أسامة داود يكتب: مستشفى وادى النطرون... افتتاح حكومي جديد لمؤسسة أُنشئت منذ 1999!

أسامة داود يكتب: مستشفى وادى النطرون... افتتاح حكومي جديد لمؤسسة أُنشئت منذ 1999!

في جولة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولى منذ أيام برفقة عدد من الوزراء مستعرضا إنجازات حكومته فى مستشفى وادى النطرون بعد تغيير اسمها من جراحات اليوم الواحد الى وادى النطرون المركزى وكل ما طرأ عليها هو أعادة تلميعها بهدف اضافتها الى إنجازاته !

لكن ما غاب تمامًا عن المشهد – عن قصد أو غير قصد – هو أن هذه المستشفى ليس منشأة جديدة كما يُروّج له من جانب ضاربى الدفوف والهتيفة ، بل هي واحدة من أجرأ تجارب وزارة الصحة المصرية منذ أكثر من ربع قرن، وتحديدًا في عام 1999، حين وضع الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة الأسبق، حجر أساسها بفكر سابق لعصره.

د إسماعيل سلام 

فكرة أمريكية بروح مصرية


وحكاية وادى النطرون بدات مع تولى إسماعيل سلام شئون وزارة الصحة في عام 1996 ومع تنفيذ رؤيته بإعادة بناء قطاع الصحة على كل المستويات خاصة الجانبين العلاجى والوقائى التقط فكرة أمريكية وهى مستشفيات اليوم الواحد ، كان يستلهم هذا النموذج  ولكن مع تعديل مصري ذكي وهو إضافة أسرّة للإقامة القصيرة  وبتسمية مستشفيات جراحات اليوم الواحد وكانت وادى النطرون والتي تتوسط طريق مصر الإسكندرية الصحراوى نقطة عبقرية لإنشاء تلك المستشفى للقيام بمهام علاج مصابى حوادث الطريق مع تقديم خدمة عاجلة لسكان المناطق المتاخمة لها وأسس بالمستشفى 20 سريرًا، لمواجهة أي مضاعفات محتملة بعد الجراحة، خلافًا للنموذج الأمريكي الذي يُعتمد فيه على الجراحة دون إقامة.


كانت مستشفى جراحات اليوم الواحد بوادي النطرون - كما سُميت وقتها -  أول تجربة من نوعها تُبنى على طريق صحراوي استراتيجي، لتخدم المسافرين، وتكون مركز تدخل سريع في حوادث الطرق.

وكانت من ضمن عدة مستشفيات متشابهة تم انشائها في مصر في مناطق متفرقة

لم يكن افتتاح المستشفى عاديًا. في أحد أيام 1999، وقع حادث تصادم لأتوبيس سياحي يحمل وفدًا ألمانيًا، واحتاجت الدولة إلى تدخل طبي عاجل. لم يكن أمام إسماعيل سلام سوى اللجوء إلى حلمه غير المكتمل - مستشفى جراحات اليوم الواحد - التي كانت في طور التجهيز. وخلال ساعات معدودة فقط، تم فرشها بالأجهزة واستدعاء الفرق الطبية من أنحاء الجمهورية، وتم استقبال المصابين في ملحمة إنقاذ بطولية، كانت هي الانطلاقة الحقيقية للمستشفى.

مطبخ الأزمة.. وموقف لا يُنسى

وسط الزحام، اكتشف إسماعيل سلام أن المستشفى لا تضم مطبخًا يُطعم المرضى ولا الأطقم الطبية. لم يتردد، بل اتصل برجل الأعمال إسماعيل ثابت، صاحب استراحة ماستر المعروفة على الطريق الصحراوي، وطلب منه إعداد وجبات فورية لكل من في المستشفى، بما فيهم أهالي المصابين الألمان. وافق ثابت فورًا، واستمر في تقديم الوجبات لشهرين.

ثم جاء لاحقًا إلى الوزير بفاتورة بها مبلغ مالى كبير، فإذا بسلام يضحك ويقول له:

إحنا مش بندفع فلوس.. وبعدين كفاية إننا عملنالك مستشفى جنب استراحتك، واعتبر دا تبرع منك لوزارة الصحة!

وقد كان. لا فاتورة صُرفت، ولا موقف نُسي.

واليوم تتجرأ الحكومة وتُعيد افتتاح نفس المستشفى وكأنها وُلدت أمس!

رغم هذه الخلفية التاريخية، تُعيد الدولة اليوم تقديم مستشفى وادي النطرون على أنها إنجاز جديد في 2025، دون أن تشير بكلمة واحدة إلى تاريخها الحقيقي أو إلى الرجل الذي أسسها وأنقذ بها أرواحًا.

والأدهى أن اسم المستشفى نفسه قد تم تغييره من مستشفى جراحات اليوم الواحد إلى مستشفى وادي النطرون التخصصي، بزعم توسعات - أغلبها شكلي - رغم أن كثيرًا من التجهيزات الحالية قد أُنجزت في التسعينيات بجهود إسماعيل سلام وفريقه.

علماًبأن وحدات جراحات اليوم الواحد تُعد نمطاً مستقلاً ونموذجاً ناجحاً، ولا يجوز الخلط بينها وبين المستشفيات المركزية أو التخصصية .

كما أن أى تغيير اوتعديل فيها يُمثل تشويهاًلها وانحرافاً عن الدور المخصص لها.

وأوجه أسئلتى الى وزير الصحة بإعتباره يعلم اصل وفصل تلك المستشفى.

لماذا يُعاد افتتاح مستشفى أُنشئت منذ 26 عامًا وكأنها إنجاز جديد؟

لماذا لم يُذكر صاحب الفكرة ولا تُرفع لافتة تحمل اسمه؟

كيف يمكن لمسؤول أن يتحدث عن مستشفى حديث، بينما هي استقبلت ضحايا حادث سياحي دولي منذ عام 1999؟

من يُعيد كتابة التاريخ الصحي في مصر؟ ومن يطمس سيرة من أسسوا وابتكروا؟

وأخيراً ليست المشكلة في أن الدولة تطوّر منشآتها، بل في أن الذاكرة المؤسسية تتعمد -أحيانًا - النسيان، وتميل إلى تجميل الحاضر على حساب الماضي. وما حدث مع مستشفى وادي النطرون نموذج كاشف لذلك.

فحين تُمحى أسماء الرواد، ونعيد افتتاح المؤسسات القائمة بلا اعتراف بمن أنشأها، فنحن لا نمارس تحديثًا بل نمارس نكرانًا.

وحين تُكتب القصص الرسمية بلا ذكر لأصحاب القرار الحقيقيين، فنحن لا نبني ذاكرة وطن، بل نُدير حملة علاقات عامة مؤقتة.

وأتسائل:

هل نحن نُجمل وجه الحكومة التي ليس لها أي انجاذ يذكر في الصحه بإستثناء تأجير المستشفيات التي بناها الشعب المصرى لصالح شركات عالمية مثل مستشفى هرمل بمنطقة دار السلام وتمكين شركات عالمية من احتكار الصحة بشراء المستشفيات الخاصة ومراكز الاشعة ومعامل التحاليل الكبرى لإقرار الاحتكار سوق الصحة في مصر  ، أم نُخفي وجه الحقيقة؟