
المقاهى تحتل الارصفة والشوارع... وتخنق المواطن بدخانها ! ( 3 )

حين يصبح الكرسي البلاستيك إلى رمز للفتونة واحتلال المجال العام
ما يحدث في شوارع مصر ليس مجرد مخالفة، بل احتلال منظم. المقاهي تسيطر على الأرصفة، تحتل حرم العقارات، وتفرض نمط حياة صاخبًا على سكان لم يختاروه.
هل صار من المنطقي أن يعيش الطفل والمسن في منزل يقتحمه دخان الشيشة، ويعجز الأب عن النوم ليلاً بسبب صخب المقاهى الذى لا ينقطع، ثم يقال لنا دى أكل عيش؟
من مفارقات الواقع المصري، أن الدولة تقترض لشراء الغاز الطبيعي، بينما تُنفق نسبة ضخمة منه (تصل إلى 65%) في توليد كهرباء تُبدد نسبة منها ليلًا على إنارة مقاهٍ مخالفة يصدر عنها الضجيج و ودخان الشيشة، لا الإنتاج والعمل!
هل يُعقل أن تغلق المصانع أبوابها بدعوى نقص الطاقة، بينما تظل المقاهي مستيقظة حتى الفجر تهدر الكهرباء وتستهلك الأرصفة وتخنق المواطنين؟
المقاهي.. سلطة بلا مسئولية؟
تتفاقم
الكارثة في جميع أنحاء مصر، وكأنها رسالة أو مهمة تسعى الحكومة، عبر المحليات، إلى
فرضها على كل المناطق المكتظة. جميع المحافظات بلا استثناء، حتى الأرياف التي كانت
تتسم بالهدوء حتى وقت قريب، أصبحت تنافس القاهرة والجيزة، بأحيائهما ومدنهما، في
تحويل الشوارع والحواري والأزقة إلى مقاهٍ تُخرج لسانها للجميع، فمن المستحيل أن
تلتزم بحدود أبوابها.
أصبح
نشاط تلك المقاهي يمتد إلى الأرصفة والشوارع، التي زُرعت بالكراسي والطاولات، تعج
بصخب الزبائن، ومع سحب دخان الشيشة وعلى وقع رنات أوراق الدومينو، تتجرد عيون
الزبائن من كل اعتبار وهم يطالعون المارة بلا حياء.
الكل
مستباح، وفي حماية قانون قرر أن يعيش في غفوة مستمرة تصل إلى حد الغيبوبة.
وتصل
تجاوزات المقاهي ذروتها في الجيزة، في شوارع مثل فيصل، وترسا، والعروبة، وكعابيش،
وفي المناطق السياحية مثل شارع المريوطية الرئيسي، حيث لم يعد للعمارات حرم، ولا
للهدوء معنى، ولا للسكينة مكان.
الليل عند المصريين كان وقتًا للراحة، واليوم صار موعدًا للسهر الإجباري.
شيشة تُشعل، شاشة تزعق، كرسيٌّ يعرقل، شبابٌ تائه بين طاولة دومينو وسبّاب متبادل، وأُسرٌ تُستنزف نفسيًّا وماديًّا من أجل نمط غير منتج، فرضته المقاهي على حياة الناس!
خطر قومي
دخان الشيشة لا يلوث الرئة فقط، بل يُهدد السلم الاجتماعي. أطفال يختنقون، مسنون يئنّون من ضيق التنفس، أمراض صدرية تتضاعف، بينما التراخيص تصدر، والشكاوى تُهمَل، والرد الرسمي: “سنراجع الوضع”!
كيف يُعقل أن تقنن الجهات التنفيذية شيئًا تعرف أضراره علميًا، وتحذر منه وزارة الصحة نفسها؟
لماذا لا يُطبق قانون البيئة؟ وأين لجان التفتيش؟
ولماذا لا يتحرك المحافظون رغم استغاثات موثقة بالصوت والصورة؟
هل على المواطن أن يموت اختناقًا حتى تتحرك الدولة؟
الوقت الضائع.. والمال المُهدر
كلفة المقاهي لا تُقاس فقط بالكهرباء المُهدرة والغاز المُستهلك، بل كذلك بالوقت الذي يهدره الشباب في جلسات بلا معنى، والمال الذي تُسحب من جيوب الأسر لتلبية “احتياجات السهر”.
لقد تحولت المقاهي إلى مصائد زمنية واجتماعية واقتصادية.. تسرق الوقت، تستنزف دخل الأسرة، تدمر العلاقة الأسرية،
بجانب ذلك فإنها تخلق بيئة مشحونة بالصخب والعدوانية.
الفتونة الجديدة
حين يُقال لك، محدش يقدر يشيلهم، فأنت أمام أمر واقع أقرب لعصابات سيطرة لا منشآت خدمية.
بل إن بعض هذه المقاهي لم تكتف باحتلال الأرصفة، بل تمادت لتستأجر من الحي ذاته حرم العقار، في صفقة تنسف القانون وتعكس مدى تواطؤ الإدارة المحلية مع الفوضى.
فمن المسؤول؟
ومن يحاسب من أخضع الأرصفة لخدمة الشيشة والدومينو؟
لم نعد نحتاج مجرد لجان، بل نحتاج قرارًا بإغلاق المقاهي المخالفة، ومنع المرخص منها، من الخروج عن حدود أبوابها.
لانه لا يُعقل أن تُهدر الدولة مليارات على دعم الكهرباء، لتُضيء بها مقاهي تفتك بأبنائها وتُفسد أخلاقهم، بينما تغلق المصانع أبوابها؟
فهل تُنقذ الدولة ما تبقى من حُرمة المواطن؟ أم أن "فتونة المقاهي" ستبقى أقوى من القانون؟