الجمعة ٢٤ / يناير / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب : اتركوا ميدور .. فالحارس الأمين لا يُباع ولا يُشارك فيه أحد

أسامة داود يكتب :  اتركوا ميدور .. فالحارس الأمين لا يُباع ولا يُشارك فيه أحد

تحذير لكل المطالبين بفتح باب الاستثمار فى هذا الرمز الوطنى أو بيعه

" بيع "ميدور" أيام مبارك كان هدفًا وليس وسيلة حتى ينكشف ظهر مصر أمام سياط أعدائها

قرار مبارك برفض بيع المعمل جاء لكونه جزء من الأمن القومة لمصر 

هذا الرجل حرر المعمل من الشريك الصهيونى ليصبح مملوكًا بالكامل لقطاع البترول

سامح فهمى هو من أسس المعمل محولًا تلالاً من الحجارة و التراب إلى خريطة فنية فى مكان عبقري

أصرخ فى وجه كل من يفكر أو يتفوه بلحن البيع النشاز باسم شروط الصندوق أو الضغوط الاقتصادية 

أرباح ميدور وصلت مداها عام 2008 بربح 357 مليون دولار خلال عام واحد فقط 

 يوسف بطرس غالى أول من سعى لبيعه عام 2008 ومعه هؤلاء

المعمل هو الوسيلة التى تؤمّن للشعب والجيش احتياجاته من أسباب الحياة.

منتجع فى لوحة فنية

من الطريق الرئيسى الذى يرتفع غرب معمل ميدور، المتربع فوق ربوة متدرجة كلوحة فنية، تظهر القباب والأنابيب المتشابكة كالشعيرات الدموية فى الجسد البشري، متناسقة ولامعة، رغم أن بدء تشغيل المعمل يعود إلى نهاية الألفية الماضية، بما يقارب ربع قرن من الزمان، إلا أن كل الفواصل خضراء، مغطاة بنجيل محاط بأشجار وزراعات مورقة.

التدرج العبقرى فى التصميم يُظهر وحدات مترابطة كشرايين نابضة، يستقبل المعمل الخام ليكرر ويضخ الإنتاج إلى مستودعاته المائة، ومنها تلبى احتياجات الشعب من الوقود بوحداته المتميزة، يتم تكسير المازوت ذى القيمة المنخفضة متحولاً إلى منتجات خفيفة ذات قيم مرتفعة، مما يزيد من القيمة المضافة، ولا يتبقى من الخام الثقيل إلا أقل القليل فى صورة كبريت يتم تسويقه لشركات الأسمدة وفحم بترولى يسوق لشركات الأسمنت حالياً.

إنه معمل متكامل متخصص ، يحيل الزيت الثقيل منخفض القيمة والمازوت عبر رحلة تكسير إلى منتجات خفيفة لتتضاعف القيمة المضافة ، وبهذه الجهود، كانت السيمفونية الرائعة تشعل الحماس وتدفع نحو النجاح. 

وكان سامح فهمى هو من أسس معمل ميدور، محولًا تلالاً من التراب إلى خريطة فنية فى مكان عبقري، ونجح هو نفسه فى تحرير المعمل من الشريك الصهيونى ــ ولها قصة سوف أرويها فى موضع آخر وحافظ عليه لصالح مصر ــ ليصبح مملوكًا بالكامل لقطاع البترول.

فى شمال مصر، على الشاطئ الغربى لمدينة الإسكندرية، يقبع كالأسد المتحفز، معمل ميدور، ممتدًا على مساحة 500 فدان. 

الزيت يتدفق إليه عبر أنابيب، أحدها خط سوميد العربى الذى يدين بفكرته إلى رمزى الليثى رئيس هيئة البترول فى سبعينيات القرن الماضى.

هنا يأتى الخام لتدور المحركات، وتبدأ المعدة فى الهضم، حيث يتم تنقية الزيت وتكريره وفصله، ثم يضخ إلى شرايين متعددة لتغذى الأطراف على مدار الساعة.

معمل ميدور القابع غرب الإسكندرية، يمثل لمصر ما يمثله نهر النيل مع الفارق من حيث عبقرية الجغرافيا والتاريخ؟ فهو يقع فوق أكبر وريد للأمة العربية، وهو خط سوميد، ولأنه الأحدث فى مصر وأفريقيا، وأحد الأحدث عالميًا، فإنه بإذن الله سيظل يعمل بكفاءة أعلى من طاقته التصميمية. 

