الجمعة ١٦ / مايو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

محمد عبد اللطيف داود يكتب : قانون الإيجار الجديد : العدالة بين المؤجر والمستأجر

محمد عبد اللطيف داود يكتب : قانون الإيجار الجديد : العدالة بين المؤجر والمستأجر


تواجه الدولة استحقاقة قانونيا واجتماعيا بالغ الأهمية مع اقتراب صدور قانون الإيجار الجديد، تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية للوحدات القديمة.


 وقد استند الحكم إلى أن هذا التثبيت — الذي استمر لعقود دون تعديل — أخلّ بمبدأ المساواة وألحق ضررا جسيما بحقوق الملكية للمؤجرين على نحو لم يعد يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ورغم ذلك لم يتطرق الحكم إلى إنهاء العلاقة الإيجارية ذاتها. 


 يثور الجدل حول كيفية تحقيق العدالة دون أن يتحمل أحد الطرفين وحده كلفة التسوية.


حيث أقرت المحكمة بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية لعقود ما قبل 1996، واعتبرت أن استمرار هذا الوضع يُهدر حقوق الملكية لكنها لم تطالب بإنهاء العلاقة الإيجارية أو إخلاء المستأجرين بل أحالت إلى المشرع مسؤولية تعديل القانون بشكل يُراعي التوازن الاجتماعي.


وتشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد المواطنين الخاضعين لقانون الإيجار القديم بالكامل يبلغ نحو 3 ملايين مواطن منهم قرابة مليون و800 ألف مواطن يستفيدون من الوحدات السكنية. هذه الأرقام تكشف بوضوح أن أي تعديل تشريعي لن يكون مجرد إجراء قانوني بل هو تحرك يمس حياة ملايين المصريين مما يستوجب دقة في المواءمة، وعدالة في التطبيق. 


وتضمنت أبرز المقترحات المتداولة لتعديل العلاقة الإيجارية في القانون الجديد رفع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية القديمة إلى 20 ضعف القيمة الحالية، مع تحديد حد أدنى 1000 جنيه شهريا في المدن و500 جنيه في القرى. أما في ما يخص الوحدات غير السكنية، فاقترح رفع القيمة إلى 5 أضعاف القيمة الحالية مع زيادة سنوية قدرها 15% لمدة خمس سنوات. كما شملت المقترحات إلزام المستأجر بإخلاء الوحدة بعد مرور خمس سنوات من تطبيق القانونش مع منح المؤجر الحق في اللجوء إلى القضاء للطرد في حال رفض المستأجر تنفيذ الإخلاء.


وفي المقابل، أرى أن هناك حاجة ماسة لتبني رؤية أكثر اتزانا وعدالة عند التعامل مع هذه العلاقة القانونية والاجتماعية المعقدة، فمن غير المنطقي معالجة تشوهات الماضي عبر صدمة تشريعية حادة قد تؤدي إلى تفكك مجتمعي أو ظلم فئات لا تملك بديلا. ولهذا، فإن ربط الزيادة في القيمة الإيجارية بنسبة التضخم خلال السنوات الخمس الأخيرة يُعد خيارا أكثر إنصافا للطرفين بحيث تتحقق العدالة الاقتصادية دون المساس بالحق في السكن الآمن.


كما أن الإبقاء على العلاقة الإيجارية مع تطبيق الزيادة تدريجيا يمكن أن يشكل مخرجا متوازنا، خاصة إذا ما تم تدعيمه بإجراءات تضمن عدم الإخلاء القسري للمستأجرين غير القادرين والذين لا يملكون بديلا سكنيا أو دخلا كافيا لتحمل الزيادات المفاجئة.


وفي هذا الإطار، تتجلى أهمية الدور الذي ينبغي أن تتبناه الدولة متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي كضامن أساسي للحماية الاجتماعية، لا سيما للفئات الأشد فقرا فمسئولية الوزارة لا تقتصر على الدعم النقدي فقط، بل تمتد إلى بحث وتحري أوضاع المستأجرين معدومي أو محدودي الدخل، وتقديم تقارير دقيقة تُحدد من يستحق الإعفاء أو التأجيل في تطبيق الزيادة أو الإخلاء، وفق معايير موضوعية واضحة ليأخذها المشرع في وضع الاعتبار.


كما ينبغي أن يتم ربط القانون الجديد بشبكات الحماية الاجتماعية القائمة بالفعل وعلى رأسها برامج "تكافل وكرامة"، فضلا عن التعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعي لتوفير حلول سكنية بديلة وعادلة للحالات غير القادرة على الاستمرار في الوحدات المؤجرة.


ومع اقتراب لحظة الحسم التشريعي فإن التعديل المنتظر لقانون الإيجار القديم لا ينبغي أن يُصاغ كاستجابة شكلية لحكم المحكمة الدستورية بل يجب أن يُعبّر عن توازن اجتماعي واقتصادي حقيقي يستند إلى مؤشرات موضوعية في مقدمتها معدلات التضخم خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما يضمن تصحيح العلاقة الإيجارية بشكل منصف.


ويقع على عاتق المشرّع مسؤولية جوهرية في تحقيق التوازن والتوافق بين طرفي العلاقة، من خلال وضع آلية عادلة لتحديد القيمة الإيجارية تأخذ في الاعتبار موقع الوحدة، حالتها، ومتوسط دخول المستأجرين، وتحفظ للملاك حقهم في عائد عادل.


وفي المقابل، فإن الدولة مطالبة بدعم هذا الجهد التشريعي من خلال تقديم اقتراحات متكاملة للدعم الاجتماعي والمالي، بما يضمن حماية الفئات غير القادرة من الطرفين—سواء مستأجرين يفتقرون إلى دخل كاف أو ملاكا يعتمدون على الإيجار كمصدر رزق رئيسي. ويأتي ذلك عبر أدوات مثل شبكات الحماية الاجتماعية، وصناديق دعم الإسكان، وبرامج المساعدة المباشرة.


إن نجاح هذا التحوّل يتطلب رؤية تشريعية متزنة ومؤسسات تنفيذية راعية وسياسة واقعية تُنصف الجميع، فلا يتحول القانون إلى أداة للغلبة أو الإقصاء بل إلى جسر يربط بين العدالة الاجتماعية واستقرار المجتمع.