 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: عمالة المقاول فى البترول ... واجبات بلا حقوق فى زمن السبوبة

كيف انقلب قطاع البترول من نموذج للعدالة إلى "عمالة الوسيلة"؟
مقاول المقاول.. حلقات لنهب العرق
استنزاف يوميات العمال بين وسطاء وضرائب ورسوم لا تنتهي.
حين تتحول الكفاءات إلى تراحيل وضحايا بلا تأمينات ولا تدريب.
سنوات التجريف والتمكين للأتباع
كيف تراجع الإنتاج وتوقفت المشروعات في عهد مراكز القوى؟
تحول العمل في قطاع البترول إلى ما يشبه "عَمالة الوسيلة" في الأزمنة الغابرة، قبل أن تسن القوانين التي تكفل للعامل حقوقًا من أجر عادل وتأمين صحي واجتماعي يضمن له حياة كريمة.
كان قطاع البترول في مقدمة القطاعات التي تتعامل مع العمالة بمنظومة متوازنة من الحقوق والواجبات، ولم تكن تصدر عن تلك العمالة أي شكاوى تُذكر، حتى بدأت لعبة "السبوبة" وتحويل القطاع إلى ما يشبه "التسليع" عبر مراكز القوى التي تشكلت خلال السنوات الممتدة من نهاية 2015 وحتى الان بكل أسف.
بدأ ظهور مقاولين يتم فرضهم على شركات القطاع، أُسندت إليهم مهمة توريد العمالة لكل الشركات. ومع الوقت، أصبح المقاولون مجرد وسطاء يمدون شركات البترول بالعمالة عبر ما يسمى "مقاول المقاول"، أي حلقات من المقاولين يتولون جلب العمالة مقابل انتزاع جزء من أجورهم اليومية وبصورة دائمة طوال سنوات عملهم.
وهكذا تحولت الجنيهات القليلة التي يحصل عليها العامل إلى حصص موزعة بين مقاول وآخر، وبعدها تُخصم الضرائب والرسوم وغيرها من مستحقات شركة البترول التي يعملون بها.
وبأسلوب يخلو من الإنسانية، يتعرض هؤلاء العاملون لكل أنواع الظلم: عمل بلا تأمينات ولا تأمين صحي ولا حقوق، وبعضهم يدفع حياته ثمنًا نتيجة تكليفهم بأعمال عالية المخاطر دون أي تأهيل أو تدريب. ولعل حادث الحريق الذي وقع في إحدى شركات البتروكيماويات بالإسكندرية عام 2017، وكان ضحاياه جميعًا من عمالة المقاول أثناء أعمال صيانة وتسرب غاز الإيثان واشتعال حريق ضخم، أبرز مثال على ذلك.
ولا يخلو ملف حوادث العمالة دائمًا من نصيب عمال المقاول الذين تحولوا إلى عمال تراحيل: واجبات بلا حقوق. تراهم في كل مواقع الشركات، من الحقول إلى كل الإدارات، الهندسية ، المالية، الإدارية، والقانونية وغيرها.. يتحملون أعباء العمل كافة مقابل ملاليم. ولم أبالغ حين وصفت سابقًا في مقالاتي أن الدخل الشهري للمهندس أو المحاسب أو الفني أو المحامي من عمالة المقاول بالشركات أشبه بفتات يُلقى إليهم من فائض الأجور الفلكية لأولاد الذوات من أبناء الطبقات الجديدة التي تمكّنت بفضل مراكز القوى من دخول القطاع معينين مثبتين لهم كل الحقوق.
خلال سنوات وزارة المهندس طارق الملا جرى تجريف القطاع من كفاءاته وتمكين عديمي الخبرة والموهبة من مفاصله، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن: إنتاج يتراجع، واستيراد يتزايدومعامل تكرير تعمل بنصف طاقتها، و مشروعات متوقفة، ومليارات الدولارات استُنزفت في قروض أثقلت كاهل قطاع البترول نتيجة قرارات عشوائية صادرة عن قيادات وصلت لمناصبها عبر لوبي مراكز القوى..
مراكز القوى التى أحالت القطاع الى هيكل فارغ اجوف وادارت ملف العملة على طريقة عمال تراحيل الوسية ليرتزقوا من عرق شباب موهوب متميز كل ازمته انه لا يملك الواسطة والمحسوبية فيظل حبيس كشوف عمالة اليومية.
بينما يهبط ولاد الذوات على القطاع بخطابات وتوجيهات وتوصيات يتم تسكينهم فى المواقع الرفيعة وبدرجات وخبرات سابقة بعضها مصطنع وكلمة السر جوقة مكتب الوزير وعبر خطابات وتعليمات للتعين فورا!.
فهل من منقذ لشباب متميز متفوق تُستنزف سنوات عمره مقابل الفتات في شركات البترول، بينما تجبره منظومة المقاولين على أن يبقى مجرد "سبوبة" لآخرين؟
شبابٌ يكدح عرقًا وجهدًا دون سند في زمن مراكز القوى، ليجسد واقع "مجتمع النصف في المائة"، حيث لا يتجاوز أجره الشهري 5% من أجر العمالة المثبتة الاحدث منهم.