
محمد عبد اللطيف داود المحامى يكتب : إضراب المحامين وارتفاع الرسوم

فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي
نتوجه إليكم بهذا النداء والجميع على يقين بأنكم لم تتأخروا يوما عن نصرة الحق ولم تترددوا في الوقوف إلى جانب كل من يلجأ إلى القضاء حين تُهدد حقوقه أو تتعثر سُبل إنصافه.
فخامتكم دائما ما أكدتم أن بناء الدولة لا يكتمل إلا بإرساء العدل وأن مؤسساتها وعلى رأسها منظومة القضاء هي صمام الأمان لاستقرار المجتمع وصون كرامة الإنسان.
فخامة الرئيس
لقد بدأت أزمة تهدد منظومة التقاضي في مصر حين أقدمت محاكم الاستئناف على فرض رسوم جديدة تحت مسمى "مقابل خدمات مميكنة" دون أي سند قانوني أو دستوري ودون الرجوع إلى الجهة المختصة هي السلطة التشريعية تلك الرسوم لم تصدر بموجب قانون في مخالفة صريحة للدستور والقانون وتهدد حق التقاضي المكفول للجميع.
الرسوم الجديدة فرضت عبئا ماليًا إضافيا على المتقاضين خصوصا محدودي الدخل مما ودفعَت المحامين ـ وهم شركاء العدالة ـ إلى رفع أتعابهم لتغطية هذه التكاليف ما زاد من صعوبة لجوء المواطن إلى القضاء وهو حق للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه "كما اقرت المحكمة الدستورية". بل إن الكثيرين اليوم أصبحوا يعزفون عن اللجوء للمحاكم، لا يأسا من إنصافها بل عجزا عن تحمّل تكلفتها.
وما يزيد الأمر خطورة أن المحامي، رغم كونه شريكا أصيلا في تحقيق العدالة يواجه بدوره أعباء متراكمة أبرزها ضريبة القيمة المضافة التي تُسدد مقدما عند قيد الدعاوى إلى جانب ضرائب الدخل ورسوم استخراج المستندات والتنقل والإعلانات القضائية وغيرها حتى بات الدفاع عن المتقاضين مشروط بتكاليف منهكة لا يتحملها كثيرون.
وفي ظل غياب أي استجابة رسمية أعلنت نقابة المحامين الدخول في إضراب عام عن حضور الجلسات أمام محاكم الاستئناف في خطوة تأتي بعد سلسلة من الإجراءات المشروعة بدأت بوقفات احتجاجية أمام المحاكم تلاها الامتناع عن سداد خزنة محاكم الاستئناف ثم تصاعد الموقف ليشمل الامتناع عن سداد أي رسوم أمام جميع المحاكم على مستوى الجمهورية.
ورغم مشروعية هذا التحرك فإن المتقاضين كانوا أول المتضررين بعد أن حُرموا من التمثيل القانوني وتعطلت جلساتهم وعلقت قضاياهم كما بدأت منظومة العدالة بأكملها تتأثر مع توقف تداول القضايا وتكدسها في ظل صمت مؤسسي مقلق وكأن العدالة لم تعد من شئون الدولة العليا، أو من ركائز ثقة المواطن في مؤسساتها.
فخامة الرئيس
لقد غابت وزارة العدل عن هذه الأزمة منذ بدايتها ولم تبادر إلى تصويب القرار أو وقفه وتركت الموقف يتفاقم فتصدت له نقابة المحامين وحدها من خلال تحركات قانونية ومهنية دون استجابة تُذكر من الجهات المعنية في وقت تتعلق فيه المطالب بمصير العدالة في مصر لا بمصالح أو ضغوط فئوية.
إن استمرار الأزمة دون تدخل يعمق الفجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة ويهز ثقة المواطن في مرفق القضاء ويطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل الحق في التقاضي كضمانة دستورية واجبة الحماية.
فخامة الرئيس
كما عهدناكم دائما في دعم ما هو وطني وإنصاف المظلوم والتدخل في اللحظات الفاصلة ـ كما حدث في أزمات سابقة ـ فإننا نناشدكم التدخل العاجل لوقف هذا المسار الخطير وإلغاء هذه الرسوم المخالفة حفاظًا على استقرار منظومة العدالة وضمانا لحق كل مواطن في التقاضي دون عائق مالي أو إجرائي.
إن مصر لا يمكن أن تسمح بإقصاء مواطن عن قاعة محكمة ولا بأن يتحول حق التقاضي إلى امتياز للقادرين فقط.
نحن بحاجة إلى عدالة سريعة، ميسورة ومضمونة، لأن العدالة المتأخرة ظلم، والمكلفة إقصاء، والمُباعة فساد.