فهل يمكن أن يتجرأ أحد على التفريط فيه؟ ومن يجرؤ على ذلك؟ ماذا يمكن أن نصفه أو نسميه؟

أصرخ فى وجه كل من ينوه أو يفكر أو يتفوه بلحن نشاز باسم شروط الصندوق أو الضغوط الاقتصادية أو المطالبات الشخصية ، أصرخ فى وجه من يطالب بأن نشارك أو نفتح الباب للاستثمار فى هذا الرمز الوطنى أو أن نبيعه.

لا هدف لهذا الفعل سوى أنه يدفع فى اتجاه تبديد ما بناه الأسلاف ليصبح قطاع الطاقة كالأسد الجريح تتكالب عليه الضباع والذئاب والثعالب.

اتركوا ميدور، فالحارس الأمين لا يُباع، ولا يُشارك فيه أحد، ولا يُنتزع ولاؤه وانتماؤه ، لأن فى ذلك الوقت، لن يبقى لنا إلا الخذلان.

لا تهدموا ما صنعه أسلافنا ولا تفتحوا به أبواب أطماع أعدائنا.

قصة معمل ميدور لا تختزل فى كونه معملاً أنشئ طبقًا لقانون الاستثمار بهدف زيادة الطاقة التكريرية لمصر وبهدف تصدير منتجاته عالية الجودة للخارج.

بداية التأسيس

رغم أن معمل ميدور تأسس فى إطار قانون الاستثمار، بهدف زيادة الطاقة التكريرية فى مصر وتصدير المنتجات عالية الجودة إلى الخارج، لكنه يحمل قصة أكبر، كونه كان أول مشروع مصرى شاركت فيه جهة إسرائيلية، حيث كان "يوسى موميان"(ضابط سابق فى الموساد) شريكًا مع المستثمر المصرى حسين سالم، مع تقاسم متساوٍ بينهما فى ملكية المعمل، مما جعله قطاعًا خاصًا بنسبة 100%.

صدر القرار الوزارى بإنشاء المعمل عام 1994 (رقم 323)، تحت نظام المناطق الحرة ووفقًا لقانون الاستثمار رقم 230 لسنة 1989.

وتم تخصيص مساحة 500 فدان لإنشاء المعمل فى المنطقة الحرة بالقرب من برج العرب غرب الإسكندرية، على أن يتم تجهيز المشروع بأحدث تقنيات معامل التكرير العالمية.

ورغم عدم الترحيب الشعبي، استجابت هيئة البترول ووزارة البترول للقرار السياسى بإنشاء المشروع، وكانت الوزارة بقيادة الدكتور حمدى البنبى والهيئة برئاسة عبدالخالق عياد اللذين تعاملا مع القرار كالتزام وطني.

تم إنشاء معمل "ميدور" فى إطار قانون الاستثمار بهدف زيادة القدرة التكريرية فى مصر لتعظيم إنتاج السولار للسوق المحلى الذى كان يواجه نقصًا كبيرًا وتصدير المنتجات عالية الجودة للخارج.

ولكن لهذا المشروع قصة أكبر؛ فقد كان أول مشروع تكرير باستثمارات خارجية تم تقديمه لهيئة البترول لتقول رأيها.

بدأت القصة بتلقى الدكتور حسن محمد أحمد نائب رئيس هيئة البترول لورقة فولسكاب تتضمن معلومات مقتضبة وهى وجود شركتين أجنبيتين إحداهما سويسرية والأخرى إيرلندية ترغبان فى إنشاء معمل تكرير حديث من الجيل الثالث يعتمد على التكسير الهيدروجينى ويدبر احتياجاته من الزيت الخام بالاستيراد.

بالإضافة إلى أن المعمل يتم بتمويل خارجى من بنك الاستثمار الأوروبي. بالطبع لاقى المشروع الترحيب باعتباره استثمارًا خارجيًا على أرض مصر.

