الخميس ١٩ / يونيو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

أسامة داود يكتب : رؤساء بلا سلطة.. وعمال بلا حقوق : هل يُنصف الوزير رجال البترول؟

أسامة داود يكتب :  رؤساء بلا سلطة.. وعمال بلا حقوق : هل يُنصف الوزير رجال البترول؟



معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي أكتب إليكم لا طلبًا لمنفعة، ولا رغبة في قرب منك، بل دفاعًا عن قضية طال كتمانها، وحان وقت البوح بها: استعادة مكانة رؤساء الشركات داخل قطاع البترول، لا سيما في شركات القطاع المشترك العاملة في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج، .


لقد ظل هذا المنصب، لعقود، رمزًا لثقة الدولة ومسؤولية ثقيلة لا يحملها إلا من صقلته التجربة وإحترف الكفاءة.


غير أن الممارسة الإدارية لمجموعة زُرعت بفعل فاعل منذ سنوات مضت ، جردت قامات قطاع البترول وبالأخص رؤساء الشركات من أهم أدواتهم، السلطة والاحترام المؤسسي. فصار القرار بالندب إلى موقع رئيس شركة لا يتبعه - كما يجب - قرار بالترقية إلى درجة مساعد على الأقل، وهو الحق الذي تم التغافل عنه عمدًا أو تهاونًا، أو تهويناً لتبقى السلطة شكلية، والموقع مجرد عنوان.


أقولها بمرارة: من هنا بدأ انزلاق قطاع البترول. حين جرى التعامل مع رجاله على أنهم أدوات لا شركاء، وحين بات بعضهم يُساق إلى موقع القيادة بلا صلاحيات حقيقية، بقرارات صادرة من الوزير السابق طارق الملا، منفَّذة بأقلام رجال منهم من وصفته لا غيرى بأنه وزيرًا عرفيًا للقطاع وبالتالي فعليا، يسحب بكلتا يديه ما يقره الوزير من بعض الحقوق لقياداته.


لقد وقفت في أكثر من مناسبة، موجهًا كلماتي لوزراء تعاقبوا على الوزارة، محذرًا من أن تهميش الكفاءات لا يصيب الأفراد وحدهم، بل يضرب القطاع كله في صميمه.


وليس من المعقول أن يُكلف رئيس شركة بإدارة عمليات إنتاج أو استكشاف أو تكرير وكذلك انجاز مشروعات، بينما يظل على درجة مدير عام، فيما تقع على كاهله مسؤوليات تعادل ما تحمله نواب الوزراء من مهام!


معالي الوزير، قطاع البترول لم يُبنَ عبر الخطط والقرارات وحدها، بل بصبر رجاله، وعرقهم، وعزيمتهم التي أثقلتها وعركتها التجارب الوعرة ووجوههم وسواعدهم البرونزية التي صُهرت بلهيب الصيف وزمهرير الشتاء ، وأيديهم التي حفرت الأرض والصخر، واستخرجت الزيت والغاز من أعماق قاع البحار والصحارى.


هؤلاء لم يتكلموا كثيرًا، لكنهم قدموا ما لا يُقدَر بثمن. من مهندسين وفنيين وعمال، إلى إداريين ومحامين ومحاسبين، هم الثروة الحقيقية التي قامت عليها هذه الصناعة. ولا يمكن لصناعة بهذا التعقيد والاتساع أن تنهض أو تتطور، بينما يُمنح أصحاب الولاء مواقع النفوذ، ويُقصى أصحاب الكفاءة والضمير. فالعدالة في الترقيات، وفي التقدير، هي صمام الأمان لأي قطاع، لا سيما إذا كان بهذا الحجم وهذه الأهمية لاقتصاد الوطن. 


