 (1).jpg)
أسامة داود يكتب بمناسبة زيارة وزير الصحة الفرنسي : معهد ناصر.. ضمير مصر الطبي

واحة الأمان لآلاف الباحثين عن علاج كريم في لحظات محنة
على ضفاف نهر النيل، وتحديدًا في منطقة شبرا الخيمة، يقف معهد ناصر شامخًا كواحد من أبرز قلاع الطب في مصر، ليس فقط كمستشفى حكومي، بل كمنظومة متكاملة تتحمّل مسؤوليات طبية وإنسانية ضخمة على المستويين المحلي والإقليمي.
ملاذ الفقراء وملجأ من ضاقت بهم السبل
منذ إنشائه، كان معهد ناصر وما زال قبلة للمرضى من فقراء مصر، وأحيانًا حتى من الميسورين حين تتعثر أحوالهم المالية.
فالمعهد يُقدِّم خدمات طبية متميزة بتكلفة لا تتجاوز سعر التكلفة، دون الإخلال بجودة الرعاية أو كفاءة العلاج. وهو ما جعله في وجدان المصريين عنوانًا للثقة والرحمة، و"حد الستر" في أوقات الشدة.
د محمود سعيد
دور إنساني يتجاوز الحدود
يلعب معهد ناصر دورًا حيويًا في التزامات الدولة المصرية تجاه القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها دعم الأشقاء الفلسطينيين، حيث يستقبل جرحى ومصابي الاعتداءات الإسرائيلية لتلقي العلاج والرعاية اللازمة.
كما يُعد أحد أكبر مراكز استقبال مصابي الحوادث على مستوى الجمهورية، حيث يُجري آلاف الجراحات شهريًا في تخصصات معقدة كجراحات القلب والمخ والأعصاب والعمود الفقري وزرع الأعضاء والمفاصل الصناعية، بالإضافة إلى علاج الأورام الكبرى عبر مركز متخصص يستقبل الحالات من جميع الأعمار دون شروط أو قيود.
صرح معماري وتاريخ عريق
تم بناء معهد ناصر على مساحة 104 ألف متر حوالى 25 فدانًا تقريباً كان قد خصصها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتعثر إنشاء بسبب الحروب وحتى بداية الثمانينات لإنشاء فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك وسمى بإسم جمال عبد الناصر - وأدعو الله أن لا يثير كشفى لهذه المعلومة حفيظة البعض فيتم تغيير الاسم - نصفها حدائق تشبه المنتجعات السياحية وتصميم مبناه مستوحى من طراز المستشفيات الفرنسية، شاركت في تنفيذه شركات مصرية، وقد ألهم تصميمه لاحقًا بعض المنشآت الطبية في تركيا.
يضم المعهد قرابة 1000 سرير قبل التوسعات التى تجرى حالياً وتطل جميعها تقريباً على النيل، إلى جانب عدد من الأجنحة الفندقية.
د بهاء أبو زيد
قيادات حفرت أسماءها في ذاكرة المكان
ويعيش معهد ناصر في ظل قيادة الدكتور محمود سعيد، ومع الاهتمام البالغ من جانب وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار حالة من النهوض الإنساني والمهنى، حيث يحرص سعيد على أن يسود الحماس بين فريق العمل، ويقود المعهد بتفانٍ نابع من إيمان حقيقى برسالته الطبية والإنسانية.
ويشهد المعهد تطوير فى الخدمات العلاجية واهتمام كبير بالمرضى الفقراء الذين يٌعالجون على نفقة الدولة أو التأمين الصحى وبالتكلفة الفعلية دون زيادة وبما لا يتجاوز 20 % من التكلفة فى المستشفيات الخاصة فى مصر كما يتم حاليا تطوير وتوسعات بالمعهد لزيادة طاقته الاستيعابية وأدعو الله ان تتم على خير وتكون لصالح المرضى غير القادرين من فقراء مصر.
وخلال مسيرته، تعاقب على إدارة معهد ناصر عدد من القامات الطبية البارزة، من بينهم الدكتور محمد شريف، الذي عُرف بإخلاصه وتفانيه، وكان لا يهدأ له بال في متابعة كل تفاصيل العمل.
كما لعب الدكتور بهاء أبو زيد دورًا محوريًا في تطوير أداء المعهد، حيث حوّل مكتبه إلى مركز لاستقبال سفراء ودبلوماسيين من أفريقيا، لمتابعة حالات يتم نقلها إلى المعهد لتلقي العلاج في تخصصات دقيقة.
حتى العاملين الإداريين بالمعهد ومكتب المدير يلعبن دوراً هاماً وخطيراً فى مساعدة المرضى فى الحصول على الخدمات بكل مستوياتها وإزالة كافة التعقيدات التى تحدث نتيجة لكثرة أعداد المترددين على المعهد يومياً.
وجهة عربية أفريقية بامتياز
يُعد المعهد حاليًا أحد المقاصد الطبية الرئيسية لعدد من الدول العربية والأفريقية، التي تفتقر إلى مراكز علاج متخصصة. ويتم نقل المرضى عبر طائرات مجهزة، للخضوع لجراحات كبرى تشمل القلب، والعمود الفقري، وزراعة الأعضاء، وغيرها من التدخلات المعقدة.
كفاءة تشغيلية وتمريض نموذجي
يعمل قسم الطوارئ بالمعهد على مدار الساعة، بينما تفتح العيادات الخارجية أبوابها منذ الثامنة صباحًا وحتى ساعات متأخرة.
ولا تهدأ غرف العمليات، التي يتناوب عليها نخبة من الجراحين المهرة. ويعتمد المعهد على خريجي مدرسة التمريض الخاصة به، إلى جانب كوادر من كليات التمريض على مستوى الجمهورية، ما يجعله نموذجًا يُحتذى به في الانضباط والكفاءة.
مدرسة طبية خرجت الآلاف
يُعد معهد ناصر أيضًا مدرسة علمية تخرّج فيها آلاف الأطباء والفنيين من مصر والعالم العربي والأفريقي، حيث يُمنح الأطباء شهادات الزمالة المعتمدة، التي تمكّنهم من اكتساب خبرات عملية تتجاوز في كثير من الأحيان المحتوى النظري لشهادات الدكتوراه، لا سيما وأنهم يتدرّبون وسط غرف العمليات وعلى أحدث الأجهزة الطبية.
زيارة فرنسية... وإشادة دولية
تزامنت كتابة هذا المقال مع زيارة وزير الصحة الفرنسي لمعهد ناصراليوم 7 أبريل 2025، برفقة الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة المصري. وهي ليست الزيارة الأولى لمسئول دولى، إذ سبق أن استقبل المعهد عددًا من رموز دول العالم وقياداتها ووزرائها وسفرائها فى إطار الدور الطبى الرائد الذى يقوم به المعهد فى علاج رعايا العديد من تلك الدول ومنهم المرضى الفرنسيين الذين تلقّوا العلاج فيه أثناء وجودهم بمصر، ما يعكس حجم الثقة الدولية في هذا الصرح الوطني.
ولأكثر من ثلاثين عامًا، كنت شاهدًا على عظمة هذا المعهد، متنقلاً بين أروقته، مرافقًا مرضى من ريف مصر وحضرها. رسخت ملامحه في ذاكرتي، كما يُرسخ الوشم في الجلد.
معهد ناصر ليس فقط مستشفى، بل هو ضمير مصر الطبي، وواحة الأمان لآلاف الباحثين عن علاج كريم في لحظات محنة.