أسامة داود يكتب: شهادة أيزو… على أطلال البارج الغارق والبنزين المغشوش!

أسامة داود يكتب: شهادة أيزو… على أطلال البارج الغارق والبنزين المغشوش!

بينما أرواح الغرقى لم تُنتشل بعد، تحتفل الوزارة بأمان مبناها في العاصمة الإدارية!

سلامة المباني أم سلامة البشر؟

هل حصل البارج على الأيزو قبل أن يتحول إلى مقبرة جماعية؟

 إنجاز ورقي يغطي إخفاقات حقيقية

الأيزو يغسل وجه الوزارة… لكنه لا يمسح دموع الأرامل ولا دماء المفقودين.


 بينما لم تجف دموع الأمهات ولم تهدأ صرخات الأرامل بعد كارثة غرق البارج إدمرين 12، الذي ابتلع ثلاثين من خيرة شباب مصر، ليبقى أربعة في قاع البحر وثلاثة في عداد المفقودين لم تصل إليهم كل الروبوتات والتقنيات البحرية حتى الآن، تطل علينا وزارة البترول بسيمفونية جديدة: أول مبنى حكومي يحصل على شهادة الأيزو في السلامة والصحة المهنية!

يا سلام! الوزارة التي عجزت عن إنقاذ مهندسين وفنيين وعمال، ولم تكتشف أن بارجًا مهترئًا تحول إلى تابوت جماعي، تقيم لنا مهرجانًا احتفاليًا لأن مبناها في العاصمة الإدارية آمن وصديق للبيئة! وكأن أرواح الغرقى خارج نطاق الخدمة، وكأن الكارثة لا تخص أحدًا!

ولم تكن مأساة إدمرين 12 سوى جزء من سلسلة كوارث، تبدأ من بنزين مغشوش أكل محركات سيارات المواطنين بلا رحمة، وخطوط غاز تشتعل فى أجساد وسيارات المواطنين، ودائما المتهم لودر.

وفيما لم نسمع حتى الآن عن محاسبة المتورطين أو إعلان نتائج تحقيقات جادة - ليكون مصير كل الجرائم القيد ضد مجهول حتى ولو كان معلوم للجميع وعلى طريقة دفن الرؤس فى الرمال - تصر الوزارة على عزف لحن الإنجاز الكبير: شهادة أيزو تمنحها لنفسها عبر ذراعها الفني بتروسيف، التي لا تزيد عن كونها الابنة المدللة لهيئة البترول، التي بدورها تزين صورة الوزارة وتمنحها لقب أفضل مبنى يطبق السلامة والصحة المهنية.

ماذا عن سلامة البشر ؟

هل حصل البارج الغارق على شهادة أيزو قبل إبحاره؟

هل خضعت شحنات و مستودعات البنزين المغشوش لمراجعة داخلية أو خارجية؟

الوزارة التي فشلت في أبسط معايير السلامة في مواقع الإنتاج، ترفع شعار «التنمية المستدامة» في العاصمة الإدارية، لتؤكد أن حياة الموظفين وراء المكاتب أولى بالرعاية من حياة المهندسين والعمال في عرض البحر أو في لهيب الصحراء وبين حقول وخطوط الزيت و الغاز!

الأيزو… إنجاز على أنقاض المآسي

ما الذي يعنيه حصول مبنى وزارة البترول على شهادة الأيزو في الوقت الذي يُسجل فيه دفتر الوزارة عدد من الفضائح الكبرى خلال أسابيع قليلة؟
هل الأيزو أصبح بديلًا عن أرواح شباب مصري ابتلعه البحر؟
هل الأيزو يغسل جريمة البارج الغارق أو الغاز المغشوش؟
أم أنه مجرد ورقة للتسويق الإعلامي تغطي بها الوزارة على سلسلة إخفاقات تحولت إلى كوارث وطنية؟

لقد أصبح المشهد مثيرًا للسخرية: وزارة تغرق في الفشل حتى العنق، ثم ترتدي ثوب الأمان وتحاضرنا في السلامة المهنية! أليس ما فعلته الوزارة بمنح نفسها الأيزو يشبه تكريم ربان كان هو الناجى الوحيد من سفينته الغارقة بجائزة الأمان البحري!.

وفي النهاية، نهمس في أذن الوزارة:
قبل أن تحتفلوا بسلامة المباني، احرصوا على سلامة البشر. وقبل أن تزينوا الجدران بشهادات الأيزو، امسحوا دماء من فقدناهم غرقا وحرقا في البحر والبر ووسط انفجارات خطوط الغاز. فالأيزو لا يغطي الاخفاق.