معالي الوزير، أدركت فيك جانبًا إنسانيًا، وقدرة على الاستماع لا الادعاء، ورغبة في التغيير لا المكابرة. أدركت ذلك من سرعة استجابتك لبعض ما طالبت به أنا أثناء المؤتمر الصحفى الأخير لمعاليك.. لذا أضع بين يديك هذه الرسالة التي كتبتها من القلب، لا طمعًا ولا خوفًا، بل حبًا لهذا القطاع، ووفاءً لرجاله. لقد عرفت شخصيًا رجالًا لا يُجارَون، أمثال عبد الهادي قنديل، الذي حمل مع فريق يقوده احمد عز الدين هلال وزير البترول الأسبق ورمزى الليثى رئيس هيئة البترول وقتها أمانة تجهيز أحتياجات دولة في حجم مصر ومعركة على قدر معركة السادس من أكتوبر 1973،


وقرأت وسمعت عن رجال من قبله من أمثال احمد كامل البدرى وأحمد عز الدين هلال وعلى والى ومحمود يونس ومن بعده عاصرت وتعاملت مع رموز على قدر حمدي البنبى، وجابر خليل، وسامح فهمي، وعبد الخالق عياد، وكمال مصطفى وسيد الخراشى  ومصطفى شعراوى  والدكتور شريف إسماعيل وتلاميذهم شامل حمدي، وشريف إسماعيل، ومحمود لطيف، ومحمد طويلة، وإبراهيم صالح وعبد الله غراب وأسامة كمال وعبد العليم طه، ومحمود نظيم، وهاني ضاحي، وأخرون كٌثر سوف أشير إليهم إن شاء الله لاحقاً.


عرفت زمنًا كانت فيه المسؤولية تكليفًا لا تشريفًا، وكان فيه الوزير راعيًا لا جلادًا. أما اليوم، فشبح التمييز، وتوريث المواقع، وتكريس السلطة في يد قلة محسوبة على من كانوا يديرون القطاع كـ"تكية"، يهدد ما تبقى من كفاءات. وإن استمرار قرارات من نوع تعيين حسام التوني بعد إحالته للتقاعد لرئاسة "ميدايلك"-  الذى لا يتجاوز علمه بإدارتها ومجال عملها علم مزارع بسيط بعلوم الفضاء - رغم كل التحفظات، لا يبعث سوى برسالة واحدة: أن الاعتبارات الشخصية والولاءات ما زالت تحكم مسار القطاع. 

عمال بلا حقوق تتآكل أعمارهم

معالي الوزير... العاملون باليومية، منهم مهندسون بالمواقع والحقول ، وإداريون وقانونيون يعملون بالأجر اليومى دون تأمينات حقيقية أو رعاية طبية وإجتماعية وبمقابل يومى زهيد، أولئك الذين تتآكل أعمارهم على خطوط الإنتاج، لا ينتظرون منكم سوى إنصافًا وعدلًا. لا يطلبون امتيازات، بل حقوقًا أساسية في التقدير والتكريم، بعد أن أصبحت الفوارق بينهم وبين نظرائهم مادياً ومعنوياً من المثبتين ومن هم في المكاتب المكيّفة ظالمة إلى حد لا يقبله مُنصف.


 سيحاسبك التاريخ يا معالي الوزير، ليس فقط على القرارات التي تصدرها، بل على ما تتغافل عنه، وعلى من تُحاط بهم. فلا تجعل من نفسك أداة لإعادة إنتاج منظومة قامت على الرعب والتهميش والاستبعاد والتجريف، بل كن قائدًا لبناء الثقة والانتماء، وهي القيم التي وحدها تضمن النجاح الحقيقي.


وأختم رسالتي بما بدأت به: أن يُردّ للعنصر البشري اعتباره، وأن يُكرَّم من يتولى القيادة، لا أن يُهان بمنصب منزوع الصلاحيات والهيبة. فليس من الحكمة أن نستمر في تجاهل الكفاءات حتى تغادر بصمت، ويُترك القطاع في أيدي المصفقين، والمجاملين، وضاربي الدفوف.


 اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.