من حرب الأفيون 1838، وحتى أزمة كورونا 2020؟

بقلم: د. محمود محمد المصري

كاتب وخبير اقتصادي وامن الطاقة

ان تطلع رجال الدول السياسيين والتجاريين، مثل تطلع الافراد لمستقبلهم ومصالحهم الشخصية، والعامل الرئيسي الذى يحدد طموح الدول، هو تملكها الثروة وعقيدة التكنولوجيا والقوة العسكرية، فالعوامل الثلاث حافزاً لرجال السياسة ورجال المال حول العالم، للتطلع نحو السيطرة المطلقة، والحفاظ على تقدمهم الذى أحرزوه في جميع الانشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والتكنولوجية. وفى طريق أكثر ملائمة لما نحن علية من أزمة كورونا في عام 2020، سوف نستدل بحادثة تاريخية بين دولتين احداهما كانت عظمى (بريطانيا) والاخرى اليوم تعلمت من هذا الدرس التاريخي (الصين).

 في نهاية القرن الثامن عشر، طلب الملك جورج الثالث من إمبراطور الصين "شيان لونج" فتح الصين أبوابها لتجارة بريطانيا كسوق تجاري لها، ومن ثم التوسع في آسيا، وتعميق العلاقات التجارية بين الدولتين. وقد رفض العرض من الامبراطور الصيني. مما ترتب على صعوبة تصدير الصين الا القليل من السلع المنتجة الى الصين. ومما تسبب في خسائر باهظة للتجار البريطانيين وخاصة دفع قيم مشترياتهم بالفضة. ولهذا لجأت بريطانيا للسيطرة على نفوذها في آسيا ولحماية تجارتها من الخسائر، ولتجنب الصدام العسكري في بادئ المعركة، قامت بريطانيا باللجوء الى أساليب الحروب الهجينة (وهى تلك الحروب التي تقع بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية والحرب السيبرانية)، وذلك من خلال تدمير الصين دون إطلاق طلقة واحدة بل والسيطرة على السوق وانتهاءً بتأجير هونغ كونغ قرابة الـ 99 عاماً.

الشعب الصيني يدمن الأفيون

لذا، كان لشركة الهند الشرقية، أذرع الأخطبوط الفولاذية التي لا ينفك عن الضحية الا ادته قتيلاً. حيث قامت الشركة بزرع الافيون في المناطق الوسطي والشمالية من الهند، وتصديره الي الصين كوسيلة لدفع قيمة واردتها للصين. فقد تم تصدير شحنة كبيرة محملة بالأفيون الى الصين عام 1781، حيث بدأ الشعب الصيني في تعاطي الأفيون بكميات كبيرة، وتفاقم الامر الي أن أدمن الشعب الصيني الأفيون بشكل ملحوظ، وتعطلت جميع أنشطة الحياة مما جعل الإمبراطور "يونج تشينج"، بتحريم استيراد الأفيون. وفى هذه الازمة استقطبت بريطانيا دفع قيم هذه التجارة التي لآقت رواجاً في الصين وبتعويض خسائر التجار البريطانيين، بالفضة، وحيث كان يتم تهريب أكثر من 600 كيلوجرام من الأفيون، بتكلفة 16 مليون دولار.

لقد أجبر الامبراطور التجار المتعاملين في تجارة الأفيون، بعد أن دمر صحة الشعب الصيني تماماً تعاطيهم مخدر الأفيون. ولم تجد بريطانيا بديلا سوى إعلان الحرب على الامبراطورية الصينية من عام 1839 الى عام 1842، حيث اقترب الاسطول البريطاني من البوابة البحرية لبكين، وانتصرت بريطانيا كقوة عسكرية عظمى، مما دفع الصين الى توقيع اتفاقية " نانكينغ " 1842.

