
ناصر أبوطاحون يكتب: هل يستحق الوطن أن تموت لأجله ؟

منذ فترة تربو على الشهر تراودني فكرة كتابة مقال أو أكثر عن الوطن فى مرحلة التحولات التى كشفت عنها جائحة كورونا التى تضرب العالم ، و لكن لم تسنح لى الفرصة في ظل تلاحق الاحداث، حتى عثرت على مقال قديم كتبته منذ سنوات ، مر عليه اكثر من ست سنوات، و وجدت أنه قد يكون صالحا لإعادة نشره من جديد ............. موش أحسن ما نبقى زى سوريا وليبيا ؟؟ أه طبعاً أحسن وأحسن جداً كمان يسخر بعضنا من هذا السؤال ويجعله البعض دستوراً لنقاشاته ورأيى أن تطلع على هذه القصة لتعرف معنى الوطن من خلال تجارب غيرك قبل ان تجرب بنفسك قسوة الغربة وذل فقدان الوطن.. ......................................... قابلته فى مكتب أحد كبار المسئولين فى قلب العاصمة المصرية القاهرة كان رجلاً يقترب من السبعين من عمره ورغم ذلك كانت حالته الصحية لا تشى بحقيقة عمره ويبدو من ملبسه وهندامه انه ممن ينطبق عليهم وصف "عزيز قوم" جارت عليه الأيام جلس ينتظر لقاء المسئول مدفوعاً بما يسمعه عن هذا المسئول من انتماء قومى عروبى وزمالة مهنة وغيرها من الأوصاف التى كثيرا ما تبناها هو أو سمع عنها وقرأ فيها وتمترس خلفها كنت أنتظر دورى للقاء هذا المسئول وكان المكتب يزدحم بالكثيريين ممن ينشدون لقاء المسئول ولما طال الانتظار حاول مدير المكتب تقليص الأعداد الموجودة بالتدخل بنفسه للإجابة على تسؤلاتهم وحل مشكلاتهم.. فبدأ مدير المكتب بالضيف العربى وسأله عن مشكلته ليساعده فى حلها فاجابه : "انا أريد أن أقابل الأستاذ فلان "المسئول" لأمر شخصى " فقال له إحكى لى الموضوع قد أحله لك فأجابه : انا جئت وأسرتى من سوريا هرباً من الحرب بعد أن احتلت الجماعات المسلحة مدينتنا وسيطرت على منازلنا ففرننا بأنفسنا وما استطعنا تأمينه من اموال إلى القاهرة ، ولقد أوشكت الفلوس ان تنفد ، وأنا رجل كنت اعمل فى مهنة "كذا" ولدى خبرات كبيرة جداً وأريد فرصة عمل فى احد المكاتب الخاصة ،لكى استطيع ان اعول اسرتى وشرح له كيف سيؤدى عمله من الباطن لصالح المكتب - المهم تململ مدير المكتب وهو يستمع ..حيث ان فرصة عمل فى مصر لمصرى من الأمور الصعبة جدا فما بالك بغير مصرى يقترب من السبعين.. كنت استمع وانا اشعر بحالة من المرارة والعجز والقهر وكلها مشاعر تصيبك عندما ترى امراً وأنت فى حالة لا تمكنك على أى نحو من تقديم شىء لهذا الشقيق العربى الذى فقد وطنه ومنزله وعمله وكل شىء ولم يعد يمتلك شىء يبيعه ليعيش .. تسمرت فى مكانى والعرق يتصبب من وجهى و انا اتصور نفسى مكانه -لاقدر الله- بينما مدير المكتب يعده بنقل طلبه للمسئول الذى يزدحم جدوله اليوم ولن يستطيع لقاءه وعليه ان يترك تيلفونه ليتصل به وخرج الرجل العربى يجر أذيال الخيبة وأنا لا أقوى على مغادرة مقعدى من المشهد الصادم الذى رأيته وعشت تفاصيله انتهى بالنسبة لى المشهد الذى رأيت منه قصة الرجل العربى الشقيق ، ولكن بالقطع لم تنتهى مأساته، لأنى على يقين أن المسئول الذى كنا فى مكتبه لن يمد له يداً - وهو يستطيع- فهو ممن يأخذ فقط ولا يعطى فأنا اعرفه جيدا وأظنك بعد ان تقرأ هذه القصة سيتحرك داخلك تفكير فى معنى الوطن وكيفية تحديد الأولويات فى اللحظات الفارقة فى التاريخ وستصل إلى الحقيقة الرئيسية التى ستجيبك عن تساؤلاتك والمتعلقة بالسؤال لماذا يموت الناس دفاعاً عن أوطانهم؟؟ والإجابة -قولاً واحداً - حتى لا يضطروا لبيع نساءهم فى سوق النخاسة فى أى ملجأ من الملاجىء حول العالم وقد خرجت من هذه القصة بحقيقة واحدة ان تشبث الانسان بوطنه حتى لو مات فيه أفضل بألاف المرات من الفرار ليعيش عيشة الذل وفقدان الكرامة والانسانية فى المنافى والملاجىء.. ............................................ ملحوظة القصة حقيقة وقد امسكت عن الكشف عن اسم المسئول وكذا عن مهنته ، ليس تكريما له، ولكن حتى لا تتفاقم الخسائر على جميع الاصعدة ويكفر الناس بكل قيمة