كوكب محسن تكتب: الولايات المتحدة ولعبة العدو المفترض .. الصين بديلا

  لا تمل الولايات المتحدة من لعب دور الضحية والجلاد في آن واحد ، بالأمس كان تفجير برجي مركز التجارة العالمي ، واليوم أزمة كورونا ، الأولى راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف قتيل ، بينما لا يزال العداد على أشده في الثانية دون توقف ولا رؤية محددة لحجم الضحايا ، التي تجاوزت باقي دول العالم التي ترضخ تحت نفس الظروف الصحية والسبب لا يزال مجهولا . في المرة الأولى دفع مئات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء حياتهم ثمنا في الشرق بتهمة العدو المفترض ألا وهو الاٍرهاب (الإسلامي)، واليوم يلوح الرئيس الأمريكي بذات السياسة العقابية ولكن الخصم مختلف . الصين التي تقف بالمرصاد منذ سنوات بغريماتها الاقتصادية والسياسية في الغرب ، والتي نجحت في اجتياح اقتصادها واسواقها الداخلية لعقود ، تقف الان في قفص الإتهام في انتظار نفس مصير خصوم الولايات المتحدة السابقين بعد اتهامها بتصدير فيروس كورونا القاتل . لكن الدروس السابقة تهدد أمريكا بمزيد من التأزم في حال استمرت في انتهاج نفس السياسة للخروج من ازماتها والتغطية على خسائرها الداخلية والخارجية . الوضع قبل الإعلان عن أزمة كورونا مباشرة : مكتب التحقيقات الفيدرا يقول أن الإغلاق الحكومي كلّف اقتصاد الولايات المتحدة أكثر من ١١ مليار دولار ، وخفض نمو الوظائف بما يصل إلى ٥٠٠ ألف وظيفة حتى يناير ٢٠٢٠، أضف إلى ذلك وقف المرتبات لنحو ٨٠٠ ألف موظف بالحكومة الاتحادية خلال فترة الاغلاق الجزئي بسبب اصرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب على تمويل الكونجرس لجدار حدودي مع المكسيك بتكلفة ٥.٧ مليار دولار ، أي أن الخلاف على الميزانية كلّف الدولة ضعف تكلفة بناء الجدار بسبب رفض الكونجرس للدخول في عبء آخر يضيف إلى كاهل الدولة المثقل بالفعل من دخولها في مغامرات في الشرق الأوسط وآسيا٠ هكذا وقبل أن تظهر أزمة كورونا كان الاقتصاد الامريكي قد تقلص بنسبة ٣٠٪؜ ، وقفز معدل البطالة إلى ما يقارب ال ١٣٪؜ من الوظائف ، ما اثار حفيظة الدوائر السياسية والاقتصادية في الدولة ، ناهيك عن قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة بالبلاد ، التي تكبدت خسائر فادحة من سياسات الرئيس المتعنتة ، والجدل العقيم مع الكونجرس وسياسات المواجهة الطاحنة التي مارسها الكونجرس عليه في المقابل . نظرة متفحصة للوضع الامريكي عسكريا واقتصاديا بالخارج تكشف تورط الاقتصاد الأمريكي في حرب عصابات في الجبال زادت عن ١٧ عاما في تورابورا بأفغانستان ، كانت تكلفتها المادية قرابة التريليون و٧٠ مليار دولار بسبب هجماتها على معاقل طالبان ، ناهيك عن خسائرها البشرية التي وصلت إلى ٢٤٠٠ جندي أمريكي وإصابة عشرات آلاف الجنود الأمريكان بالجروح والتشوهات والإعاقات الدائمة . الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت حرب لا هوادة فيها مع الافغان ب١٤٠ ألف جندي أمريكي مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات وصل بها الحال إلى تخفيض عدد جنودها إلى ١٤ ألف فقط مؤخرا والإعلان عن سحبهم بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة بالداخل والتي تضيف إليها مغامرات الخارج المزيد من السوداوية . القصة من الطرف الآخر توضح مدى الأزمة الحقيقية التي تراوح مكانها وتقف أمام الضمير السياسي الأمريكي وتثير غضب المواطن الامريكي بشكل عام ، حيث أعلنت (طالبان ) عن عدد هجماتها ضد القوات الأمريكية والتي بلغت عشرة آلاف وستمائة وثمانية وثلاثون هجمة من بينها عشرات الهجمات الانتحارية . تلك الصورة القاتمة في الخارج للوجود الأمريكي وصراعه الوهمي مع العدو المفترض (الإسلام) كان من الضروري التخلص منه وملء فراغه بعدو جديد يستفد منه اقتصاديا ويحقق مكاسب سياسية تحفظ ماء وجهه أمام العالم ، وتنعش اقتصاده المهترئ داخليا . العراق وحدها كلفت الولايات المتحدة الأمريكية مئات الآلاف من المصابين ( حسب الارقام الرسمية الصادرة عن جمعية المحاربين الأمريكية و( 250 ) مليار دولار ، من اجمالي ( 160) الف جندي وضابط امريكي و ( 300 ) الف مرتزق. الرئيس ترامب الذي اعتبر احتلال العراق أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة بعد أن خسرت أمريكا ما يزيد عن 600 ألف قطعة حربية ما بين دبابة وعربة قتال ومدرعة وهمفي ومروحية، وما يزيد عن مليون عسكري بين قتيل وجريح ومعاق ومصاب بالأمراض النفسية وأمراض الدماغ. هو نفسه الذي يلوح بنفس الخيار الاستراتيجي للخروج من أزمته في الداخل والخارج ، ولكنه اختار في هذه المرة (الصين) عدوا بدلا من ( الإسلام ) ، ولنعتبر الامر أن (كلنا في الهم شرق ) تذكرة بسيطة توضح مدى أهمية طرح هذا العدو الان ، فما تم انفاقه على عمليات الاستبدال والإصلاح للمعدات الهالكة في العراق فقط يبلغ 236.4 مليار دولار، فإذا كانت تكلفة 20% من المعدات تساوي 30 مليار فإن هذا يعني ان الجيش الامريكي جدد معداته التي خسرها في العراق وفي أفغانستان ست مرات تقريبا، أي استنفد ترسانته العسكرية بنسبة 120% تقريبا. كما بلغ التمويل الإضافي الذي طلبته وزارة الدفاع لنقل المعدات المعطوبة من الميدان إلي الولايات المتحدة حوالي 151 مليار دولار. هل تشهد الفترة القادمة تصعيدا ضد الصين على غرار ما حدث في سيناريو أفغانستان والعراق بسبب ضلوعها في نشر عدوى الوباء العالمي كوفيد ١٩ ، الإجابة لن يطول انتظارها على أرض الواقع حسب تاريخ الولايات المتحدة وسياسات رؤسائها الواحد تلو الآخر ، ولا سيما دونالد ترامب صاحب الخلفية التجارية والصناعية التي تفضل جني المكاسب دون انفاق دولار واحد والاعتماد على سياسة الحشد الدولي ولعب دور الضحية للقفز الى الدور التالي في السيناريو الا وهو الجلاد كما ذكرنا في مقدمة الحديث .. وللحديث بقية .