كان توصيف المشروع على أنها شركات أجنبية بينما كان الشركاء الفعليون حسين سالم يمثل الشركة السويسرية ويوسى ميميان يمثل الشركة الإيرلندية وبعض الشخصيات المصرية بمساهمات ضعيفة مما جعل المشروع بالكامل قطاعًا خاصًا.

عند بدء البحث عن تمويل المشروع، الذى قُدرت تكلفته بحوالى 1.4 مليار دولار، اشترطت الجهات الممولة مساهمة هيئة البترول المصرية ممثلة للحكومة المصرية ووافقت الهيئة على المساهمة فى المشروع بنسبة 20٪ تاركة باقى نسب المساهمة 40% لكل طرف من الطرفين الآخرين ممثلى القطاع الخاص.

ونظرًا للحاجة إلى قيادة متخصصة، تولى سامح فهمي، نائب رئيس هيئة البترول للتخطيط والمشروعات مسئولية إنشاء المشروع.

 ورغم تخفيض رتبته الوظيفية من نائب رئيس هيئة الى عضوًا منتدبًا للشركة، لكونه الاجدر لتلك المهمة، قاد فهمى المشروع بإصرار، وتمكن من تكوين فريق عمل متكامل تحت إشرافه ليحيل جبل من الصخور والاتربة إلى معمل تكرير بمستويات متدرجة أكسبت وحداته عبقرية فى التشغيل بجانب اطلالته التى بدت لمن يراه كأنه لوحة فنية.

مع اكتمال المشروع، عُيّن سامح فهمى وزيرًا للبترول، واتخذ موقفًا جريئًا، إذ طلب من الدول العربية سراً عدم تزويد المعمل بالخامات طالما كانت هناك شراكة إسرائيلية مما أدى إلى عدم قدرة الشركة على تشغيل المعمل بكفاءة مما دفع الجانب الإسرائيلى لاتخاذ قراره ببيع حصته للبنك الأهلى المصرى وقام البنك بشراء الحصة المتبقية المملوكة لحسين سالم وتصبح هيئة البترول المالكة الكاملة للمشروع وبشراكة 2٪ فقط لبنك قناة السويس المصرى، مما جعله جزءًا من استثمارات قطاع البترول الوطني.

بعد اكتمال الاستحواذ، أسهم المعمل فى تلبية احتياجات السوق المحلى من المنتجات البترولية خصوصًا السولار وتصدير البنزين ووقود النفاثات للخارج لتبدأ الشركة فى النهوض وتتعاقد مع أرامكو السعودية بتوريدات منتظمة من النفط العربى وتنطلق أرباح ميدور مع القيادات المتميزة التى تولت مسئوليته - ابرزهما العبقريان المهندس محمود نظيم والكيميائى مدحت يوسف - لتصل مداها عام 2008 بتحقيق صافى ربح بلغ 357 مليون دولار خلال عام واحد فقط وهو ما يعنى ان المعمل يستطيع  مع وجود قيادة واعية أن يسترد استثماراته فى 4 سنوات فقط..  وتستمر الشركة لتمثل أحد أهم موارد هيئة البترول من المشتقات البترولية التى تحتاجها الدولة فى ظل الإدارة الحالية.

ميدور.. عبقرية المكان 

تخيلت، وأنا أسير عبر دروب المعمل داخل سيارة دفع رباعى، كيف كانت أذناى وعيناى تتناغم مع الشرح الوافى عن المعمل وطريقة تشغيله.

لم أرَ بشرًا يتحركون، ولم أشتم رائحة زيوت محترقة أو هواء ملوث بالأدخنة أو الأبخرة. 

شعرت وكأننى أتجول فى منتجع سياحى يعادل لوحة فنية مبهجة فى جمالها ونظامها وعطائها.

عرفت من هنا كيف أنعم الله علينا بجغرافيا تؤمّن لنا موقعًا استراتيجيًا، وتاريخ يرينا أن بمصر رجالًا ليسوا كخُشب مسندة، ولكن عقولهم مستنيرة، ورؤيتهم ثاقبة، وعزمهم متوهج.

عادت بى الذاكرة إلى يوم غابت فيه الشمس عن مصر عقب نكسة ناتجة عن استعمار غادر وجيش لم يُصدر له الأمر ليقاتل.

