الجمعة ١٦ / مايو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب: فتونة المقاهي.. وغياب القانون في المريوطية السياحي

أسامة داود يكتب: فتونة المقاهي.. وغياب القانون في المريوطية السياحي

الشيشة أولى من صحة الأطفال.. صمت رسمي على كارثة

من يحمي المقاهي؟ ولماذا يصمت المسؤولون؟"

هل يُجبر السكان على الرحيل من أجل راحة الزبائن؟

دخان في الشرفات.. وقرقعة في الليل.. وحي غائب عن الوعي

مقاهي تحت الحماية.. وسكان تحت القهر

في قلب شوارع القاهرة والجيزة، لم يعد المواطن هو سيد الطريق. اختفت الأرصفة تحت كراسي المقاهي، وضاعت ملامح النظام وسط دخان الشيشة وقرقعة الطاولة. بينما تحوّل حق السكن الآمن إلى كابوس يومي بفعل مقاهٍ تمارس "الاستقواء" على السكان، وتحظى بحماية غير معلنة من أجهزة يفترض أن تكون حارسة للنظام والقانون.

ليست الأزمة فقط في فوضى المقاهي، بل في التغاضي الرسمي عنها، وكأن القانون يُطبَّق فقط على الضعفاء، بينما تُمنح الأرصفة والطرق لأصحاب "النفوذ التجاري"، الذين تجاوزوا حدود الرصيف إلى نهر الطريق، وحوّلوه إلى "كافيه مفتوح" للزبائن، و"جراج خاص" لسياراتهم، دون اكتراث بمئات الأسر التي تعيش في العقارات المجاورة.

طريق المريوطية السياحي يصرخ!

يمثل طريق المريوطية نموذجًا فجًّا لهذا الواقع. فمن جهة، هو طريق سياحي يؤدي إلى الأهرامات، يفترض أن يكون واجهة حضارية، لكن من جهة أخرى، تحول إلى شريط ممتد من المقاهي المفتوحة على الطريق العام، تتحدى القانون، وتستقوي بحماية ضمنية من الاحياء وعلى رأسها حي الطالبية، الذي يكتفي أحيانًا بتمثيلية ضبط شكلية عبر جمع بضعة كراسي مكسورة أمام الكاميرات، ثم يغادر وسط سخط السكان وضحكات أصحاب المقاهي.

واقعة موثقة
في إحدى المرات، وصلت حملة من الحي وشرطة المرافق، وتم تحميل الكراسي والترابيزات فوق سيارة الحملة، لكن صاحب أحد المقاهي استدعى مجموعة من البلطجية، ووقعت مشادات، انتهت بانصياع الحملة للأمر الواقع، وإنزال المضبوطات، لتعود الأمور كما كانت، وكأن السيادة ليست للقانون، بل لقوة المال وحماية "الكبار".
الواقعة موثقة بكاميرات سكان العمارة، وقد أُرسلت إلى السيد محافظ الجيزة والسكرتير العام للمحافظة، دون أي رد يُذكر، ما يُثير علامات استفهام مقلقة حول دور الإدارة المحلية، التي باتت وظيفتها – على ما يبدو – حماية المصالح الخاصة لا العامة.

المعاناة اليومية للسكان

السكان يعيشون في حصار دائم، دخان الشيشة يتسلل عبر النوافذ والشرفات، و ضوضاء الطاولة والدومينو تستمر حتى الساعات الأولى من الصباح، والطريق لم يعد صالحًا لسير السيارات أو المشاة.

الأطفال يتعرضون لخطر التدخين السلبي، وكبار السن والمرضى يعانون من تدهور حالتهم الصحية بسبب الأبخرة والضوضاء.

واوجه تساؤلاتى إلى المسؤولين

* من الذي أعطى الحق لأصحاب المقاهي باحتلال الطريق العام

* لماذا تصمت أجهزة الأحياء على هذا التعدي، رغم توافر المستندات والفيديوهات؟

* هل باتت المقاهي "خطًا أحمر" لا يجوز الاقتراب منه؟

* من يحاسب المسؤول الذي يخذل السكان في حقهم في بيئة صحية وآمنة؟

*  لماذا تختلف الدولة مع نفسها؟ ففي المدن الجديدة تُطبق القوانين بحزم، بينما تُفرغ من مضمونها في المناطق الشعبية؟

* هل على المواطنين أن يهجروا مساكنهم لينعموا بالراحة، أم على الدولة أن تحميهم من "فتونة المقاهي"؟

* هل تحوّلت الإدارة المحلية إلى شريك غير مباشر في جريمة التعدي على الحق العام؟

أين القانون؟ وأين العدالة؟ وماذا تعني تلك القوانين وتلك القرارات الصادرة في هذا الشأن؟ ومن المسؤول عن عدم تنفيذها؟ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019، الذي يُجرّم منح تراخيص تقديم الشيشة دون اشتراطات صحية وبيئية صارمة، لم يُلتزم بها.

قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، الذي لم يُنفّذ، رغم أن المقهى يصدر يوميًا سحب دخان تصل إلى شرفات الوحدات السكنية، مهددة حياة الأسر والأطفال.

قرار وزير الإدارة المحلية رقم 239 لسنة 1957، الذي يمنع إشغال الأرصفة العامة أو تأجيرها بما يخل بحق السكان.

تعليمات وزارة التنمية المحلية الصادرة عام 2022، والتي نصّت صراحة على أن الأرصفة والساحات المحيطة بالعقارات لا يجوز التصرف فيها إلا في أضيق الحدود ووفقًا لاشتراطات دقيقة.

ورغم أن المبادئ القضائية المستقرة تؤكد أن حرم العقار هو امتداد لخدمة ساكنيه، نكتشف أن الحي فرّط في هذا الحق بلا مسوغ، بل وبارك الممارسة بمستند رسمي! وهو تأجير مساحات للمقاهى من حرم العقارات.

هل تحولت أحياء الجيزة إلى شركات سمسرة؟ هل بات تأجير الأرصفة هو المورد الجديد لاقتصاد الإدارة المحلية؟ ولماذا تخرس ألسنة المسؤولين رغم الشكاوى المصحوبة بمستندات؟ وهل انتقلت وظيفة الحي من "خدمة المواطن" إلى "تأمين المخالف"؟

إن ما جرى ليس مجرد مخالفة إدارية، بل هو انحراف وظيفي يستوجب المساءلة.

وإذا لم تتحرك محافظة الجيزة فورًا لإلغاء هذا الإجراء ومحاسبة المتورطين، فنحن أمام خطر أكبر: دولة داخل الدولة.. اسمها دولة المقاهي.

فمن يوقف هذه المهزلة؟ ومن يعيد للمواطن حرم بيته؟

وهل يكفي أن يموت طفل اختناقًا بدخان الشيشة، لنعترف أننا أهدرنا القانون لصالح ترابيزة ودومينو؟ بجانب ما تلقيته أنا وغيرى من تهديدات إن لم نصمت.

هذه ليست شكوى عابرة، بل صرخة من قلب واقع يومي يتفاقم. وإذا كانت الكاميرات والمستندات لا تكفي لتحريك المسؤول، فما الذي يمكن أن يدفعه للتحرك؟ هل ننتظر حادثًا أو مأساة كبرى لتُعلن الدولة أنها كانت "لا تعلم"؟
ما نحتاجه ليس لجنة شكلية، بل إرادة سياسية تطبق القانون على الجميع. فهل نجدها؟