
في مصر يجب أن تكون تحت السيطرة , وان تُكبر وتُهلل وتقرر ان تسير في الركب ، وأن تنظر حولك ، فإذا ما أحسنت السلطة أحسنت وهللت ، وان أساءت أسأت ، يعني تكون “كالامعة” لامؤاخذة ، وأهم شيئ أن تكون فاسداَ ، ستصبح لك الكلمة العليا .
هذا ما يحث في بلدنا بالفعل ، وخبر عزل هشام جنينة وهو نتيجة طبيعية ومتوقعه ، لأنه – كما يقول المثل الشعبي – قُرأت فاتحته.
وقد بدأ بعض اعلاميى آخر الزمان في التغني ببطولة عزل رجل قال ان الفساد استشري في مفاصل الدولة ، وهنا لابد ان ندرك انه من حق الفساد أن يتغني ويبتهج .
كان جنينه قد اعلن منذ شهور أن حجم الفساد الذي تم رصده تجاوز ال 600 مليار جنيه ، الرجل ينقل ما تم تجميعه من تقارير تم اعدادها بواسطة مسئولي وموظفي الجهاز علي مدار السنوات من 2012 وحتي 2015، وأخذ الرقم وأعلنه ولم يتستر عليه ، ولم يقرر إخفاءه ، وقال أن مشكلة الفساد فى مصر لها جذور قد تغولت فى اجهزة الدولة وتمكنت من مفاصلها، واشار الرجل وقتها الي أن ما ينقله قد جاء أيضا في دراسة تم اعدادها من خلال لجنة شكلت من أعضاء بالجهاز وبالتعاون مع وزارة التخطيط لتثبت صدق رقم الفساد المشار اليه ، وبالتالي لم يخطئ فيما ذكره .
وهنا تثار عدة أسئلة منها : هل أخطأ جنينة فيما اشار اليه من أن أجهزة الدولة بها نوع من التراخى فى معالجة ملفات الفساد.? أم ان اعلانه عن وجود فساد يعد تطفيشا كما قال البعض للاستثمار والتشهير بالدولة في الخارج ؟ّ
هل تجاوز جنينه حدوده باعلانه عن رقم الفساد دون ان يترك امر تلك الملفات للسلطة التنفيذية لتدرس وتقرر طريقة الاعلان عن رقم الفساد وعن الفاسدين ؟
و الحقيقة أن أجهزة الدولة لا يحتاج فسادها الى اعلان ، فهي تعلن عن نفسها ، كما أن الاعلان عن الفساد لا يشوه صورة مصر بالخارج ، ولن يكون طاردا للاستثمار ، لأن نوع من التطهر والشفافية التي تنال احترام الخارج والداخل أيضا . وأي دولة تعلن عن أي خلل بها هوتأكيد انها تسير نحو الافضل ، لانها بدأت تشخيص أمراضها ، وهو بدأية العلاج السليم . ولكن علي ما يبدو ان السبب هو عدم تسليم ملفات الفساد للمسئولين وتركها لاستخدامها ضد الفاسدين وقت اللزوم .
المهم أن قدر هشام جنينة علي ما يبدو أعلي مما كنا نتوقع فقد أثبتت الايام أن أحد التشريعات قد تم سنها ، وصدر بها قرار وتم تمريره بالبرلمان ضمن منظومة تمرير 341 قرارا بقانون ، وقد جاء الوقت المناسب لتنفيذ القانون الذي عرف وقتها بأنه قانون جنينة ، والذي ما كان يجب ان يُنفذ حتي ينال بصمة البرلمان في هوجة الموافقات الاليكترونية.
وهشام جنينه أعتقد انه رأس الذئب الطائر ، ليس لاصلاح الدولة ولكن للقضاء علي أي أمل في الاصلاح حاليا أو مستقبلا ، وليكن عبرة لمن لا يعتبر .
حكومات مصر تثبت كل مطلع شمس أنها ضد المواطن ، بداية من تحميلة فواتير الفساد والغلاء والعشوائيات وكل الخلل الموجود في أركان الدولة ويتم تتويج ذلك باختيار وزراء ليسوا فوق مستوي الشبهات مرورا بمعاقبة كل من يرفع صوته بكلمة حق حتي ولو كان الكشف عن الفساد .
محصلة كل ذلك هي أن قوة السلطة قد تمكنت من ضرب كل العصافير الشريرة بحجر واحد وكانت البداية بمنع الاعتراض علي بيع مصر – قانون تحصين العقود – . كما لا يمكن للأجهزة الرقابية ان تعلن عن أي فساد الا اذا كان بموافقة السلطة التنفيذية وحتي نكون شعب كالنعام كل ما يجيده دفن الرؤس في الرمال حتي يأتي الدور ويتم الذبح وفقا لشريعة لصوص المال العام ، وبالتالي يجب ان نرفع شعار “حتي تعيش في مصر آمنا كن فاسداً”