أسامة داود يكتب: قُبلة الحياة لـ عيد البترول
كنت أتمنى تكريم أسماء أصحاب العطاء الذين نعيش على خيراتهم حتى الآن
أتمنى أن تكون من شروط الترقى للمواقع القيادية اجتياز اختبار عن تاريخ مصر وقطاع البترول
كانت لفتة طيبة من المهندس كريم بدوى وزير البترول عندما منح قبلة الحياة لعيد البترول ليحافظ على الذكرى العطرة للقطاع ولمصر باعتباره أحد إنجازات نصر أكتوبر المجيد خاصة بعد أن أراد من لم يكن لهم شرف المشاركة تجاهل التاريخ فأهالوا التراب على ما أنجزه أسلافنا عبر ضريبة الدم فى الحرب المجيدة.
عيد البترول يخلد ذكرى عطرة فى حياة مصر كلها بصفة عامة وفى حياة قطاع البترول بصفة خاصة، لكونه يذكرنا بيوم استعادة مصر لحقولها البترولية من قبضة العدو الصهيونى ورفع علم مصر على حقول البترول فى يوم 17 نوفمبر 1975.
هذا التاريخ تعرفه قامات وقيادات وخبراء وطنيون شاركوا فى كل مراحل قطاع البترول سواء الانكسارات وأيضًا الانتصارات.
ومنهم من حمل أعباء الأولى وشارك فى تحقيق الانتصارات للثانية.. وآخرون يسيرون على درب أسلافهم بصدق وأمانة ووطنية ليكونوا خير خلف لخير سلف.
بينما هناك من يريد أن يطمس تاريخ الانتصارات باعتبارها لا تمثل شيئا وباعتبار أن أسلافهم كانوا أقل لمعانا منهم لأنهم كانوا يستخدمون سيارات نصر أو فيات أو المتاح للطبقات المتوسطة ودون حراسات كدروع بشرية ولم تقف فى خدمتهم جوقة بسيارات تحمل أحدث الموديلات العالمية بأسعار فلكية لتحقق لهم ما لا يتخيله عاقل من الرفاهية.
كانوا يسافرون دول العالم فى مقاعد عادية عبر رحلات الطيران، ولم يسافروا عبر مقاعد فيرست كلاس، كانوا يقيمون فى فنادق عادية ولم يتخذوا من أجنحة فنادق النجوم السبع مقرا ومقاما.
والرجال كالمعادن، هناك الذهب وهناك النحاس والحديد وأيضا الصفيح.
البعض حاليًا يتعامل مع الرجال حسب درجة لمعانهم، فيجب ألا ننسى أن كل ما يلمع ليس ذهبًا.
فقياسهم يتم عبر درجة اللمعان والتى ما إن يعلوها الغبار حتى تتآكل، بينما كل لمعان رجال عظام هو من الذهب.
وإن قدر لى أن أقول رأيًا وشهادة حق فى رجال بلغوا من الرقى والوطنية والعطاء والنقاء والرجولة والشموخ والتواضع والحرص على المال العام مبلغًا لأقول.
وطبقا لما جمعت من معلومات عنهم فى صفوف الوزراء فسوف يبدأ تاريخ وزارة البترول بعلى والى وهو من الرعيل الاول الذى أسس قطاع البترول على قاعدة وطنية، ليصل إلى قمته مع أحمد عز الدين هلال الوزير الذى حمل على كاهلة مسئولية تدبير وتخطيط وترتيب إحتياجات مصر جيشا وشعبا مع تغطية إحتياجات الاقتصاد القومى استعداداً لمعركة أكتوبر المجيدة ملتحمًا معه شخص لم يصل إلى سلم الوزارة ولكنه بلغ من المجد والنقاء والعطاء مبلغه، أنه صاحب الرؤية والفكر الذى أثمر إنشاء عملاق نقل البترول العربى خط سوميد ذلك الشريان المتدفق بنقل البترول العربى إلى أوروبا من العين السخنة على البحر الأحمر إلى سيدى كرير غرب الإسكندرية على البحر المتوسط وكذالك صاحب فكرة إنشاء شركة بتروجت التى أصبحت ذراع الإنشاءات الطولىَ لقطاع البترول حيث تتمدد انشتطها الخارجية فوق جغرافية ما يقرب من 15 دولة.. إنه رمزى الليثى أشهر وأمهر رئيس هيئة فى تاريخ البترول... ننتقل إلى رجل يستحق أن ينصب له تمثال ويُدان له بالولاء إنه الرجل الذى أنقذ حقل المرجان من قبضة العدو الصهيونى حيث أصر على مخالفة كل النظريات الاقتصادية عندما وجدها تتعارض مع الرؤية الإستراتيجية للأمن القومى المصرى... إنه الأميرالاى أحمد كامل البدرى رئيس مؤسسة البترول المصرى أثناء اكتشاف حقل المرجان فى عام 1964 وليصر على أن تكون تسهيلات الحقل بمنطقة رأس شقير بمسافة تبعد عن مركز الحقل فى مياه خليج السويس بنحو 38 كيلومترًا رافضا أن تكون فى سيناء على مسافة 8 كيلو مترات فقط.
