الجمعة ٠٩ / مايو / ٢٠٢٥
من نحن اتصل بنا التحرير
×

كوكب محسن تكتب: التهجير قسرا لسفوح المنايا

خارطة جديدة على وشك ان تحل محل تلك التي تتغير ملامحها بعد دخول جائحة كورونا معترك الحياة لترسم عالما جديدا بديموغرافيا مختلفة تماما ، ورؤى منبثقة من مستجدات وعواقب الكارثة الكونية الراهنة ، التي لم تتحدد معالم الخروج منها حتى ألان في أي من دول العالم الحديث والنامي على حد سواء. التركيبة الديموغرافية لدول أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول التي كانت تسمح بهامش من الحرية لدمج نسبة من المهاجرين واللاجئين في تركيبتها السكانية باتت أمرا محسوما شعبيا وسلطويا ، بعد ان اكتشفت هذه الدول عجزها عن الوفاء بالتزامات مواطنيها بالأساس من حيث توفير الغذاء او العلاج او التعليم عن بعد في صورة مادية او إعانات اعاشة مؤقتة لحين الخروج من الأزمة . هذه الوضعية الحرجة باتت تهدد ملايين النازحين من لاجئين ومهاجرين شرعيين وغير شرعيين بالوجود أساسا ومن ثم الوافدين الجدد او من هم على قائمة انتظار الدخول لتلك البلدان. قبل عشر سنوات كان عدد المهاجرين في كافة أنحاء العالم 221 مليون مهاجر، اي حوالي 3.5% من سكان العالم. وقبل عام واحد تزايد عددهم ليصل إلى 272 مليونا – وهو معدل يفوق سرعة نمو تعداد سكان العالم حسب بيانات الأمم المتحدة. اذ تستضيف أوروبا أكبر عدد من المهاجرين الدوليين بنحو اكثر من 82 مليونا؛ تليها أمريكا الشمالية التي تضم 59 مليونا من بينهم 51 مليونا في الولايات المتحدة وحدها، وهو "أكبر عدد من المهاجرين في دولة واحدة". كما تستضيف منطقتا شمال أفريقيا وغرب آسيا حوالي 49 مليون مهاجر. الان اختلت البوصلة بسبب كوفيد - ١٩ وجعلت وجهات الهجرة المعتادة هي ذاتها بؤر تفشي الوباء ، والتي يصنفها العالم الان مراكز طرد أكثر منها مراكز جذب للمهاجرين واللاجئين ، حيث باتت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وإسبانيا من اكثر دول العالم تضررا ، ومن ثم بدأت موجات الغضب بها في التزايد رافضة توجيه أي مخصصات للهجرة قبل ان تستعيد الشرائح المتضررة من المواطنين حياتها على كافة الاصعدة ، اقتصاديا بسبب للركود ، وصحيا بسبب العجز الفاضح في معالجة الوباء وعدم القدرة على مواجهته ، واجتماعيا بسبب التعدد الاثني والعربي للعديد من تلك الدول التي سمحت بذلك منذ عقود ، بل ان بعضها يقوم على التعددية العرقية كالدول الحديثة النشأة كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزلندا وغيرها. السؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هي استعدادات المؤسسات المعنية باللاجئين والمهاجرين في العالم لإعادة تهجيرهم قسرا في حال استمرت الجائحة في تأزيم الوضع في البلدان المضيفة ، واتخاذها إجراءات وقائية للتخلص منهم وتخفيف العبء عن اقتصاداتها بالتوقف عن دعمهم وتوجيه الدعم للمواطنين فقط ، وهو ما بدأت فيه بالفعل بعض الدول التي جمعتهم في مناطق إيواء خارج حدودها في خطوة منها للتخلص منهم بشكل او بآخر . وإذا ما كانت بعض الدول قادرة على إرسال طائرات لإعادة المتضررين من مواطنيها أو الراغبين في العودة إلى مواطنهم الأصلية كما فعلت بعض الدول ، فماذا عن تلك الدول التي لن تقوم بذلك بسبب الحروب والصراعات او الفقر الشديد او غياب الحكومات المهتمة والتي تعتبر إعادتهم ليس من واجبها بعد ان قبلت بهم الدول المضيفة شرعيا . ملايين العالقين في تلك المعضلة من مزدوجي الجنسيات يقفون بين مطرقة وسندان ، لا هو معترف به كمواطن درجة أولى له كافة الحقوق والحريات كما جاء في قسم الولاء لتلك الدول ، وكما يقال ف الشدائد والمحن تتجلى الحقيقة ، فتتملص من الوفاء بالتزاماتها الحكومات وتكون الاولوية لمواطني الدرجة الاولى وان أعلنت غير ذلك على استحياء . ولا هو قادر على حرق سنوات من الحرب للاندماج ف المجتمع الجديد والعودة الى موطنه الأصلي الذي فر من ازماته ، ولَم تتغير حاله بل ساءت في زمن الكورونا . المهاجرون الشرعيون وغير الشرعيين الذين فقد الآلاف منهم حياته في رحلة الفرار من موطنه الأصلي يقف الناجون منهم على اعتاب موجة جديدة من الظلم التي تهدد استقرارهم المؤقت ، وتوشك ان تفتح عليهم النار حيث لا بدائل ، بعد ان اجتاح الوباء كافة الأرجاء . أين سيذهب هؤلاء في حال تحركهم بالملايين من جديد قسرا او طوعا، وكيف سيكون شكل العالم آنذاك ، تلك خارطة جديدة ربما ترسم ملامح العالم بشكل اكثر عنصرية في المستقبل القريب .