أسامة داود يكتب: تضارب المصالح وغياب الجهة المحايدة في كارثة أدمرين 12 ( 2 )

أسامة داود يكتب: تضارب المصالح وغياب الجهة المحايدة في كارثة أدمرين 12 ( 2 )

بينما الوزير يتجوّل مرتديًا كامل معدّات السلامة.. بارجة تغرق في صمت!

وسط حالة حزن حقيقية عمّت قطاع البترول بعد غرق البارج  البحري ادمرين 12 قبالة سواحل جبل الزيت، لا تزال الصور الرسمية لجولات وزير البترول كريم بدوى تملأ المواقع والبرامج، وهو مدجج بكامل زيّ الأمن الصناعي، محاطًا بكاميرات العلاقات العامة، ومتفقدًا المشروعات بابتسامة واثقة. 

لكن خلف هذه المشاهد المنمقة، تطفو على السطح أسئلة موجعة وكاشفة،
أسئلة يصعب توجيهها مباشرة لوزير البترول، ليس لأنه فوق المساءلة،
بل لأنه ببساطة لا يخصّص دقيقة واحدة لمواجهة الصحافة الحرة،
مفضّلًا اللقاءات الآمنة مع بعض كبار الكتّاب الأفاضل،
الذين لا تربطهم بالبترول أدنى علاقة، إلا بقدر ما يربطني أنا بفيزياء الجسيمات الدقيقة!


تساؤلات مشروعة للخواجة كريم :

من سمح لـ أديس أن تكون المالك والمشغل والمراقب في نفس الوقت؟

لماذا لم تُشترط جهة محايدة لفحص المعدات والحفارات قبل كل تحرك؟

هل تملك الهيئة أو الوزارة نسخة من شهادات صلاحية البارج وتقارير صيانته الدورية؟

هل يوجد سجل تفتيش دوري محايد على وحدات الشركة؟

من يراجع جاهزية المعدات البحرية؟
من يمنح الشهادات؟
ومن يُحاسَب عندما تتحول وحدة بحرية إلى قبر جماعي لعشرات العاملين؟


ليست المأساة في غرق البارجة البحرية  أدمرين 12 وحدها، بل في المنظومة التي سمحت بالحادث قبل وقوعه.
فالسؤال المحوري الذي يفرض نفسه الآن:

كيف يُسمح لشركة تعمل في مجال البحث والاستكشاف وتنمية الحقول، مثل أديس، أن تكون هي نفسها المالكة والمشغلة للمعدات البحرية كالحفارات والبارجات، دون رقابة مستقلة؟ 

 هل من المنطقى أن تكون هى من يراجع جاهزية المعدات؟


 في النظم المتقدمة، تُمنع شركات الإنتاج أو تنمية الحقول من مراجعة أو اعتماد معداتها بنفسها، ويتم فرض وجود طرف ثالث مستقل على سبيل المثال... جهة تفتيش بحرية معتمدة أو هيئة سلامة خارجية.

لكن في حالة أدمرين 12، يبدو أن الشركة هي المالكة والمشغلة والمسؤولة عن تقييم السلامة في نفس الوقت، وهو ما يطرح تعارض مصالح خطير.

هل يجوز أن يُسمح للمقاول بمراجعة معداته بنفسه؟

هل يتوقع أحد أن يسقط على نفسه شهادة مخالفة؟
وهل كل الشهادات البحرية التي حصلت عليها البارجة كانت بناءً على فحص فعلي ودقيق، أم مجرد إجراءات ورقية صورية؟

 هل حصل البارج على شهادات صالحة للصيانة والسلامة؟ ومن أصدرها؟

ما هي آخر شهادة صلاحية بحرية حصلت عليها البارجة؟ من الجهة التي أصدرتها؟

هل كانت هذه الشهادة مبنية على فحص ميداني فعلي، أم مجرد فحص صوري من داخل الشركة أو مكتب تابع لها؟

هل تضمنت الشهادة التحقق من جاهزية قوارب النجاة ووسائل الإخلاء السريع؟ وأين سجل مناورات الطوارئ؟ هل أجريت؟ ومتى؟ ومن راقبها؟


 أين وزارة البترول وهيئة البترول من كل ذلك؟

في النهاية، لا يمكن تجاهل مسؤولية الجهة السيادية المنظمة لهذا القطاع وهى وزارة البترول وهيئتها.

غياب هذه المعايير يفتح الباب أمام كل الكوارث، لأنه ببساطة الجهة التي تعمل وتربح، لا يمكن أن تكون هي نفسها من يفتش على أدواتها ويحاسب نفسها.

هذه ليست مأساة عرضية.. إنها خلل في البنية التنظيمية

حادثة ادمرين 12 ليست عثرة تقنية في عرض البحر، بل زلزال أخلاقي وتشغيلي وتنظيمي.
إن الدماء التي سالت في هذا الحادث لا يجوز أن تُغسل بمياه البحر، بل يجب أن تُكتب بتقارير التحقيق، ومحاضر المحاسبة، وتشريعات منع تكرار الكارثة.

إذا لم تتدخل الدولة الآن لإعادة هيكلة منظومة السلامة في القطاع البحري، وإلغاء تضارب المصالح، وفرض رقابة حقيقية مستقلة، فلا أحد يضمن أن الحفار القادم لن ينقلب بمن عليه... من جديد.