
مرت الجمعة الحزينة والأخبار تتوالى عن قصف مدينة حلب السورية، وتنتشر صور الضحايا ت
القلوب وتقشعر لها الأبدان، وانقساما حادا بين مواطني كوكب السوشيال ميديا، بعضهم يحمل المسئولية لبشار الأسد ويصبون عليه لعناتهم، والبعض الآخر يضع هذه الدماء في رقبة الجبهات المتضاربة من داعش الي جبهة النصرة وقطر وتركيا والسعودية ومن خلفهم الشيطان الامريكي الاعظم ، بالاضافة الي عدد من فرق الإرهاب التي اندست في تلك المدينة المغضوب عليها.
كل فريق بما لديهم يلطمون، لكن لا أحد يبكي الشعب السوري في حلب، والرقة ودير الزور وطرطوس،وحتي مشارف دمشق، الا بمقدار الانحياز الي أيديولوجية المقيتة وفرقته التي يعتقد أنها علي الحق، ويود لها الانتصار ، فالمواقف محسوبة بالانحياز الطائفي، أكثر من البكاء علي أبرياء يدفعون ثمن بقائهم علي أراضيهم، دونما فرار الي أنقرة أو الي القاهرة أو الي قبلة اخري تستقبلهم بعيدا عن هذا الجحيم.
اما الذين دوختهم الحيرة محاولين تجنيب ميولهم السياسية، فرفعوا شعار سوريا أولا وأخيرا، سوريا الشعب والحدود، سوريا العربية الموحدة بجميع اطيافها واعراقها وثقافتها ودماء شعبها وارواحه، هؤلاء ادانوا ما يجري بعض النظر عن المسئول عنه، وحملوا الجميع المسئولية ، فهم بالفعل شركاء في تحملها.
لم يشغلهم الدعاء علي بشار، ولا الجمعة التي لم ترتفع شعائرها وكأن الصلاة اهم من الدماء والخراب ، ولا العراك الدائر بين أنصار الإرهاب او أنصار الاستبداد، فكلاهما وجهان لعملة صدئة، والشعارات لا تبني أوطاننا، ولا الانحيازات السافلة، تعفي من المسئولية وتبرر المجازر.
ولأن الأمر يحتاج الي تسجيل موقف واضح غير ملتبس في هذا الشأن ، فمن آتي بالسلاح عليه ان يرحل مدحورا بدونه ، من قوي الشر التي جاءت من أصقاع الأرض ، واما من آتي بانتخابات ولو محسوبة بالتزوير والقهر، فلابد أن يبقي او يرحل بصندوق غير منحاز ولا مشكوك فيه وبرقابة دولية تحت بصر العالم، رغم أن هذا العالم أيضا منقسم وعينه علي مصالحه أكثر من انشغاله بالديمقراطية حيث انها فقط شعارا وماحدث للعراق لا يزال ماثلا امام كل ذي عينين.
كما أن الموقف المبدئي يجب أن يكون ضد جماعات التاسلم السياسي بقيادة الإخوان الذين اذا دخلوا علي ثورة افسدوها، وهذا دينهم وديدنهم، فما حدث ويحدث في تونس وطرابلس ودمشق بصنعاء والقاهرة، ليس ببعيد ولم يعد يخفي علي أحد، أن ثورات الربيع العربي التي حملت أهدافا واضحة ومطالب حقيقية وقامت ضد مظالم حقيقية تحولت بتدخل هذه التيارات الي مؤمرات قسمت دولا وافزعت شعوبا، وأعادت الاوضاع إلي أسوأ ما كانت عليه.
لكن ثمة ملاحظات عابرة يجب أن تستوقفنا، ونحن نري، ساحات اللطم منصوبة كلما تقدم الجيش السوري النظامي من تحرير أراضيه من تلك الحشرات، بين يكف العويل عندما يرتكب هؤلاء الأوغاد جرائم يندي لها الجبين الإنساني، فلا تنشط الكتائب الإلكترونية ولا تضع في اعتبارها إلا عندما يصرخ أنصارهم.
اما الملاحظة الثانية وهي تخص هذا الفصيل تحديدا، والذي أشبع المملكة السعودية سبا وقدحا، عندما جاء سلمان الي القاهرة، وتزرعوا بمسألة الجزر، محاولين تويتر العلاقة بين الشعبين والنظامين، لكنهم اليوم انقلبوا وصاروا يساندون ال سعود، عندما اجتمعت مصلحتهم سويا في الملف السوري.
لاتزال بعض القوي والحركات في مصر موقفها غائم تنتظر الموقف الرسمي لنظام الحكم في مصر، حتي تتخذ موقفا مضادا منه، بعض النظر كانوا مع الحق او مع غيره، لكنهم يرغبون في التنغيص فقط نكاية في الرئيس ومن معه، بما يعني أن المواقف المبدئية تتنافس غالبا مع المصالح التي يكون لها الاعتبار الأول والاخير.