د. مصطفي الفقي يكتب : عبد العليم داود نموذج برلماني ملهم أعتز بصلابته وأحترم مكانته

د. مصطفي الفقي يكتب : عبد العليم داود نموذج برلماني ملهم أعتز بصلابته وأحترم مكانته


اكتشفت من خلال عضويتى للبرلمان المصرى لما يقرب من عشر سنوات أن نجوم المجلس هم أقطاب المعارضة فيه الذين يسبحون ضد التيار فى بحيرة السياسة الداخلية أو الخارجية، فالمؤيدون الذين يمثلون أحزاب الموالاة والداعمين للحكومة والمتفاعلين مع التيار العام لها لا يحوزون النجومية، وأتذكر الأسماء اللامعة من أعضاء المجلس أمثال أبو العز الحريرى وكمال أحمد وهما نائبان عن دائرتين فى الإسكندرية، بالإضافة إلى النموذج الملهم الذى أعتز بصلابته وأحترم مكانته وأعنى به النائب عبدالعليم داود عن إحدى دوائر محافظات الوجه البحرى،


وقد أدركت دائمًا أن المعارضة لذات المعارضة لا تجدى، ولكنها حين ترتبط بشجاعة فى الرأى وجرأة من أجل الحق فإنها تكون مثارًا للإعجاب ومصدرًا للشهرة، واكتشفت كذلك أن الشهرة تختلف عن الشعبية، فهناك نجوم تحوز على شهرة واسعة تحت قبة البرلمان، ولكنها لاتملك رصيدًا كافيًا من الشعبية، والأمر ذاته بالنسبة لمن لا يملك الشعبية الكافية رغم شهرته الواسعة، وأنا أطرح أمثلة البرلمان كنماذج لما يمكن القياس عليه عند دراسة المفهوم المعاصر للنجومية، وقس على ذلك النماذج المتعددة لأصحاب الشهرة الواسعة رغم أنهم يفتقدون للشعبية اللازمة، وحتى أولئك الذين يحوزونها فليس بالضرورة أن يجمعوا بين الاثنتين معًا.


وبين الشعبية والشهرة عنصر ثالث نعرفه بتعبير «الكاريزما» فأصحابها هم الذين يتاح لهم أن يمتلكوا ناصية الميزتين معًا، بحيث تصبح حياتهم لامعة ساطعة تحت الأضواء شديدة التألق على الدوام فى سماء الوسط الذين يعيشون فيه أو ينطلقون منه.


أما النجومية العامة فهى تختلف مابين زمان ومكان، فلقد لاحظت مثلاً أن البرنامج الرائع الذى قدمه التليفزيون مؤخرًا وهو برنامج «دولة التلاوة».


قد أصبح نجمًا جديدًا فى الأوساط الثقافية والدينية على السواء، وحاز على إعجاب لافت لدى الكثيرين ربما لأنه جاء تلبية لاحتياجات نفسية وروحية فهو يمزق الصمت فى زحام البرامج التى لاتبدو مؤثرة ولا جاذبة لأعين المشاهدين وآذان المستمعين، وبين لاعبى كرة القدم أيضًا تبقى نجومية الكابتن صالح سليم راسخة، لأن الله أعطاه إلى جانب الشهرة والشعبية الميزة الأخرى الأكبر وهى الكاريزما الشخصية التى أتاحت له أن يكون قادرًا على أن يحتل مكانة لاتنتهى ولا تضيع.


ولماذا نذهب بعيدًا فالفنان المتألق الذى يقف على قمة الساحة فى العقود الأخيرة وهو ذلك الفنان الذى يمثل شخصية المجتمع ويعبر عن أوجاعه وآلامه، وأعنى به الفنان عادل إمام فإن خبرتى الشخصية فى التعامل معه تشير إلى تفرده الدائم ومسيرته الطويلةحتى استحق فى النهاية لقب الزعيم، وهو اسم آخر مسرحياته التى لاتغيب عن الأذهان، وقد كانت كبرياء ذلك الفنان جزءًا من تميزه الواضح وقيمته الكبيرة.


ومادمنا نسبح فى عالم الكوميديا فإن محمد صبحى هو الآخر صاحب مدرسة متفردة فيها عمق ثقافى ورؤية بعيدة، وهكذا نجد على الدوام أن النجومية تختلف من عصر إلى عصر ومن رمز إلى آخر، ولكنها فى كل الأحوال تعنى أن هناك من شق صفوف الجماهير وخرج من بينها مؤثرًا فى حياة المجتمع وأفكاره، خصوصًا إذا كان مهتمًا بمعالجة المشكلات القائمة ويتصدى للأفكار البالية، ويسعى إلى تغييرها بكل ما أوتى من تمرس وخبرة ودراية، ولايقف الأمر بالطبع عند البرلمان أو نجوم كرة القدم والفن، وإنما يتجاوز ذلك إلى مجالات أخرى،


فأنا شخصيًا أحب الاستماع إلى التلاوة الكريمة بأصوات متميزة من أمثال الشيوخ الأجلاء مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد وأبوالعينين شعيشع وعبدالعظيم زاهر وغيرهم من أقطاب القراء الذين جعلوا من مصر بحق «دولة التلاوة» فهم فى مجموعهم وبغير استثناء كوكبة مضيئة تشرق على القلوب وتغسل النفوس وتطهر الأفئدة، بل إننى أعرف بعض الأصدقاء من الأقباط الذين يسعدهم الاستماع إلى آيات القرآن الكريم من سورة مريم، وأعرف كذلك بعض الأصدقاء المسلمين الذين تطربهم ترانيم الكنيسة فى مناسبات مختلفة.


وهكذا نجد أن النجومية ليس لها سقف، وليس عليها حاجز، وليس لها حدود، ولكن تبقى المعارضة السياسية تاريخيًا هى رمز من رموز النجومية الباقية والمكانة العالية والقيمة الكبيرة التى تمنحها لأصحابها على مر الزمان.


المقال منقول بتصرف من العدد الورقي لصحيفة الأهرام يوم الثلاثاء 18 من جمادي الآخرة 1447 هــ 9 ديسمبر 2025