
أسامة داود يكتب : وحيد حامد إمام المبدعين

كان أول تواصل لى مع الأستاذ وحيد حامد عقب قيامى بحملة كشف ما أطلق عليه تأدبا مخالفات ادارة 57357 تلقيت منه أول اتصال بعد نشرى الحلقة الأولى بأسبوع وكان ذلك مساء يوم 5 يونيو 2018 بادرنى متسائلاً أستاذ أسامة أنا عايز أكلمك منذ ايام وأكد أنه صُدم من الأرقام التى نشرتها من واقع المستندات والمعلومات التى حصلت عليها.
وأكمل أنه ظل يتساءل على مدار عدة مقالات عن أين تذهب أموال التبرعات وكيف يتم استغلال الأطفال فى الدعاية لاستدرار عطف المشاهدين عبر كافة الصحف ووسائل الإعلام.
وقال لابد أن تكمل.. وكانت مكالمات ثم مقالات الكاتب الكبير أكبر دعم لى فى حملتى، وعندما أعددت كتاب "سرطان الفساد فى 57357" وبعد الاتفاق مع عدد 3 دور نشر واحدة تلو الأخرى عقب الاتفاق وتحمسهم لنشر الكتاب والاتفاق على كل التفاصيل كنت أفاجأ بالانسحاب، ثم الاتفاق مع أخرى وحدث مع دور النشر الثلاث نفس الاعتذار بعد الحماس.. وأصررت على الحصول على رقم إيداع وكان يتابعنى لحظة بلحظة حتى حصلت على رقم الإيداع والترقيم الدولى، وقال لى ابحث عن أى مطبعة واطبع الكتاب وسوف نتولى بأنفسنا توزيعه.. ولكن حدث من نفس المطابع ما حدث من دور النشر المعروفة.
كانت لقاءاتى بالكاتب الكبير الذى كان منفردًا أو مع أصدقاء مشتركين منهم الكاتب الكبير الساخر عاصم حنفى والكاتب أسامة سلامة والكاتب إبراهيم منصور فى فندق جراند حياة حيث تبدأ جلسته اليومية منذ الحادية عشرة صباحًا ثم تمتد حتى الثانية ظهرًا وتتحول ترابيزته إلى ترابيزات تتمدد مع وصول محبى وأصدقاء ومريدى الكاتب الكبير من كل أنحاء الوطن العربى فنانين وفنانات وكتاب ومثقفين.
كانت ابتسامته الهادئة الودودة وكلماته الرطبة الحانية تشعرك بأنك أمام قامة تجمعت فيه صفات من الإيمان والصدق والشجاعة والفروسية ونبل الأخلاق واحترام الكبير والصغير وتقديم النصح والإرشاد فى كل المواقف والتجاوب مع آلام الجميع بإخلاص، كلها خصال تجعلك تشعر بأنك أمام عملاق بكل ما تعنى الكلمة من معانٍ.
وكان وصولى مبكرًا يسمح لى بالاستماع إلى العديد من تفاصيل حياته فى الصبى متواصلاً مع مواقف وصدامات مع رموز وإغراءات من أثرياء عرب لإعداد سيناريوهات لكنه يرفض لأن مبدأه أن يكتب ما يقتنع به وأن يكون لسان حال المجتمع يعبر عن أوجاعه وآماله.
سألت الكاتب الكبير يومًا هل كتب مذكراتك؟ قال: لا..
قلت: لماذا وحياتك بها الكثير من المواقف والتجارب التى تفيد الآخرين؟
قال: لا أرغب فى ذلك.. وفى أحد الأيام طلبت منه أن يخصنى ببعض المواقف التى تعرض لها فى حياته والتى كان لها تأثير لازمه حتى الآن.. ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة ونظر إلى يساره مستطلعًا النيل عبر حائط الفندق الزجاجى وكأنه بنظرته هذه يسترجع شريط العمر.. وأخذ يتحدث واستأذنته فى تسجيل هذه المواقف وافق وقال بشرط ألا تنشرها إلا بعد ما أموت.. قلت أطال الله وبارك فى عمرك.. ولم أكن أدرى أنها المرة الأخيرة التى ألتقى به حيث تحول كل التواصل مع الكاتب الكبير إلى الاتصال الهاتفى بعد انتشار جائحة كورونا والتى حجبته عن محبيه ومريديه وكل تلاميذه.
كان اللقاء الأخير والذى استمر الحديث معه منفردًا لحوالى ساعة حتى توافد المريدون فأغلقت الكاسيت وقال إن شاء الله نكمل جلسة أخرى..
ولكنها كانت الأخيرة.. وسوف أنشر هذه الخواطر قريبًا.
[caption id="attachment_44904" align="aligncenter" width="960"] وحيد حامد[/caption]