 (1).jpg)
أسامة داود يكتب: سامح فهمى الانسان.. سلامتك

- لا أظن أن هناك من يجهل سامح فهمى ليس باعتباره وزيرًا سابقًا للبترول وليس باعتباره صاحب بصمات تضعه ضمن أعظم وزراء شهدتها مصر فى تاريخها المعاصر.. وليس باعتباره واحدًا ممن اجتهدوا فحقق لقطاع البترول ما لم يحققه مثله فى أمر التوسع والتطور والازدهار.. وليس باعتباره واحدًا ممن ظلموا وتحملوا تبعات وقرارات كانت تصدر نكاية فى الرجل وكمحاولة لمنعه من الانطلاق بقطاع كان أشبه بالصندوق الأسود بالنسبة حتى للنظام فى مصر وكل أعضاء الحكومة، خوفًا من سطوع نجم الرجل الذى امتلك قلوب العامة.
لكنه هو سامح فهمى الإنسان المبتسم دائمًا الودود المتواضع ابن الأسرة الرأسمالية الذى عشق جمال عبدالناصر قبل أن يقوى الخيوط وتتحول إلى نسب ومصاهرة.. هو ابن بيت من بيوت الطبقة الرأسمالية الوطنية والده سمير فهمى أحد قيادات شركة شل قبل التأميم ورئيس شركة اتوبيس وسط الدلتا وحفيد أمين بك فهمى صاحب شركتى أمين فهمى للنقل النهرى والتى تم تأميمها فى ستينيات القرن الماضى لتصبح النيل للنقل النهرى والتى كانت تملك كل الصنادل النهرية فى مصر وشركة كفر الزيات للأقطان وكلتاهما تم تأميمها.. ولم يتحول التأميم إلى غصة فى حلق أسرة فهمى لتطول ناصر ونظامه كما حدث من بعض الإقطاعيين الذين ادعوا أن ناصر سلب أملاكهم وإذا بهم نجدهم يمتلكون المليارات ويتربعون على عرش كل زمان بعدما تربوا على امتصاص دماء الشعب.
جدته لوالده هى السيدة نفيسة عبده الحامولى.. ابنه أحد رموز الفن الراقى فى القرن التاسع عشر عبده الحامولى. لن أتكلم عن سامح فهمى الذى انسل من بيوت لها تاريخ ولكن أتكلم عن سامح فهمى الإنسان الذى يفوق جميع من تولوا المسئولية فى مصر خلال هذه الحقبة شهرة وعزة و فخارًا.
أتحدث عن سامح فهمى ابن الأثرياء الذى فتح قطاع البترول لأبناء البسطاء والفقراء رأيته مطأطئ الرأس أمام رجال شيوخ وسيدات عجائز، ينصت بتركيز وإمعان لشكاية من زمن صعب لم يكن فيه لأبناء الفقراء ملجأ.. كانت تورث فيه الوظائف والمراكز والمواقع كأن الدولة تحولت إلى تكايا.. كانت يده تمتد لتشارك أذنه التى تسمع للبسطاء والمقهورين وأصحاب الحاجات الذين أصابهم الوهن.. فتلتقط يده وريقات مبتلة من عرق أصحاب الحاجات أصابها الاهتراء والاصفرار لكونها ظلت لسنوات تكمن جيوب الشيوخ والعجائز من أهالى شباب أصابه اليأس من الوصول إلى فرصة عمل.. كان فهمى يحيل الأوراق بتأشيرته لأحد رجاله ولتتحول إلى وظيفة ومصدر أكل عيش لشاب فى مقتبل العمر كاد القهر يعصر حياته من سائل الحياة ويحيلها إلى شرنقة من العذاب يموت داخلها.. قد يكون من بينهم من جاءوا من بين سراديب العشوائيات ومن فيافى الصحراء وبطون الجبال، ومن أقصى أعماق الريف وأيضًا ممن كانوا من علية القوم.. هوانم وباشوات جار عليهم الزمن فانطبق عليهم الحكمة المصرية الأصيلة ارحموا عزيز قوم ذل.
كانت فرص العمل التى أتاحها سامح فهمى من خلال شركات كثيفة لاستيعاب العمالة انفراجة لم تعرف مصر مثيلا لها قبله أو بعده.. وكانت ربما هى من تسببت فى إنقاذ أسر من الفقر والعوز، ولم تكن من الكيانات الخاسرة وقت أن كان سامح فهمى وزيرًا لأنه من أصحاب المواهب الاقتصادية وليس فنيًا فقط.
