أسامة داود يسأل: لماذا أنفقت وزارة البترول مليارًا ونصف دولار على مستودعات بلا استخدام؟ ( 1 )

أسامة داود يسأل: لماذا أنفقت وزارة البترول مليارًا ونصف دولار على مستودعات بلا استخدام؟ ( 1 )

وسط حالة من الصخب والاحتفالات وشهادات تكريم وموسوعة جينيس منذ 4 سنوات وتحديدًا فى صيف عام 2021، أعلن وزير البترول وقتها المهندس طارق الملا عن تنفيذ 29 مستودعًا لتخزين الزيت الخام ضمن المشروع القومى لزيادة السعة التخزينية للبلاد بمقدار 32 مليون برميل، بتكلفة ضخمة وصلت إلى 19 مليار جنيه- وقت أن كان سعر صرف الجنيه أمام الدولار يساوى 15 - ويقال إن التكلفة الفعلية بلغت 1.5 مليار دولار.

المشروع، الذى وصف حينها بأنه نقلة نوعية فى البنية التحتية لقطاع البترول، حظى باحتفاء واسع عندما دخل أحد هذه المستودعات، الواقع فى رأس بدران بجنوب سيناء، موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر مستودع بسقف عائم فى العالم.

لكن بعد مرور أربع سنوات على تدشينه، يطفو على السطح سؤال محورى: هل تحولت هذه الإنجازات إلى أصول استراتيجية فاعلة أم إلى "استثمارات عاطلة" تستهلك موارد الدولة دون عائد؟


إنجاز هندسى عالمى.. بلا عائد اقتصادى؟

المستودعات العملاقة تتميز بسعة 175 ألف متر مكعب (أكثر من مليون برميل)، وقطر 115 مترًا، ووزن يزيد على 3000 طن. وتتميز المستودعات بأنها صُممت بنظام السقف العائم المزدوج باستخدام أكثر من 240 رافعًا هيدروليكيًا متصلة بنظام تحكم واحد، وهو إنجاز تقني نادر في تاريخ القطاع.

ورغم التكلفة والاحتفاء، تشير المعلومات المتاحة إلى أن هذه المستودعات معظمها لم يدخل الخدمة حتى الآن، ما يثير تساؤلات حول أسباب ذلك.

مستودعات مع إيقاف التنفيذ

المشروع يضم 29 مستودعًا موزعة كالآتي..   12 مستودعًا فى رأس بدران بجنوب سيناء، ، 5 مستودعات فى رأس شقير، 6 مستودعات فى رأس غارب، بالإضافة إلى 6 مستودعات بمنطقة عجرود بالسويس.

هذه المواقع، وفق خبراء، بعيدة عن معامل التكرير الرئيسية والموانئ باستثناء ميناء صغير فى رأس بدران، ما يرفع تكلفة النقل ويقلل الجدوى الاقتصادية إذا تم استخدامها.


 تكاليف بلا عائد

المستودعات، حتى وهى خارج الخدمة، تحتاج إلى صيانة دورية وحماية هيكلية لمنع التآكل والتسرب، وتشمل:

نفقات التشغيل الأساسية: حراسة، تأمين، وتشغيل أنظمة التحكم.

بينما الصيانة الوقائية: تقدر بملايين الجنيهات سنويًا لكل مستودع، ما يعنى أن المشروع، بدلاً من أن يكون استثمارًا مولدًا للعائد، أصبح عبئًا ماليًا!.

السؤال الأكثر إثارة للجدل: هل تم إنشاء المستودعات وفق دراسة جدوى حقيقية؟

هل تضمنت الدراسة خطط استيراد وتكرير تغطى طاقات هذه المستودعات؟ خاصة أن من إنجازات وزير البترول السابق تراجع الإنتاج بصورة لم يسبق لها مثيل.. وبالتالى يفترض أن الهدف من إنشائها تخزين كميات من خلال الاستيراد لتغطية الطاقة التكريرية للمعامل التى تعمل بأقل من نصف طاقتها.


وهل هناك تقييم للعوائد مقارنةً بالتكلفة الاستثمارية التى بلغت 19 مليار جنيه؟ أو مليار ونصف المليار دولار كما يردد البعض.

حتى الآن، لا توجد وثائق معلنة توضح المعايير التى استندت إليها الوزارة فى اختيار المواقع أو حجم المشروع.

أسباب محتملة لعدم التشغيل منها:

نقص البنية التحتية و غياب خطط تشغيل واضحة كما لم تُحدد حتى الآن آليات استيراد الخام بهدف تكريره وتصدير منتجات أو تأجيره للغير أو التداول.

والسبب اختيار مواقع غير مثالية: مواقع بعيدة عن مراكز الاستهلاك وموانئ الاستيراد والتصدير.. بينما يؤكد بعض المتخصصين أنه لم تكن هناك ضرورة لأنشائها؟ 

 تحقيق إقتصادى وفنى

كل الإنجاز الذى تحقق لمصر من مشروع المستودعات العملاقة هو دخول مصر  فى موسوعة جينيس عبر المستودع العملاق فى رأس بدران، لكن هل يتحول الإنجاز الهندسى إلى قيمة اقتصادية مضافة أم يظل معلمًا ضخمًا بلا استخدام؟ وهل وزارة البترول لديها فائض مالى تبدده فى مشروعات لم تستخدم؟ ولما لم يتم توجيه المليار ونصف المليار دولار لسداد فاتورة الشركاء الأجانب أو جزء منها لزيادة الإنتاج؟

والمطلوب الآن ودون تأجيل، فتح تحقيق اقتصادى وفنى لتحديد أسباب إنشاء هذه المستودعات وتوقف التشغيل ووضع أسس لضمان عدم تكرار الأخطاء فى مشروعات مستقبلية.

وأن يُجيب وزير البترول عن الأسئلة التالية التى لن تستطيع مجموعة ما يطلق عليهم كبار الكتاب وهم أساتذة أفاضل توجيهها إليه.. خاصة أن تلك الكوكبة من كبار الكتاب تم اختيارهم بعناية للجلوس إليه، وليس لأى منهم أى علاقة بالصحافة البترولية؟ مما يعطى الفرصة للوزير الخواجة أن يستعرض إنجازات فى عالم افتراضى دون مناقشة أو تعقيب!


هل كانت هناك ضرورة لإنشاء كل هذا العدد من المستودعات ؟

لماذا لم يتم تشغيل المستودعات حتى الآن؟

ما الخطة لاستغلالها اقتصاديًا؟

ومن يتحمل تكلفة هذه الاستثمارات العاطلة؟


حتى تأتى الإجابات، ستظل المستودعات العملاقة فى رأس بدران وغيرها شاهدًا على فجوة مؤلمة بين حجم الإنفاق وحجم العائد، وعلى مشروع دخل موسوعة الأرقام القياسية، لكنه لم يدخل بعد موسوعة الاستفادة الاقتصادية.

وأرجو ألا تلحق تلك الأسئلة بالسؤال السابق والأهم: من وراء البنزين المغشوش هل هناك معمل تكرير مصرى وراء الأزمة؟ أم تم استيراده؟ ولصالح من يتم التستر على تلك الجريمة ومرتكبيها؟ وهل يظل المُتسبب طليقًا دون محاسبة أو مساءلة؟