مقالات

جوقة تويتر

10 فبراير 2016 | 9:05 مساءً

 حفلات تلميع ( أوبر ) وأخوتها مجتمع التواصل الاجتماعي، الموصوم أصلًا بكونه نافذة تطل منها وتؤثر عبرها وتراقب من خلالها أجهزة مخابراتية غربية، صار بدوره منقسم في مشبوهيته إلى درجتين، أولها الأقل شبهة، وهو “الفيس بوك” الذي نفذت الطبقات الأكثر شعبية إليه، واستثمرته وطبعته إلى درجة (محدودة) بطابع مصالحها، وهو المشغول مؤخرًا بالتطاحن حول قرارات اقتصادية تعيد إنتاج سياسات مبارك الخاضعة لروشتات عمل البنك الدولي وتمس العدالة الاجتماعية؛ والثاني، الأكثر شبهة، وهو مجتمع بهوات “تويتر” الذي بلعب مؤخرًا دور الظهير النخبوي المحلي للشركات متعدية الحدود، ويعبّد الطريق أمامها لغزو الأسواق المحلية العربية وغير العربية، باعتبارها تقود قاطرة “تحديث” تلك المجتمعات “الموبوءة” أصلًا، في حالة فريدة من الإحساس بالدونية والنقص والعنصرية المقلوبة ضد الذات! . الحملة الممنهجة والمدروسة (كما نستخلص) الحاصلة اليوم، تدور حول تلميع شركة نقل جديدة دخلت السوق المصري بداية من 2015.. طبعًا الشركة عابرة للقارات، وملاكها مخلّطون من جنسيات مختلفة، وبدأت عملها في أمريكا الشمالية.. الشركة اسمها uber – أوبر. وتثير اعتراضات سائقي التاكسي المحليين، كونها توظّف أصحاب السيارات الخاصة بسياراتهم في خدمة النقل التي تشرف عليها، وتحصّل مبلغ (نسبة) نظير ذلك.. الحملة تفجرت في مصر بالتزامن مع دعوات للتظاهر احتجاجًا على أن الشركة تخوض مع سائقي التاكسي معركة تنافسية غير عادلة أو شريفة وتستخدم السيارات الملاكي، التي لا يدفع أصحابها ذات الضرائب التي يدفعونها، ولم يعانوا ويلات تحويلها إلى أجرة مثلهم. كما أن الشركة، كونها ضمن ما يسمى بالاقتصاد الرقمي فهي لا تدفع ضرائب في مصر، وهذا ينطبق بالمثل على دول أخرى غير مصر.. بعض تلك الدول للأسباب السابقة حظرت عملها أو ضيقت عليها كأسبانيا، وبعضها لوح بذلك كروسيا، وبعضها قام بإلقاء القبض على اثنين من مديريها لتشغيلهم خدمة غير قانونية، كفرنسا، وبعضها أغلقها فعليًا، كالهند، بعد أن أبلغت سيدة عن تعرضها للاغتصاب على يد سائق متعاقد مع الشركة. شركة أوبر، بحسب ما هو منشور، بدأت بذرتها الأولى أواخر 2008، على يد الأمريكي ترافيس كالانيك الذي صار مليارديرًا فيما بعد، انتقلت الشركة من نشاطها المحلي، وتوسعت إلى نشاطها “العولمي” مع دخول شركاء، ومديرين جدد.. أبرزهم “ديفيد بلوفي – David Plouffe“، يهودي، عمل مدير حملة باراك أوباما الانتخابية، ثم كبير مستشاريه الخارجيين، ثم مستشارا رفيع المستوى للرئيس (داخل البيت الأبيض)!.. (السياسة + المال)!. الحملة بقيادة “ليبراليي” (تويتر – المواقع الصحفية) وبعض نجوم الفضائيات، المشتبكين أصلًا في عمليات تجارية أو مراكز بحثية يمولها هذا الصنف من الشركات، شنت جام غضبها على سائقي التاكسي لاعتراضهم على عمل الشركة.. (دع جانبًا هنا حقوق الطبقات الوسطى والمطحونة من سائقي التاكسي وأسرهم، وضرورة حماية السوق المحلية.. وإلخ، فـ “ليبرالجي زمن البرادعي” لا يستخدمون مثل تلك الشعارات إلا في سياق “تظاهري” “ثورجي” يعرفون مساره، وإلى جيب من، تحديدًا، يصب..!!!)