كانت إنسانية سامح فهمى تتجاوز حدود المسموح، وكان ابن الذوات الذى وصل إلى موقع الوزير ليس محاباة ولا وساطة ولا نفاقًا أو رياء كما يحدث غالبًا، وصل بكفاءة أعرف تفاصيلها منذ التحق بقطاع البترول معينًا طبقًا لقرار القوى العاملة وبعدما كان الأول على كلية الضباط الاحتياط وطبقًا لتفوقه والذى نجح نجاحًا باهرًا داخل قطاع البترول، حصد من عشق العامة والبسطاء والمرؤوسين والنبلاء ما حصده أيضًا من كراهية البعض له.
وعرفت سامح فهمى الذى كان يكيد له عدد من الوزراء فى حكومة أحمد نظيف وكان يرأسهم بطرس غالى ورشيد محمد رشيد ومحمود محيى الدين وأنا لا أتحدث بناء على وشايات ولكن على معلومات ووقائع يضمها حاليًا الجزء الثانى من سلسلة كتب تؤرخ للبترول بين الاقتصاد والسياسة.. حتى إنهم جميعًا كانوا يعرقلونه بقرارات بهدف تقليص طموح الرجل حتى لو كان الثمن تدمير قطاع البترول الذى هو قاطرة الاقتصاد المصرى بعدما نجح بالتوسع فى القطاع.. ليصبح من القطاعات التى تحولت إلى دعم الدولة وإنقاذ خزانتها الخاوية وحل أزمة الموارد التى كانت تهدد ندرتها بمجاعة.. وكان ذلك عبر سلسلة إجراءات تضمنت إنشاء القابضة للبتروكيماويات.. والتى حققت مصر من خلالها استراتيجية إنشاء عدد من مجمعات البتروكمياويات لتمكن مصر من أن تصبح ثالث دولة فى العالم إنتاجًا للبتروكيماويات بعد السعودية وإيران.
ومن خلال إنشاء القابضة للغازات الطبيعية التى مكنت لقطاع البترول من التوسع فى البحث والاستكشاف ليصل بإنتاج مصر من الغاز إلى 7 مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا ونجح فى تحقيق معادلة سعرية لسعر الغاز الذى يتولى شراءه من الشركاء الأجانب عند 2.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية وهو ما أنقذ 70 مليار دولار كانت سوف تتكبدها مصر مع ارتفاع أسعار البترول وبالتالى الغاز الطبيعى، والذى كانت تشتريه مصر بأسعار ترتبط بسعر برنت والذى كان قد تجاوز بعد إبرام تلك المعادلة 140 دولارًا أى أكثر من 3 أضعاف ما كان عليه وقت المعادلة السعرية.. ولولاها لبلغ سعر المليون وحدة حرارية فى أوقات 15 دولارًا.
ونجح من خلال عمليات تشجيع البحث والاستكشاف فى الوصول باحتياطيات مصر إلى 76 تريليون قدم مكعب من الغاز وهو ضعف الرقم الذى تسلمه سامح فهمى من سلفه الوزير المهذب الراحل الدكتور حمدى البنبى. وكانت تلك الاكتشافات هى السبب الأول فى فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية لتدخل ومعها قطاع البترول مشاركة فى إنشاء وحدات لإسالة الغاز وهى التى تمثل البنية التحتية التى أسست لمصر حاليا لتلعب دور دولة محورية فى تجارة ونقل الطاقة.
سامح فهمى الذى حقق من خلال العديد من شباب لم تكن يد لتصل إليهم وجيء بهم بناء على مهارتهم وكفاءتهم وهم شباب لم يتجاوزوا الأربعين من أعمارهم، من الحقول ومن سراديب الشركات ليرتفع بهم من خلال تأهيلهم داخل دواليب إدارة العمل بديوان الوزارة ليتولوا قيادة شركات البترول والشركات القابضة والتابعة ليصل منهم بعد ذلك إلى مواقع الوزارة عدد 6 وزراء منهم اثنان تم اختيارهما لوزارة النقل وهما الراحل حمدى الشايب رئيس شركة بتروجت عليه رحمة الله والمهندس هانى ضاحى نقيب المهندسين الحالى.. وفى مواقع وزارة البترول محمود لطيف وعبد الله غراب وأسامة كمال وشريف إسماعيل الذى أصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء.
أتحدث عن سامح فهمى الذى يرقد حاليًا رهن الحجر الصحى مصابًا بفيروس كورونا وهو رجل ناهز السبعين من العمر يطلب من الجميع الدعاء.
وأقول إننى أشهد الله أن هذا الرجل من أنبل وأروع ما رأيت وطنية وخلقًا واستقامة.. تدينًا وانكسارًا أمام الضعفاء والفقراء وتواضعًا وحبًا للخير.. وباسم كل تلك الصفات والمواقف التى عددتها والتى تتواضع أمام حقيقة الرجل أدعو الجميع لأن يدعوا له بالشفاء كما يشمل الدعاء كل مريض على أرض مصر بل العالم أجمع.