ثم عبد الهادى قنديل التلميذ النجيب لكلا القامتين أحمد عز الدين هلال ورمزى الليثى والذى سار على دربهما حتى وصل بإنتاج بترول مصر إلى مليون برميل.
وكان يرجع الفضل فى كل ما تحقق لقطاع البترول لهؤلاء الرجال وغيرهم سوف يأتى الوقت للحديث عنهم إن كان فى العمر بقية.. بجانب وطنية هؤلاء يأتى الدكتور حمدى البنبى الذى حافظ على مستويات إنتاج البترول وتزايد عمليات البحث والاستكشاف للغاز الطبيعى.. ليرتفع البناء مع سامح فهمى ليحقق ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر رجل يحمل بين تجويف صدره قلبا يحب ويعشق تراب الوطن وفى رأسه فكر ورؤية وقدرة على التخطيط بشقيه التكتيكى والاستراتيجى ليحقق لمصر ولقطاع البترول ما لو كان تم استغلاله لتحولت مصر إلى مركز محورى لتداول الطاقة حتى ولو لم تكن منتجة لها.
نعم طال زمن سامح فهمى فى تحمل مسئولية وزارة البترول لسنوات تزيد على العقد من الزمان، ولكنه حقق فيها أكبر مشاريع تمت وهى خط نقل الغاز الطبيعى إلى جنوب مصر ليعيد الحياة لمشاريع قومية لم تستطع مواجهة تغطية ارتفاع أسعار الكهرباء ومنها مشروع كيما المصنع العملاق أو فلنقل مدينة إنتاج الأسمدة بأسوان والتى أنشئت فى الستينيات لتوفير احتياجات الأراضى الزراعية من الأسمدة كبديل عن الطمى الذى حجبه السد العالى وهو الذى كان يمثل الغذاء للأراضى الزراعية ، كما يسر اسباب انعاش صعيد مصر عبر نفس الخط الذى يشبه انبوب الاكسجين للجنوب.
ليس ذلك فقط ولكن هناك شاهد على عظمة هذا الرجل وهى وحدات الإسالة التى تتمركز فى إدكو ودمياط لتجعل من مصر - لو سارت وزارة البترول على نفس النهج خلال السنوات الماضية - قِبلة كل الغاز المنتج فى المنطقة والمطلوب تصديره بجانب ما سوف يتم اكتشافه لتصبح المرفأ والمصنع لتيسير تداول الطاقة الأحفورية.
كان التكريم الذى تم، وطبقا للبرتوكولات شاملا لعدد من وزراء البترول السابقين الموجودين على قيد الحيلة متعهم الله بالصحة على رأسهم المهندس سامح فهمى الذى ضجت القاعة له بالتصفيق والمهندس عبد الله غراب والمهندس أسامة كمال وغيرهم، بينما أرى أنه كان من الضرورى أن يتم تكريم أسماء أسلافنا أصحاب العطاء الذين نعيش على خيرات تضخها روافدهم اليانعة المخلصة حتى الآن وعلى رأسها الوطنية وكرامة الإنسان.
من يجهل التاريخ يبقى طفلاً
أتمنى أن تكون من شروط الترقى للمواقع القيادية فى قطاع البترول اجتياز اختبار عن تاريخ مصر وتاريخ قطاع استطاع حماية الأمن القومى للطاقة فى أصعب وأحلك الظروف ، وقبل أن تسكن قمة هرم القطاع نماذج منهم من أهال التراب على أعيادنا الوطنية مثلما تم إلغاء الاحتفال بعيد البترول خلال سنوات الوزير السابق طارق الملا.
ومنهم من لم يُقدر قيمة تاريخ مصر فاستخدم المرزبة والشاكوش فى تكسير التاريخ نفسه وتشويهه على طريقة حكيم الغبرة المعروف قصته.. أليس واجباً علينا تكريم من ضحوا بدمائم وأنفسهم لحماية الأمن القومى للطاقة؟.