الجمعة ١٦ / مايو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب: انفجارات خطوط الغاز.. الفاعل لودر .. والمبررات متكررة

أسامة داود يكتب: انفجارات خطوط الغاز.. الفاعل لودر .. والمبررات متكررة


المسؤول الحقيقي هو من يمنع الحادث لا من يهرع بعد وقوعه


المشهد نفسه تكرر مرارًا والنتائج كارثية


يتكرر المشهد: حادث، وانفجار، وضحايا. السبب: "لودر". والردود: محفوظة سلفًا. تُتخذ إجراءات على طريقة دفن الرؤوس في الرمال، ثم يعود المسؤولون إلى مضاجعهم الوثيرة، ضمائرهم نائمة، لا يؤرقها وخز ألم أو الشعور  بذنب.

مساء أمس الأربعاء 30 أبريل 2025، وقع انفجار مروع في خط غاز رئيسي على طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر، أسفر عن وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة 13 آخرين.

تشير التحريات الأولية إلى أن الحادث نجم عن كسر في خط الغاز أثناء أعمال حفر غير منسقة نفذتها إحدى شركات المقاولات، ما أدى إلى تسرب الغاز واشتعال النيران.

أسفر الحريق عن تفحم 15 سيارة، وتصاعدت ألسنة اللهب بكثافة في سماء المنطقة، مسببة حالة من الذعر بين المواطنين.

لكن ما حدث ليس جديدًا، ولا يبدو أنه سيكون الأخير. المشهد نفسه تكرر مرارًا، والمبررات تتشابه، والنتائج كارثية. وفيما يلي رصد سريع لبعض الحوادث المماثلة:

في يناير الماضي 2025، اندلع حريق في خط غاز طبيعي بالحي السابع بمدينة 6 أكتوبر، بعد سقوط كابل كهرباء عليه. الحادث لم يسفر عن ضحايا، لكن الأضرار كانت جسيمة.

وفي الشهر ذاته، وبمنطقة الخانكة، اصطدم "لودر" بخط غاز قطره 16 بوصة أثناء العمل ليلاً دون تصريح، ما أدى لاشتعال النيران، ووفاة شخص، وإصابة 8 آخرين.

وفي ديسمبر 2022، بمدينة نصر، وقع انفجار أسفل كوبري أحمد فخري نتيجة كسر ماسورة غاز أثناء الحفر، أسفر عن مصرع 3 عمال، وألحق تلفيات كبيرة بالكوبري استغرقت عدة أيام لإصلاحها.

وسبق ذلك، في ديسمبر 2020، انفجار في خط الغاز قرب مدينة العريش، لحسن الحظ دون خسائر بشرية.

هذه الحوادث المتكررة تدق ناقوس الخطر، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة جادة وشاملة لإجراءات الأمان والسلامة في التعامل مع خطوط الغاز الطبيعي. فالأمر لم يعد مجرد "حادث عرضي"، بل بات سيناريو دائمًا يعكس إهمالًا هيكليًا في الرقابة والتنسيق، سواء من شركات المقاولات أو الجهات الحكومية المعنية.

ومع كل حادث، تتكرر الحزمة ذاتها من التصريحات والتوصيات، وكأنها طقوس محفوظة لا تتغير... تصريحات تُطلق، ثم تُنسى، بينما يبقى الملف حائرًا بين تقصير في المتابعة، وسوء في التخطيط، وغياب للمحاسبة.

ما لا يُدركه البعض هو أن هذه الشبكات تمثل شرايين الطاقة للدولة المصرية. وتكرار الحوادث لا يشكل فقط خطرًا على الأرواح والممتلكات، بل تهديدًا استراتيجيًا لأمن الطاقة. فماذا لو وقعت حوادث متعددة في توقيت واحد؟ هل يمكن للدولة احتواؤها جميعًا؟ الأمر سيكون بالغ الخطورة والبشاعة.

ما الذي يجب فعله؟

ينبغي فتح تحقيق عاجل وشامل من جانب وزارة البترول، مع مراجعة سجل الحوادث الأخيرة وتحديد أسبابها بدقة. وإذا ثبت أن آليات ومعدات شركات المقاولات هي المتسبب المتكرر، فيجب إلزام تلك الشركات بالتنسيق المسبق مع الجهات المالكة للبنية التحتية للطاقة، وأجهزة الإدارة المحلية المنتشرة فى طول البلاد وعرضها ولديها خرائط بكل المرافق والخطوط فى باطن الأرض،  وتوقيع عقوبات رادعة قد تصل إلى إلغاء التراخيص الممنوحة لها و منعها من العمل في مشروعات مماثلة.

كما يجب فرض وجود مندوبين فنيين في كل موقع عمل تتقاطع فيه المشروعات مع خطوط الغاز، مع استخدام تقنيات الإنذار المبكر، وتحديث خرائط الشبكات، وتدريب العمال على معايير السلامة الصناعية.

لا يكفي أن نرد على كل كارثة بثلاثة إجراءات جاهزة: أولاً: الدفع بسيارات الإسعاف.
ثانيًا: سيارات إطفاء.
ثالثًا: لجنة فنية للتحقيق، والتي غالبًا ما تكون كالجبل الذي تمخّض فولد فأرًا!

هذه ليست إدارة أزمة، بل رد فعل عقيم لا يستهدف البحث عن أسباب الخلل وتشخيصها ثم علاجها... وبالتالي يستمر تكرار الحوادث وبنفس الأسباب، لأنه لا يوجد "مسؤول" بمعنى الكلمة. ولو وُجد، لاستطاع منع وقوع مثل هذه الكوارث، لا أن يُهرع بعد وقوعها.

وختامًا، ما لم نشهد محاسبة حقيقية، وتغييرًا جذريًا في نمط التعامل مع هذه الحوادث، فإن عبارة "مفيش فايدة" ستظل حاضرة، لأن من "أمِنَ العقاب أساء الأدب".