 (1).jpg)
أسامة داود يرصد : دفتر أحوال العذاب والموت بمستشفيات مصر ( 2 )
 (1).jpg )
صلاحية قرارات العلاج على نفقة الدولة تنتهي قبل أن يصل المريض لدوره فى العلاج
دور وزير الصحة انحصر في البحث عن مستأجرين "خواجات" لإدارة المستشفيات
عدد أسِرّة الرعاية والمستشفيات العامة بمصر أصبحت أقل من مطلع الألفية
كل مستشفى يتم تطويره يتحول قسم منه إلى "علاج بأجر" .. خصخصة مقنّعة
كيف يصل سعر أشعة عادية في مستشفى الهرم إلى 260 جنيهًا ؟
سواء كنت مريضًا أو مصابًا في حادث، فأنت في عُرف وزارة الصحة مجرد رقم في قائمة انتظار لا تنتهي. وإن جاء دورك، قد يجيء مبتورًا أو متأخرًا… لماذا؟ لأنك مواطن فقط، بلا "واسطة" أو صك توصية يمنحك مكانا بالمستشفى او سرير رعاية.
إذا صرخت من الألم، أو عبرت عن قهرك وحزنك، فأنت آثم يجب ردعك. فهناك دائمًا فريق "البودي جاردات" جاهز لإخراجك من المستشفى التي لا ترى فيها سوى مكاتب المديرين وميزانيات المخصصات، بينما تغيب التجهيزات والمستلزمات التي يحتاجها المرضى.
هذا هو حال مستشفيات مصر، تئن تحت وطأة الإهمال والتسيب، وتعجز عن توفير أدنى مقومات العلاج.
في نقابة الصحفيين – مثلاً – أصبح اللجوء إلى مجلس الوزراء لحل أزمة أى زميل صحفى مريض طوارئ أمرًا عاديًا.
فالوزارة غائبة، والآهات والصرخات وحدها هي التي تملأ الأجواء.
والأغرب أن دور وزير الصحة بات ينحصر في البحث عن مستأجرين "خواجات" لإدارة المستشفيات، كما جرى مع مستشفى هرمل، التي كانت سندًا للمعهد القومي للأورام وأحد مراكز زرع النخاع.
لنتأمل المفارقة: مصر التي يقترب عدد سكانها اليوم من 120 مليون نسمة تملك أسِرّة رعاية ومستشفيات عامة أقل مما كانت تملكه حين كان تعدادها 80 مليون فقط مطلع الألفية!
كل مستشفى يتم تطويره يتحول قسم منه إلى "علاج بأجر" أي خصخصة مقنّعة.
أما العلاج على نفقة الدولة فهو رحلة عذاب: قرارات تنتهى صلاحية معظمها قبل أن يصل المريض إلى دوره فى تلقى العلاج خاصة الجراحات الكبرى والمفاصل الصناعية لأن مدة سريان القرار ستة أشهر، فتتساقط واحداً تلو الأخرى، وعليك أن تبدأ إجراءات من الصفر في كل مرة، وبين كل دورة وأخرى شهور طويلة.
وفي النهاية، يضطر المريض لدفع ثمن فحوصاته وأشعاته بالأسعار الحرة داخل المستشفيات الحكومية نفسها! تخيل أن أشعة عادية في مستشفى الهرم – التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة – تصل إلى 260 جنيهًا، بينما في مراكز خاصة متقدمة قد لا تتجاوز نصف هذا الرقم!
هكذا يتحول المريض إلى وسيلة لتشغيل الأجهزة وجمع الأموال وانتزاع ما في جيبه، بينما يتمزق أعصابه وقد تتفجر شرايينه من الألم والقهر.
وإذا طلبت إسعافًا، فالانتظار بمقابل: ليس جنيهات قليلة، بل مئات أو آلاف. ذلك لأن الاستجابة مرهونة بـ"التنسيق"، والتنسيق مرهون بالقدرة على الدفع.
ليست هذه مقدمة لفانتازيا، بل واقع نعيشه ونراه كل يوم.
أين وزارة الصحة؟ أين الوزير الذي أقسم أمام رئيس الجمهورية بالله العظيم أن يحترم الدستور والقانون، وأن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة؟
الدستور واضح، وخاصة المادة 18:
"لكل مواطن الحق فى الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة. وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة، ودعمها، والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها العادل. ويُجرَّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة."
ومع ذلك، تركت طوارئ الصحة 137 مريضًا يعاني نزيفًا في المخ خمس ساعات كاملة بعد إصابته فى حادث وتم نقله بواسطة الاهالى لاقرب مستشفى وكان غير متخصص، لتقف تعليمات الوزير حائلا بين المريض الذي يكاد يغادر الحياة وبين نقله بالإسعاف الذي رفض إنقاذ المريض انصياعًا لتعليمات الوزير إلا بعد "التنسيق" الذي لم يأتِ حتى بعد مرور أربعة أيام كاملة!
ليضطر أهل المريض لنقله الى مستشفى خاص فى محاولة لإنقاذ حياته ليتكبدوا عشرات الالاف من الجنيهات يومياً
فمن الذي ارتكب الجُرم؟ الإسعاف؟ الطوارئ؟ أم الوزير نفسه الذي يوجّه التعليمات؟ أليس المتبوع مسئولًا عن أعمال تابعيه؟
وهذا المريض هو واحد من الآلاف غيره يعانون من نفس الإهمال على مدار اليوم فى طول البلاد وعرضها.
يا وزير الصحة، 120 مليون مواطن في عنقك، وستُسأل عنهم أمام الله قبل أن تُسأل أمام الشعب والسلطة. فالدستور يجرّم الامتناع عن العلاج في حالات الخطر. والسؤال هل تبقَى من القسم الذي حلفته أثر في أفعالك؟
فهل نحن أمام وزير أبر بقسمه، أم ما يحدث يُعد مخالف للدستور، وتخلى عن واجبه؟أم ماذا؟
وهل من حق المواطن – الذي لم يجد رعاية ولا علاجًا – أن يلجأ إلى النائب العام لمحاسبتك؟
أم أنك وزير فوق الحساب، لا تُمس حتى ولو أُزهقت أرواح على أبواب مستشفياتك، وظل الإسعاف رهن تعليماتك، والطوارئ في غيبوبة تامة؟