
الدكتور عاطف مرسى يكتب: التعايش مع الفيروس

يبدو ان جميع دول وحكومات العالم قررت اعتبار فيروس كورونا أمرا واقعا يجب أن نتعامل معه بحرص دون مبالغه في الإجراءات الاحترازية التى تؤدى إلى إنهيار الاقتصادات وتوقف حركة التنقل داخل وخارج البلاد ونجح الاقتصاديون ورجال المال والأعمال فى فرض أجندتهم التى تقول إن الموتى من الجوع سيفوقون كثيرا موتى كورونا إذا استمر هذا الوضع من الحظر والتباعد وتوقف حركة الطيران والملاحه ومن ثم التجاره. وتراجع صوت العقل والطب الوقائي الذى مافتئ يحذر من إنتشار الوباء بطريقه مفجعه وعودة الفيروس بطريقه أكثر شراسه إذا سمح بعودة الحياه الطبيعيه خاصة أنه لم يتم حتى الآن اكتشاف لقاح للوقايه من الفيروس أو علاج معتمد لتخفيف آثار المرض. وبدا كذلك أن هناك اتفاق غير مكتوب بين زعماء العالم بعودة الحياه الطبيعيه إبتداء من منتصف شهر مايو دون النظر للتطور الوبائي للفيروس ولا إلى نسب الوفاه أو الشفاء منه وظهر ذلك جليا في البرامج الاعلاميه والنشرات الإخبارية التى بدأت تقدم أخبار الإقتصاد وانهيار التجاره والسياحه على أخبار الطب وانتشار الوباء وبدأت الرسائل الإعلاميه لاقناع الشعوب بان نتعايش مع الضيف الثقيل(بس ناخد بالنا شويه وحياتنا مش هتقف ) اعتقد أن جزء من هذا التوجه ياتى بسبب انكشاف كل هذه الدول أمام ضعف المخصصات للصحه ونقص الميزانيات فى مواجهة وباء كورونا وكذلك النقص الرهيب فى إعداد الأطباء والتمريض ومقدمى الخدمه الصحيه عموما..وإبعاد مفهوم مايسمى الأمن الصحى فى مقابل الأمن الأقتصادى او الأمن العسكرى. كذلك أدت المبالغه الإعلاميه عند استقبال الفيروس إلى التعامل مع الوباء برعونه شديده وتخويف زائد واتخاذ بعض الإجراءات الوقائية التى لم يكن هناك لزوم لها فى رأي قطاع من خبراء الأوبئة والتى أدت بدورها إلى استنفاذ قدرات ماليه وبشريه كبيره لم تعد الأنظمة الصحيه فى جميع الدول قادره على الإستمرار فى تقديمها بنفس الكفاءه إذا استمرت طريقة التعامل مع الفيروس كما بدأ ولذا لجأت كثير من الحكومات إلى تقليل أعداد الفحوصات الطبيه والمسحات الوبائيه وكذلك إلى عزل المرضى الإيجابيين ذوى الأعراض الخفيفه فى أماكن خارج المستشفيات مثل الفنادق أو المدن الجامعيه وبيوت الشباب وربما عزلهم ذاتيا في منازلهم.. وفى مصر بدأت الدوله منذ أول مارس فى اتجاذ إجراءات احترازيه كبيره لمنع التجمعات وتقليل الكثافات البشريه في كل الجهات الحكوميه والخاصه وأوفقت المدارس والجامعات وفرضت حظر تجوال ليلى ، وقامت بحملات توعيه على المستوى القومى والمحلى لزيادة الوعى لدى الشعب وتعريفه بأخطار الإصابه وكيفية الوقايه من العدوى الفيروسية ثم بدأ التخفيف تدريجيا من هذه الإجراءات والسماح بعودة بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية وكذلك بعض الإدارات الحكومية وتقليل ساعات الحظر مع دخول شهر رمضان وذلك تحت دعوى تشغيل عجلة الإنتاج وضمان دخول العمال والموظفين البسطاء ويبدو أن الحكومه المصريه تمشى فى الركب العالمى للتخفيف من الحظر والتعامل مع الفيروس كأمر واقع تحت ضغط الظروف الإقتصاديه والاجتماعيه مع أخذ بعض الاحتياطات الواجبه لتقليل نسب الاصابه والتعويل بنسبه كبيره على وعى الشعب المصرى الذى أعتقد أنه رهان غير صائب حيث ثقافة الجهل والتواكل وربنا هيسترها معانا هى السائده بين جموع المصريين ومازال الخطر قائما في مصر حيث أعداد الإصابات فى إزدياد وكذلك أعداد الوفيات مع ضعف امكانيات القطاع الصحى برغم مساندة الدوله الكبيره له فى الظروف الراهنه. أخشى ما أخشاه أن التساهل والتعايش مع الفيروس يؤدى إلى كارثه صحيه كبيره فى بلدنا ولذا يجب على الحكومه ومؤسسات المجتمع المدني والإجتماعى أن تنهض بدورها الخدمى والتوعوى لرفع درجة صمود المجتمع ضد هذا الفيروس الخطير مع استمرار بعض الأجراءات الوقائيه القاسيه فى بعض أماكن التجمعات وإغلاق بعض الأنشطة غير المهمه وكذلك الإهتمام بالاطباء والبحث العلمى ووضع العلماء فى مقدمة الصفوف وإعادة الإعتبار للعلم حتى لانصحو على ماساه إنسانيه كبيره لن يجدى معها الحلول الاقتصاديه أو بعض الأموال المدخره هنا أو هناك. دكتور عاطف مرسي عميد كلية الطب جامعة بنى سويف