافة نفقات التنمية بالنسبة للحقول القائمة ونفقات التشغيل، مقابل الحصول على نسبة 50% من كل زيادة في إنتاج الزيت أو الغاز الطبيعي تتحقق على يده بشرط أن تكون الاستثمارات موجهة للمناطق التي تتطلب تكنولوجيا حديثة واستثمارات مرتفعة لتحقيق التنمية المطلوبة ؟ أليس هذا هو النموذج الأمثل؟ أم أننا سنفاجأ بنوع جديد من الاتفاقيات البترولية لم يعهدها القطاع من قبل؟

وأرجو أن تكون مصلحة قطاع البترول، والتي هي مصلحة الوطن، هي المعيار الأول في أي قرار يخص حقول الشركة العامة، التي يصل عدد حقولها  إلى 15 حقلًا، تنتشر في عدة مناطق رئيسية. في منطقة خليج السويس، نجد حقول رأس شقير ورأس البحار ورأس بدران. في منطقة الصحراء الشرقية، نجد حقول أم اليسر وجنوب أم اليسر  وعش الملاحة.. بالإضافة الى حقلى  رأس فنار وشدوان وكلاهما تم اضافتهما منذ عامين للشركة العامة  أما في الصحراء الغربية، فهناك حقول أبو سنان و أبو الغراديق. وفي سيناء، نجد حقل بلاعيم، الذي يقع جزء منه تحت سيطرة الشركة العامة. وتمتلك الشركة، وفقًا لتأكيدات المتخصصين في البحث والاستكشاف، خبرات يصعب توافرها في الشركات المثيلة. وتعمل الشركة على تطوير هذه الحقول وزيادة الإنتاج باستخدام تقنيات حديثة وتحسين أساليب الاستخراج.

وتساؤلاتي هذه تأتي رغبة في أن تكون أي رؤية بشأن الشركة العامة في إطار من الشفافية المطلقة، دون تكتم أو إخفاء.

وأرى أنه على متخذ القرار أن يعيد النظر إذا أراد إعادة تطبيق الاتفاقية التي أبرمتها وزارة البترول في نهاية العقد الأول من القرن الحالي مع حقل شمال الإسكندرية. وإن كانت اتفاقية شمال الإسكندرية قد حملت نتائج سلبية بالنسبة لقطاع البترول، فهي بالتأكيد أقل بكثير من النتائج التي ستنتج إذا ما تخلت وزارة البترول عن الشركة العامة لأي شريك أجنبي أو عربي، لأن الفارق هنا أن حقول شمال الإسكندرية لم تكن قائمة بل اكتشفتها شركة بريتش بتروليم (BP)، أما حقول الشركة العامة فهي قائمة وتنتج بأقل تكلفة، وتعد من أكبر داعمي القطاع بإنتاجية ضخمة من الزيت الخام، بالإضافة إلى كميات من الغاز الطبيعي.

وتجربة اتفاقية شمال الإسكندرية، التي لجأت إليها مصر على أساس أن تحصل على الغاز الطبيعي بمعادلة سعر لا تتجاوز 4.5 دولار بنسبة 100% من إنتاج الحقل، بينما توقفت الشركة عن التنمية وأجبرت الحكومة على تحريك السعر بالزيادة مرة أخرى، مع نسبة امتلاك الشريك الأجنبي لـ 100% من الحقل. وقد تحولت هذه الاتفاقية إلى نوع من الفتنة بين بقية شركاء هيئة البترول، الذين طالبوا بالحصول على المزايا نفسها الممنوحة في الاتفاقيات الحالية أو الجديدة، والتي تتفاوض عليها الهيئة. علمًا بأن أغلبهم يطالب باستمرار بتعديل هذه الاتفاقيات بسبب عدم تناسب السعر الحالي لشراء الغاز، والمحدد بـ 2.65 دولار للمليون وحدة، مع تطور أسعار الغاز في السوق أو التكلفة المتزايدة في الإنتاج.

مجرد مخاوف

معذرة، تساؤلاتي مجرد مخاوف أرجو ألا تتحقق، وألا تتفكك الشركة العامة، وألا يتحقق حلم المستثمر الأجنبي بانتزاع الشركة العامة من مضمونها، خوفًا من أن يصبح قطاع البترول المصري لاعبًا لدور "شاهد ما شفش حاجة".