االشركة، كعادة غيرها تعتمد على شبكة من موظفي العلاقات العامة المهرة، وعليه فقد بدأت في إبراز نفسها في المواقع الإليكترونية ومواقع التواصل بداية من 2015 (بعيدًا عن الفضائيات، والإعلام الحكومي طبعًا). بدأ التلميع في سياق خبري (يخلط كالمعتاد بين الخبر والإعلان)، ثم انتقل إلى مساحات الرأي، حيث اشتبكت جماعات “الملمِّعين” في المعركة من أجل “uber” العالمية ضد سوق النقل المحلي (الذي لا ننكر عيوبه بالمناسبة، دون أن يتم توظيف ذلك لصالح هدّه على أدمغة من يرتزقون منه). أعجب ما في الحكاية، أن جرائد حكومية (أخبار اليوم) تستكتب “ليبراليين – تويتريين” في أعمدتها، قد سمحت لهم (أو لم تنتبه أصلًا) بالدفاع عن الشركة وانتقاد خصومها والتضامن معها (مع ذكر اسمها) ضمن المساحة المخصصة للرأي، وهذا إعلان لم تتلق الصحيفة، التي يمولها دافع الضرائب المصري، مقابلًا له!. ومساحات الرأي، بالمناسبة، تسمح للكاتب بالتعبير عن رأيه دون أن يتم تجيير المسألة لتصب في جيب مستثمر خاص، وبالمرة أجنبي، وبالمرة ملياردير يجمع الثروة بالسلطة محققًا النفوذ، والفارق بين المسارين في الكتابة محدد وصريح ولا مجال لاختلاق لبس.. فلا محل له!. كان من الممكن أن نختم بخاتمة من نفس نسيج المقال، ونعدد من صور الاختراق والميليشيات التي تعمل – بقصد أو دون- لخدمته، وكيف أن قضايا الدفاع عن الطبقات الوسطى والأكثر فقرًا يتم قذفها خارج المشهد تمامًا في حال اصطدمت بالنظام الاقتصادي الجديد وبمصالح الشركات الكبرى.. لكن، يكفي أن نؤكد أن ما سبق من انعكاس للمعايير وحوَل لدى هؤلاء في البصيرة، وتركيز للضوء على عيوب الداخل ليس بغرض الإصلاح وإنما بهدف البروزة والإشاعة ومن ثم التوظيف والارتزاق.. ليس أكثر من عرض لمرض وفيروس استعماري – ونشدد على أنه استعماري حتى لو بدى استعمال الكلمة في هذا الموضع مبالغ فيه- استحكم في الجسد “النخبوي” و”السياسي” و”الإعلامي”، المصري والعربي. إنه، ولما لا ؟، استعمار اقتصادي في نسخته الأحدث، يستتبع نظمًا ونخبًا على حد سواء، ولا هم له سوى الربح والتكسب، ولو على جثث كل القيم الأخلاقية.. ويحارب منتقديه بأخبث الطرق وأنجعها “التسفيه” و”التهكم”.. ولهذا حديث آخر!!. هوامش: الشركة تواجه بحملات رفض في عدد من الدول، نتيجة لسطوتها على سوق النقل المحلي، كذلك لعدم تقديمها معاشات أو ضمانات اجتماعية للعاملين، وإبعادها للسائقين (أصحاب السيارات) الذين تنخفض عوائدهم عن حد مبالغ فيه

زر الذهاب إلى الأعلى