السبت ١٤ / يونيو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب : أزمة البنزين بين فشل الرقابة وغياب المحاسبة في وزارة البترول

أسامة داود يكتب : أزمة البنزين بين فشل الرقابة وغياب المحاسبة في وزارة البترول


رغم مرور أكثر من عشرين يومًا على أزمة البنزين المغشوش، لم تكشف وزارة البترول حتى الآن عن نتائج التحقيقات، علمًا بأنها الجهة الوحيدة التي يفترض أنها تملك كل التفاصيل؛ لأنها الجهة الوحيدة، بهيئاتها وشركاتها، التي تتحكم في كل ما يتعلق بالمنتجات البترولية: تصنيعًا، واستيرادًا، ورقابة، وتوريدًا بجانب وزارة التموين فيما يخص الرقابة على المحطات.

نعم، لقد مر أكثر من عشرين يومًا، ومنذ بداية شهر مايو الحالي، لم يصدر عن وزارة البترول سوى ثلاثة بيانات للرأي العام. تضمَّن البيان الأول إنكارًا للحقائق التي عبر عنها المواطنون من خلال موجة شكاوى متزايدة حول أعطال مفاجئة في السيارات، نتيجة تلف طلمبات البنزين بسبب عيوب في الوقود، وهي وقائع أُثيرت بشكل متصاعد على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. ورغم امتلاك وزارة البترول، بما لها من صلاحيات ضبطية قضائية وأدوات رقابية، القدرة على رصد أي خلل في منظومة إمدادات الوقود بجميع مراحلها، فإنها تعاملت مع الأزمة كأنها تخص شعبًا آخر في دولة أخرى، مكتفية بإصدار ثلاثة بيانات رسمية متتابعة - وأيضًا متضاربة - خلال أسبوع واحد، بدأت بالإنكار، ثم انتقلت إلى الاعتراف، في محاولة لاحتواء الموقف وطمأنة الرأي العام.

وفى قراءة متأنية للبيانات الصحفية التى طلت وزارة البترول من خلالها على الرآى العام نكتشف تناقضات جوهرية وغياب للشفافية، بل إن تصريحات الوزارة طرحت علامات استفهام كثيرة حول كفاءة ونزاهة الأجهزة المعنية داخل الوزارة، والهيئة العامة للبترول، ونياباتها. فقد تضمن البيان الأول، الصادر في 5 مايو، تأكيدًا قاطعًا من وزارة البترول على أن جميع المنتجات، بما في ذلك البنزين، مطابقة للمواصفات القياسية، مع استناد هذا التأكيد إلى نتائج تحاليل لعينات زُعم أنها سُحبت بشكل مستقل من محطات الوقود. وشددت الوزارة على أن شركات التسويق الكبرى لم تتلقَّ شكاوى من العملاء.

لكن بعد يومين فقط، وفي البيان الصحفى الثاني، أشارت الوزارة إلى أنها تلقت 870 شكوى رسمية خلال خمسة أيام، منها 429 شكوى من القاهرة وحدها. ثم كشفت، في البيان الثالث، أن تحاليل 807 عينة أسفرت عن وجود 5 عينات غير مطابقة للمواصفات، موزعة بين القاهرة والقليوبية وبني سويف وقنا.

فكيف يمكن التوفيق بين التأكيد القاطع بعدم وجود أي مشكلة في البداية، ثم الإقرار لاحقًا بوجود عينات ملوثة؟ ولماذا لم تعلن الوزارة منذ البداية عن وجود حالات تحت الفحص أو اشتباه في التلوث، بدلاً من النفي القاطع؟

غياب المساءلة 

رغم اعتراف الوزارة بوجود خلل في خمس عينات من البنزين، لم تُعلن حتى الآن عن مصدر تلك العينات: هل الخلل في الإنتاج المحلي أم المستورد

او اسم الشركة أو المستودع أو المحطة المسؤولة

ولم تكشف عن السبب الفني وراء التلوث: هل في النقل؟ التخزين؟ أم في التكرير أو التفريغ

ولم تُعلن حتى الآن عن نتائج تحقيقات نيابات الهيئة العامة للبترول، أو أسماء من تمّت مساءلتهم.

واكتفت الوزارة بالإعلان عن إجراءات وقائية مستقبلية، وصرف تعويض لا يتجاوز 2000 جنيه، في ما يُعد اعترافًا ضمنيًا بالضرر، دون تحديد الجهة المسؤولة أو محاسبتها. وهذا التصرف يفتقر إلى العدالة؛ كما أن تكلفة تغيير طلمبة البنزين وحدها قد تصل إلى أضعاف هذا الرقم.

 تساؤلات حول منظومة الإمداد والرقابة

تفتح هذه الأزمة الباب لتساؤلات جادة وضرورية 

أين رئيس الإدارة المركزية للنقل والتوزيع بوزارة البترول، المحاسب ناصر شومان؟ ولماذا لم نسمع له صوتًا منذ بداية الأزمة

أين كانت نيابات الهيئة العامة للبترول أثناء تفريغ الشحنات المستوردة؟ ولماذا لم تكتشف الخلل؟

هل تُحلَّل عينات البنزين في معامل مستقلة فعلًا قبل دخولها السوق؟ أم يتم الاكتفاء بتقارير الموردين أو معامل الشركات نفسها.

ما دور إدارة الجودة والرقابة الفنية داخل الوزارة؟ وهل تملك صلاحيات حقيقية أم هي مجرد إدارة شكلية

من يتحمل تكلفة أعطال مئات السيارات؟ وهل تكفي 2000 جنيه لتغطية ضرر قد يتجاوز عشرات الآلاف؟

لماذا لم تُغلق المحطات التي ثبت وجود خلل في عيناتها؟ ولماذا لم تُحال إداراتها فورًا إلى جهات التحقيق المختصة؟

أزمة ثقة

إذا لم تُعلن وزارة البترول نتائج تحقيق شفاف، يحدد المسؤول عن الخلل في سلسلة الإمداد، ويضمن تعويضًا عادلًا للمواطنين، ويحاسب المتورطين، فإن هذه الأزمة لن تنتهي بانخفاض عدد الشكاوى، بل ستتحول إلى أزمة ثقة حقيقية في قطاع حيوي لا شريك فيه للدولة.

لقد آن الأوان لإعادة هيكلة آليات الرقابة داخل وزارة البترول، وتوسيع صلاحيات الجهات الرقابية المستقلة، وإخضاع سلسلة إمداد الوقود كلها لرقابة دورية من أجهزة سيادية أو رقابية من خارج القطاع.

فالبنزين ليس فقط وقود السيارات، بل وقود للاستقرار والثقة في مؤسسات الدولة.

والأهم من كل ذلك مسائلة المهندس كريم بدوى أو الخواجة كريم وزير البترول عن عدد اجتماعاته بقيادات الوزارة خاصة أنه بكل تأكيد لم يجد وقت لإدارة قطاع البترول عن قرب والاكتفاء برسائل الواتس بإعتبار أنه يعيش فى مقاعد الدرجة الاولى فى الجو و أجنحة الفنادق العالمية الفاخرة أكثر بكثير من وقت وجوده فى وزارة البترول وشركاتها.