حسن الكومي يكتب: الحجاب .. الخديعة والوجيعة (١٠)

في الوقت الذي روج شيوخ التدليس لأحاديث وروايات ضعيفة وموضوعة وباطلة حسب تصنيفهم هم وليس تصنيفي أنا لفرض الحجاب على النساء وتكتموا على بطلانها، تكتموا أيضا على روايات صحيحة حسب تصنيفهم أيضا في صحيح البخاري وصحيح مسلم وعند المحدثين الخمسة. * الرواية الأولى جاءت في البخاري ومسلم، وقد أشار إليها الشوكاني في نيل الأوطار (كتاب النذر باب من نذر نذرا فلم يسمه ولا يطيقه) ٣٨٥٦- "وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ: حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ. متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم، أخت عقبة بن عامر نذرت أن تشق على نفسها في الحج تقربا إلى الله فنذرت أن تمشي سيرا إلى بيت الله ولا تركب، وفي رواية مسلم، تكلف نفسها مشقة أكثر بأن تسير حافية غير مختمرة! لا تضع غطاء على رأسها، فإذا كان غطاء الرأس فرضا أو من الدين فهل ستتقرب إلى الله بخلعه وفعل هذه المعصية؟! أم لأن الخمار مجرد عادة مجتمعية وأنه يحمى من عوامل الطبيعة، كدرجة الحرارة والأتربة؟! الرواية رواها أيضا المحدثون الخمسة بصيغة أخرى وأشار إليها الشوكاني في نفس الباب: «أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ) أي أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. وفي هذه الرواية أن النبي قال "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا" وهنا تكلم النبي عن شقائها ولم يتكلم أو يشر إلى معصيتها! وذلك لأن نذرها لا يشمل أي معصية بما فيه ترك الخمار. وأمرها أن تفدي نذرها بصوم ثلاثة أيام. وطلب النبي أن تركب ليس لأن الركوب واجب والمشي حرام! ولكن حتى لا تشق على نفسها، وكذلك الاختمار حتى لا تشق على نفسها. رواية صحيحة أخرى وردت في مسند الإمام أحمد بنفس المعنى يذكرها الدكتور سعد الدين الهلالي في برنامج تليفزيوني مع عمرو أديب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فتح خبأته فوجد امرأة تسير حافية، غير راكبة، ناشرة شعرها، فقال ما شأنها قالوا أخت عقبة بن عامر فقال مروها فلتختمر ولتركب ولتنتعل) والمرأة ناشرة شعرها! تشق على نفسها زيادة في التقرب إلى الله واعتقادا منها أنها تنال ثوابا أكبر. ولو كان غطاء الرأس فرض من الله فلا يعقل أن تبالغ المرأة في التقرب إلى الله بفعل المعصية! ومعروف أن حجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر. * رواية أخرى في صحيح البخاري، وهو عند الفقهاء كله صحيح، وأيضا رواها أبو داوود وابن ماجه. تدل على أن المرأة يظهر منها أمام الأجانب ما يظهر منها أثناء الوضوء. ( عن ابن عمر قال:كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا) هذا لفظ البخاري. أما لفظ أبي داوود وابن ماجه (عن ابن عمر قال: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ندلي فيه بأيدينا) والحديث يوضح أن المرأة يظهر منها أمام الأجانب ما يظهر منها أثناء الوضوء. ولأن الرواية صحيحة تكتم عليها كهنة الحجاب. وإذا سُئلوا عنها أصيبوا بالذعر فراح كل منهم يدلس في تفسيرها بطريقته. واحد يقول معناها أن الرجال والنساء كانوا كلهم من المحارم! وهذه إضافة غير موجودة في الرواية، وكان من السهل على الرواي أن يستبدل كلمة "النساء" بكلمة "نساؤنا" لو كان الأمر كذلك. وآخر يقول معناها ان الرجال