يوم احتُلت سيناء ومعها بترول مصر، ولم يتبقَ لنا إلا العزيمة والإرادة والعقول الفتية.

كان أحمد كامل البدري، الأميرالاى الذى قاد مؤسسة البترول، هو من قاد جهود استغلال حقل "المرجان" القريب من سيناء فى مياه خليج السويس، حيث كان يضخ إنتاجه فى رأس شقير. 

رجال حققوا المستحيل 

ورغم نكسة 67 استمرت العزيمة، فكان جنود البترول ينقلون الخام عبر الترع بالصنادل والمراكب الصغيرة، حيث تم تحويله إلى وقود لمحطات الكهرباء لتعمل المصانع.

نفس الرجال استخدموا مراكب تركها أصحابها أثناء الحرب.. ليقوم قطاع البترول باستخدامها لإرسال الخام إلى اليمن لتكريره فى معمل تابع لشركة "بريتش بتروليم"، مما ساهم فى توفير المياه الصالحة للشرب لمناطق مثل رأس غارب وشقير.

فى ذات اللحظات، كان هؤلاء الجنود ينقلون ما تبقى من معدات معامل النصر والسويس إلى القاهرة وطنطا، لإعادة تشغيلها وتكرير الخام.

كانوا يُمهدون الطريق لإنشاء معمل جديد فى منطقة العامرية، ويزيلون الألغام لفتح الطريق أمام حقول بترول جديدة فى منطقة العلمين.

محاولات بيع ميدور

أتذكر موقف يوسف بطرس غالى  الذى تمدد فى جسد مصر عبر مواقع المسئولية التى شغلها، واصراره وقت ان كان وزبرا للمالية على بيع معمل ميدور وقتها ،  وأرجو إلا تكون عودته مؤخرا من منفاه عقب فرارة أثناء ثورة 2011 لتحقيق ما فشل فيه سابقاً.

كان يوسف بطرس غالى هو وتلميذه النجيب و الأمين المخلص ، الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار الأسبق والذى صعد سلم السلطة على راحتى كف غالى، هو من سعى لبيع معمل "ميدور" عام 2008، ومعهما احمد نظيف رئيس الوزراء وقتها ، بزعم الحاجة إلى أموال، بدعم وزراء تلك المرحلة من  رجال الأعمال.

كان بيع "ميدور" هدفًا وليس وسيلة، حتى ينكشف ظهر مصر أمام سياط أعدائها ، خاصة وأن المعمل كان قد حقق إيرادات ضخمة فى هذا العام وبلغ صافى الربح 357 مليون دولار بما يتجاوز 25% من استثمارات المعمل.

كانت تلك الجماعة من الوزراء، مدعومة بجمال مبارك على أساس أنه الوريث القادم، قد قررت تنفيذ المخطط الذى يخدم أعداء مصر لا اقتصادها.. البحث عن كل ما ناجح على أرض مصر للتخلص منه.

يومها، أثرنا القضية صحفيًا، وهذا هو الفارق بين القلم والطبل. 

أتذكر موقف سامح فهمى الذى كان صلبًا فى رفضه للصفقة ليسانده وقتها فى إجتماع مجلس الوزراء  المشير حسين طنطاوى للاهمية الاستراتيجية للمعمل.

مبارك يرفض 

كان لما كتبناه أنا وغيرى من الشرفاء صدى لدى الأمن القومى المصري، وجاء قرار مبارك بعدما تجمعت أمامه التفاصيل برفض بيع المعمل.

قلت يومها ومازلت أذكر وأكرر الآن : "إذا خاضت مصر حربًا، أتستطيع أن تلبى احتياجات آلة القتال من الطاقة إلا بمثل معمل ميدور؟ أتستطيع أن تؤمن سفنًا محملة بالوقود ستكون هدفاً للعدو؟"

نعم، أخشى على معمل ميدور أن يباع، ليس عشقًا فيه، ولكن خوفًا على الوطن، لأنه الوسيلة التى تؤمّن للشعب والجيش احتياجاته من أسباب الحياة.. و تبقى ثقتى بلا حدود  فى الله أولا ثم  فى القيادة السياسية التى لن تسمح ببيع هذا الكيان الحيوى والهام.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

usamadwd@yahoo.com 

واتس 01001406522