أسامة داود يتسائل: لماذا تُطفأ المصانع.. وتُضَاء المقاهي؟

أسامة داود يتسائل: لماذا تُطفأ المصانع.. وتُضَاء المقاهي؟

 من يستهلك كهرباء الليل في مصر.. ومَن يدفع الثمن؟

في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من أزمة حادة في الطاقة، وتضطر إلى تقليص ضخ الغاز للمصانع المنتجة، بل وتستدين لتوفير احتياجات الكهرباء عبر الاستيراد بالعملة الصعبة، تبقى المقاهي والمحلات والمولات مفتوحة ليلًا، تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء – ومعها الغاز الطبيعي – في أنشطة قد لا تكون ضرورية على الإطلاق في تلك الساعات


فهل يُعقل أن تتوقف الماكينات وتظل الشيشة مشتعلة؟! وهل يجوز أن تتكبد الدولة مليارات الدولارات في استيراد غاز لتشغيل كهرباء تُهدر في سهرات المقاهي واللافتات المضيئة وأجهزة التكييف التي لا تهدأ في "الكافيهات" والمولات؟!

 الحكومة فى غيبوبة

تشير بيانات رسمية إلى أن الاستهلاك السنوي للقطاع التجاري في مصر يبلغ نحو 9 مليارات كيلووات/ساعة من الكهرباء. وبحسب تقديرات فنية، فإن حوالي 30% من هذا الرقم يُستهلك ليلًا، أي نحو 2.7 مليار ك.و.س سنويًا – وهو رقم ضخم يكافئ استهلاك محافظة كاملة!

وهنا نتسائل: هل الحكومة تعيش حالة غيبوبة ولا تدرك حجم الكارثة الاقتصادية التى تسببت فيها نتيجة لعدم وجود رؤية لديها؟


الا تعلم الحكومة أن معظم هذا الاستهلاك يأتي من أنشطة غير ضرورية ليلًا، كالمقاهي والمطاعم والمتاجر التي تمتد ساعات عملها حتى الثانية صباحًا، في حين يمكن الاستغناء عنها أو تقنين تشغيلها بقرارات إدارية واضحة.

مصانع بلا غاز.. ومقاهٍ بلا توقف!

في المقابل، يتم خفض كميات الغاز الموجهة للمصانع المنتجة، وتعاني خطوط الإنتاج من التعثر، وسط حالة من الغضب بين رجال الصناعة والمستثمرين، الذين يدفعون ثمن الأزمة ومعهم إقتصاد الدولة.

والمفارقة أن الغاز الذي يُسحب من المصانع يُستخدم في توليد كهرباء تُهدر في أنشطة تجارية ليلية لا تُضيف شيئًا للاقتصاد.

فمن المسؤول عن هذا الانفصام في السياسة العامة للطاقة؟

ومن يجرؤ على طرح سؤال الإصلاح الحقيقي: هل نحرم المصانع من الغاز ونمنحه للمقاهي؟!

الا تدرى الحكومة أن ترشيد الكهرباء لا يعني خنق الاقتصاد؟

ومع مراجعة مجالات استهلاك الكهرباء نجد أن  الدولة تملك أدوات حقيقية لترشيد استهلاك الكهرباء دون المساس بالإنتاج أو احتياجات المواطنين الأساسية، منها

إغلاق المحلات والمقاهي ليلًا باستثناء الضروري الصيدليات، السوبر ماركت، المستشفيات.

تقنين إنارة الواجهات والإعلانات الليلية..أو وقفها.

تحديد مواعيد إغلاق صارمة للأنشطة التجارية.

والسؤال هنا: لماذا لا تفعل الدولة ذلك؟ هل نُفضل راحة الساهرين مع دخان الشيشة على مصلحة  الشعب التى تتمثل فى تشغيل المصانع؟ وهل نخشى من غضب أصحاب المقاهي أكثر من الأضرار  بالاقتصاد نفسه؟!

من يدفع فاتورة السهر؟

النتيجة النهائية معروفة: الدولة تقترض لشراء الغاز، وتخسر مليارات في دعم الكهرباء، فيما يستهلك القطاع التجاري ليلًا وحده ما يكفي لتشغيل عشرات المصانع.

ترشيد ساعات العمل الليلي قد يوفر للدولة ما يقرب من 3 مليارات ك.و.س سنويًا، أي ما يعادل إنقاذ قطاع كامل من التوقف، مثل صناعات الاسمدة التى يتم تصديرها بجانب تغطية إحتياجات السوق المحلى، أو تغطية استهلاك شهري للعاصمة بأكملها

فهل نملك شجاعة القرار؟

هل نبدأ من حيث يجب أن نبدأ: بوقف الهدر بدلًا من وقف الإنتاج؟

وهل نستمر في معادلة عبثية تقول نطفئ المصانع.. ونُضئ المقاهي؟