صورة تقريبية عن حرب الافيون الثانية

وقد اندلعت حرب الأفيون الثانية بين عامي 1856 وحتى 1860، حيث لم تحقق معاهدة " نانكينغ " ما كانت ترنوا اليه بريطانيا والقوي الغربية، في فتح أسواق تجارية وتصريف منتجاتها، نظرا لتصدى الامبراطور لسياسة فرض الأفيون وتجريم تجارته بل وتعقبه في كل أرجاء البلاد. وفي عام 1856 سيطر الصينيين بأوامر الامبراطور على السفينة البريطانية "أرو" في "ميناء كانتون"، وقد اعتبره البريطانيين إهانة. وترتب على ذلك، قصف سفينة حربية بريطانية "ميناء كانتون"، حيث ووقعت اشتباكات عنيفة بين القوات البريطانية والصينية.

وقد تأخرت الصين على توقيع اتفاقية "تيان جن" لأنهاء حالة الصراع والتوتر الدائر بين البلدين،  مما جعل بريطانيا وفرنسا يستخدما القوة  فقد استطاعت قواتهما دخول "تيان جن" في عام1860 ثم تقدمت نحو بكين وتم احتلالها. وتوجهوا إلي القصر الصيفي للإمبراطور الذي يبعد بضعة أميال عن بكين وكان هذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوي علي آثار تاريخية هامة وقام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام، وأضرموا فيه النار بعد ذلك. وخلفت الحربين ارتفاعاً كبيراً في عدد المدمنين في الصين، إذ بلغ مليوني مدمن في عام 1850م، ليصل إلى 120 مليوناً سنة 1878م.

هونج كونج في أزهى عصورها

وعن كتاب أيديولوجيا تخطيط المدن الذكية في القرن الحادي والعشرين، "فإن المكاسب التي حصلت بريطانيا العظمى عليها في هذه الحرب، احتلال مؤجر لجزيرة هونج كونج من الصين في عام 1842، عندما تم توقيع معاهدة "نانكينغ" في نهاية حرب الأفيون الأولى (1839-1842). وبسبب عدم رضاهم عن السيطرة غير الكاملة على الميناء، أجبر البريطانيون الصين التخلي عن شبه جزيرة كولون جنوب بعد أقل من 20 عامًا، بعد حرب الأفيون الثانية (1856-1960). وبموجب اتفاقية عام 1898، تم استئجار الأراضي الجديدة مع 235 جزيرة إلى بريطانيا لمدة 99 عامًا. وفي 1 يوليو 1997، عادت مستعمرة تاج هونج كونج رسميًا إلى السيادة الصينية، منهية بذلك 156 عامًا من الحكم البريطاني. بعد مراسم التسليم الرسمية في 1 يوليو، أصبحت المستعمرة منطقة هونج كونج الإدارية الخاصة لجمهورية الصين الشعبية. وقد توج الاحتفال بمرحلة انتقالية مدتها 13 عامًا بدأها الإعلان الصيني البريطاني المشترك حول مسألة هونغ كونغ، الذي وقعه رئيسا الحكومتين في ديسمبر 1984.

والنتاج العظيم الذى ولدته بريطانيا منذ ان استأجرت هونج كونج حتى الآن من الصين، هو نتاج اقتصادي رائع وتقدم المستعمرة هونج كونج في المجالات التقنية وكذلك والتصنيع، ولكن أبت الصين أن تكون هونج كونج غير ذات سيادة والالتزام بالمعاهدات فيما بينهما، جعلت هذه السياسة هونج كونج جزءًا من الصين، ولكنها سمحت لها بالحفاظ على العديد من الحريات التي حرمت المواطنين في البر الصيني الرئيسي، ورجوع هونج كونج الى الصين عام 1997."

وخلاصة القول، في خضم الازمات الحالية هناك الرابحون وهناك الخاسرون، ولكن الرابحون من يمتلكون القوة العقلية والتخطيط الذكي، من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنه، وعلى شعوبنا العربية وقيادتها، ما يمكن أن نستفيده من الأزمات العالمية، وخاصة في تلك الحروب الهجينة التي نعيشها اليوم، وأزمة كورونا العالمية خير دليل على ذلك، فردود أفعال الدول الكبرى إزاء بعضها البعض، لبسط السيطرة والنفوذ، من خلال تغيير عالمي يسعى لقيادة اقتصادية وتكنولوجية ومن ثم سياسية وعسكرية.