يتوضؤون ثم يأتي بعدهم النساء! في هذه الحالة لا توجد رواية من الأساس ولا معنى لكلمة جميعا. ويقول ثالث كانت قبل نزول آيات الحجاب! وهي إضافة غير موجودة في الرواية، وطبعا ما يقول عنه آيات الحجاب لا وجود لها بل هي آيات ظنية يفسرها حسب هواه. ثم أضافوا ردا آخر نستطيع أن نقول عنه أنهم بدل ما يكحلوها عموها، فقالوا (عن أبي سلامة الحبيبي قال : رأيتُ عمر بن الخطاب أتى حياضاً عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعاً ، فضربهم بالدِّرة ثم قال لصاحب الحوض : اجعل للرجال حياضاً وللنساء حياضاً ... " . رواه عبد الرزاق في " مصنفه ") وحجتهم أن عمر ضربهم وهذا معناه في نظرهم أن وضوء الرجال مع النساء منهي عنه! ولكن الحقيقة أن هذا معناه أنها كانت موجودة حتى عهد عمر بن الخطاب ونحن نتبع النبي وليس عمر، هذا أولا. ثانيا: تواجد الرجال والنساء على حوض واحد يحدث تزاحم وتلامس يغضب عمر وغيره، وهذا يستدعي في نظر الجميع حوضا آخر للنساء، قد يكون على مرمى البصر من الرجال لأنه سيقع في ملك صاحب الحياض. من منا سمع بهذه الروايات والأحاديث الصحيحة من أحد المشايخ؟! أو عرف بها قبل انتشار النت الذي كشف أهواءهم وتدليسهم؟! إنه مرض الكهنة المزمن واسمه "عبادة الموروث" منذ كهنة اللات والعزى وإلى اليوم. فالحجاب والنقاب لم يكن موروثا ثقافيا للمصريين منذ زمن الفراعنة ولذلك لم يتمسك به شيوخنا لفترات طويلة، في حين كان ومازال موروثا ثقافيا لأهل الخليج تناقله شيوخ البدو جيلا بعد جيل، ثم نقلوه لنا مع هجمتهم الوهابية على مصر وتدفق مليارات السعودية مع تواطؤ الأزهر والنظام الحاكم. وعلى الجانب الآخر ستجد قضية أخرى توضح تأثير الموروث على فهم الشيوخ وتدليسهم، وهي قضية ختان الإناث التي لا تعرفها كل الدول الإسلامية بما فيها السعودية ودول الخليج ولذلك فإن الشيوخ في هذه الدول لم يعتبروها قضية دينية، ولم يفكر أحدهم يوما ما في ختان بناته، في حين أنها عادة قديمة عند الشعب المصري يقترفها المسلمون والمسيحيون معا، ولذلك تجد الشيوخ عندنا في مصر حسن قام بالإرسال اليوم، الساعة 6:22 م ألصقوا ختان الإناث بالدين الإسلامي واعتبروه واجب أو سنة أو فضل أو مكرمة، ولا يتركون لأحد أي مساحة في الاختيار وكأنها فرض، فاستخدموا كل أنواع العنف اللفظي مع من يناقشهم فيها، وكعادتهم ربطوها بالغيرة والشرف والعفة والأخلاق، وأنها مؤامرة من الغرب على هذه الشعيرة الإسلامية لإفساد المسلمين! وأن البنت إن لم تختتن ستتحرش بالشباب وتعتدي عليهم في الطرقات! وصاغوا من القصص والأكاذيب ما يدعم مزاعمهم الوقحة. دون يسأل أحد منهم نفسه أي شعيرة إسلامية هذه التي يؤديها المسيحي في مصر ولا يعرفها المسلم في مكة والمدينة!. ورغم أن ختان الإناث أصبح جريمة يعاقب عليها القانون المصري، وتراجع الأزهر عن الفتوى القديمة إلا أن شيوخ الأوقاف والسلفية يقومون في المناطق الشعبية والريفية بدور الوسواس الخناس على أكمل وجه، وما زالت الجريمة ترتكب بنسبة مرتفعة بسبب تحريض الشيوخ للأهالي ضد بناتهم، مهما قيل لهم عن الأضرار الطبية والنفسية والتعرض للفشل في الحياة الزوجية، فهم عندئذ علماء في الطب وفي علم النفس وعلم الاجتماع وفي كافة المجالات! لأن تقديسهم للموروث يعلو ولا يُعلى عليه!. [caption id="attachment_48822" align="aligncenter" width="480"]الحجاب الحجاب[/caption]