
محمد عبد اللطيف داود يكتب: تعديلات قانون الإيجار بين العدالة الغائبة وتسوية سياسية مغلقة

رغم الجدل الواسع الذي أثاره قانون الإيجار القديم منذ طرح تعديله كشفت مناقشته داخل مجلس النواب عن أزمة أعمق من مجرد تعديل تشريعي حيث شهدت الجلسة نقاشات ساخنة خصوصا حول المادة الثانية التي تنص على إنهاء العلاقة الإيجارية خلال فترة انتقالية لا تتجاوز سبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، وهو ما اعتبره عدد من النواب افتقارها لأبسط مقومات العدالة الاجتماعية.
وقد تجاوزت هذه التعديلات ما تضمنه حكم المحكمة الدستورية العليا، التي اكتفت بالحكم بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية لعقود ماقبل عام 1996 لمخالفته مبدأ المساواة وإهداره لحقوق الملكية، دون أن تتطرق إلى إنهاء العلاقة الإيجارية أو إخلاء المستأجرين، تاركة للمشرع مهمة تعديل القانون بما يحقق التوازن بين أطراف العلاقة.
والمثير للتساؤل أن المجلس كان قد طلب قبل جلسة المناقشة والتصويت بيوم واحد تقديم إحصاءات دقيقة توضح عدد الوحدات المؤجرة وأسماء الملاك والمناطق المتأثرة بالقانون إلا أن الحكومة - رغم وعدها بتقديم البيان - لم تستجب رغم أن هذا الطلب يعد عنصرا جوهريا في مناقشة التعديلات لما له من تأثير مباشر على مصير آلاف الأسر.
المفارقة اللافتة أن الحكومة أصرت على الإبقاء على نص المادة الثانية دون تعديل، ورفضت جميع المقترحات التي تقدمت بها المعارضة وعدد من النواب المستقلين والتي هدفت – على الأقل – إلى إدخال استثناءات للمستأجر الأصلي، أو مد الفترة الانتقالية، أو مراعاة الفوارق في القدرة الاقتصادية،
والأكثر إثارة أن محاولات بعض النواب لفتح نقاش جاد بشأن هذه التعديلات قوبلت برفض قاطع من الأغلبية البرلمانية، التي دفعت نحو الموافقة الجماعية كأمر محسوم لا يحتمل النقاش.
وفي ظل المناقشات الساخنة بمجلس النواب انسحاب عدد من النواب المحسوبين على أحزاب المعارضة والتكتلات المستقلة تعبيرا واضحا عن فقدان الأمل في مناقشة حقيقية والبيان الذي صدر عنهم بعد الجلسة كان شديد اللهجة وأكد أن موقفهم جاء "تبرئة للذمة" بعد أن رفضت الحكومة - بمساندة الأغلبية البرلمانية - إدخال أي تعديل يراعي التوازن بين المالك والمستأجر أو يضمن استقرار الأسر محدودة الدخل التي لن تجد مأوى بديلا بعد انتهاء المدة القانونية.
والأدهى من ذلك أن هذه التعديلات، بصيغتها الحالية، لا يُستبعد أن تواجه طعنا دستوريا جديدا يعيدنا إلى المربع الأول، خاصة فيما يخص المادة الثانية المتعلقة بالإخلاء إذ أن غياب البديل السكني الملزم وإقرار الإخلاء التام بعد مدة محددة دون مراعاة تفاوت الحالات الاجتماعية أو توفير حماية انتقالية كافية، قد يشوب النص بعدم الدستورية لمخالفته مبادئ العدالة الاجتماعية والحق في السكن و تدرج التشريع في آثاره.
لقد كان الأجدر بالحكومة أن تستجيب لمطلب البرلمان – الذي جاء هذه المرة حقيقيا من رئيس المجلس المستشار حنفي جبالى – بتوفير البيانات والإنصات لصوت المعارضين الذين لم يطلبوا إسقاط القانون بل تحسينه بما يحمي الأطراف جميعا، أما أن يُصر الأغلبية على تمرير القانون بهذا الشكل، وبلا أدنى استجابة، فهو أمر لا يثير سوى الدهشة، ويجعلنا نعيد طرح السؤال من جديد:
هل نحن بصدد تعديل القانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، أم بصدد تسوية سياسية لا تعترف بالعدالة الاجتماعية؟
محمد عبد اللطيف داود المحامى