الاقتصاد الإبداعي: التحدي الأمثل لمستقبل الاقتصاد العالمي

لم يعد الاقتصاد قائماً على مجرد بيع السلع والخدمات، بشكل تقليدي من خلال أسواق تقليدية قائمة في أماكن محددة تعرض منتجاتها بشكل تقليدي في صفوف متوازية تحوى تلك الصفوف صنوف المنتجات الصناعية والزراعية والتي يكون المستهلك على استعداد لشرائها وبالقيم التي تحددها تلك الاسواق، ولكن في عصر الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي فقد تغيرت اساليب تقديم المنتج من مجرد مباني ومولات كبيرة مثل التي تتواجد في الوطن العربي كفروع "كارفور" في مصر والوطن العربي، فتقديم الخدمة يعتمد على زيارة المستهلك "للماركت أو السوبر ماركت أو الهايبر ماركت"، في زيارة أسبوعية او شهرية مع تواجد أماكن لتنزه الأسرة، كالملاهي الصغيرة للأطفال ودور للسينما والمسارح والمطاعم والكافيات. إلا ان سلوك المستهلك بات متغيراً منذ أن أصبحت الدولة تأخذ بالعقيدة التكنولوجية منحى آخر لمواجهة  السلوك الشرائي التقليدي، والتي قد تقلل من زمن ولوج المنتج إلى المستهلك، وتخفيض سعر المنتج والحصول على اقصى جودة ممكنه. فمن الصعب الحصول على تلك التسهيلات السلعية من خلال أسواق تعتمد بشكل مباشر على القروض من البنوك لإنشائها أو من خلال دفع أموالاً طائلة لشراء أراضي، ولإنشاء منشأة كبيرة وتعيين الألاف العمال والموظفين أو تحمل التكاليف الثابتة المرهقة، من مرتبات وإنارة وصيانة وغيرها، ومن ثم فإن تكلفة المنتج على العميل قد تكون باهظة لكل تلك الاسباب مجتمعة. علاوة على، مصاريف الانتقال التي يتحملها العميل. ولهذا السبب نجد ان تكنولوجيا الاسواق باتت تتغير معالمها بشكل كبير وخاصة في الاسواق الناشئة لتوصيل المنتجات للمستهلك في صورة جديدة وقت وسعر أقل بكثير من تلك التي في الاسواق التقليدية. إذن ما هو الاقتصاد الابداعي؟ شاع استخدام مفهوم الاقتصاد الابداعي منذ عام 2001، على يد الكاتب البريطاني "جون هوكينز"، وقد قام هوكينز بتطبيق الاقتصاد الابداعي على ما يقرب من 15 صناعة من الفنون الى العلوم والتكنولوجيا. ولقد حقق الاقتصاد الابتكاري ما يعادل 3.5 تريليون دولار أمريكي في جميع أنحاء العالم في العام 2019، ومتوقع زيادة تصل الى 4.2 تريليون دولار في عام 2020، الى أن يصل حجم الاقتصاد الابتكاري الى 6.5 تريليون دولار في عام 2023. لا يشمل مفهوم الاقتصاد الابداعي فقط على السلع والخدمات الثقافية، بل يشمل المجال الكامل للبحث والتطوير. لذلك، مع الاعتراف بالأنشطة والعمليات الثقافية باعتبارها جوهر الاقتصاد الجديد، فإنها تهتم أيضًا بمظاهر الإبداع في المجالات التي لا يمكن فهمها على أنها "ثقافية".

حجم ونمو الاقتصاد الإبداعي

(الولايات المتحدة وانجلترا)

يتغير العالم ويحتاج الى العديد من الاشخاص ذوات العقول الابداعية من أجل حل المعضلات الحياتية وفي كل الوظائف الابداعية وظائف مثل التصوير الفوتوغرافي وتصميم الجرافيك وتصميم الأزياء وصناعة الأفلام والهندسة المعمارية والنشر وألعاب الفيديو والمزيد، كذلك على الافراد التكيف والتواصل في أماكن العمل والبيئات الرقمية. لذا فالإبداع يخلق فرص عمل ويدفع النمو الاقتصادي نحو الازدهار. ويبدو واضحاً أهمية الانترنت للعمل في الصناعات الابداعية، اذ يسهم قطاع الإنترنت بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وحوالى 4 في المائة من الوظائف (العمالة غير الزراعية)، وأن قطاع الإنترنت ساهم في توفير وتدعيم حوالى 13.4 مليون وظيفة غير مباشرة، وأن القطاع استثمر أكثر من 60 مليار دولار في الاقتصاد. وحددت شركات الفنون الأمريكية، بما في ذلك المنظمات غير الربحية أن هناك 3 مليون شخص يعملون في الاقتصاد الإبداعي. علاوة على أن هناك أكثر من 40 مليون عامل في الطبقة الإبداعية، أي ما يعادل تقريبًا ثلث القوى العاملة في الولايات المتحدة يعملون في الشركات الابداعية. تحتل الصناعات الإبداعية في المملكة المتحدة، موقع الصدارة في تجارة الخدمات الرقمية، حيث قدر مركز الاقتصاد وبحوث الأعمال(Cerb)، صادرات الصناعات الإبداعية، والتي تقدر بحوالي 15 مليار جنيه استرليني في الخدمات الرقمية، أي ما يقرب من ثلثي إجمالي صادرات الخدمات الإبداعية. مما يعني أن العصر الرقمي أتاح فرصاً جديدة للصناعات الإبداعية بهدف الوصول إلى المستهلكين حول العالم، من خلال منصات مثل: أمازون وجوجل ويوتيوب وفيس بوك. حيث تقود الشركات الإبداعية ورواد الأعمال في العالم الطريق نحو الابتكار الرقمي واستخدام التقنيات الجديدة، من الواقع الافتراضي والمعزز إلى البيانات الضخمة والحوسبة الرقمية. وختاماً، تصنع الشركات في الاقتصاد الإبداعي الأسواق من خلال تغيير ثقافة المستهلكين الشرائية والاستهلاكية وأخلاقيات التجارة الرقمية. كما يدعم الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي البنية التحتية التي يعتمد عليها العديد من المبدعين والفنانين، لخلق بيئة أكثر إبداعاً وابتكاراً ودمج هؤلاء المبدعين بالفضاء الرقمي والتكيف مع المجتمعات الحديثة، ومساعدة الشركات على نشر ووعي الثقافة الاستهلاكية الرقمية، لتعزيز القيم البيعية والاستهلاكية لدي المستهلك العالمي. والدور الرائد الذى ستلعبه الدول النامية، ينبغي أن يصب في أبنائها وعقولهم، فلن تنهض اقتصادات الدول النامية إلا بسرعة الأخذ بفكرة توجيه المجتمعات نحو استيعاب مفهوم الاقتصاد الابداعي سعياً إلى بناء مجتمع مُزدهر واقتصاد مرغوب فيه. ولا تكشف "عدسة الإبداع" قوة عقلية إبداعية في جميع الصناعات فحسب، بل تعمل أيضاً على التركيز على الإمكانات الاستثمارية للأماكن الإبداعية والصناعات الإبداعية والأفراد المبدعين. د. محمود محمد المصري كاتب وخبير اقتصادي وامن الطاقة مؤلف كتاب العقيدة التكنولوجية