مقالات

د. محمد سيد احمد يكتب : خالد يوسف .. والبرلمان .. والمعارك الخاسرة !!

19 يوليو 2016 | 10:14 مساءً

خالد يوسف ليس مجرد فنان مصرى, لكن مثقف عضوى علي حد تعبير جرامشي, ذلك المثقف المنحاز لقضايا الجماهير, وهو أيضا المثقف الحقيقى على حد تعبير سارتر, ذلك المثقف الملتحم بالجماهير, والذى يبتعد خطوات عن السلطة الحاكمة, وبالتالى فهو مثقف لديه موقف ورؤية ومشروع جوهره هو تحقيق آمال وأحلام الفقراء والكادحين, ولقد استطاع خالد يوسف أن يوظف أدواته الفنية فى خدمة مشروعه الفكرى والاجتماعى, فجاءت أفلامه لتنتصر للفقراء والكادحين والمهمشين فى مواجهة سلطة حاكمة غاشمة تتبنى سياسات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية رأسمالية فاشية منحطة تساعد على اتساع الفجوة بين شرائح وفئات وطبقات المجتمع مما يؤدى الى استمرار عملية الفرز الاجتماعى, حيث الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقر.

 ومن هنا شكلت أفلامه مشروعا فكريا واعيا يسعى الى التغيير عبر عمليتى التنوير بالواقع المؤلم للفقراء والكادحين والمهمشين والتحريض على الثورة وعدم الخضوع والاستسلام للواقع المفروض فرضا على هذه الجماهير, لذلك لا عجب أن تتنبأ أفلامه بثورة 25 يناير, ولا عجب أيضا حين تجده فى مقدمة الصفوف بين الجماهير فى موجتى 25 يناير و30 يونيو, ولا عجب مرة ثالثة حين تجده ضمن لجنة الخمسين التى صاغت الدستور, ولا عجب أن تجده ضمن من ترك عمله وفنه ليتفرغ للعمل السياسي ويترشح للبرلمان ليكون أحد أدوات التشريع للفقراء والكادحين والمهمشين, ولينتصر لهم ويحقق آمالهم وأحلامهم فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وهنا مربط الفرس.

وبالطبع لم يكن خالد يوسف وحيدا ومنفردا فى موقفه ورؤيته ومشروعه المنحاز للفقراء والكادحين والمهمشين, لكن خالد هو أحد الكوادر لتيار رئيسي داخل النخبة المصرية, وعندما جاء موعد الاستحقاق التشريعي, كان هناك الكثيرون من هذا التيار قد عزموا على خوض الانتخابات وكانت مشكلة البعض ومنهم خالد أنهم قرروا خوض هذه المعركة دون النظر لقواعد اللعبة, وكان خلافنا معهم أنهم لن يستطيعوا أن يصنعوا تغييرا حقيقيا لأنهم وفقا لقواعد اللعبة القديمة سيكونوا أقلية داخل البرلمان ولم يتمكنوا من تمرير مشروعات تخدم الفقراء والكادحين والمهمشين الذين يخضون الانتخابات من أجلهم.

وفى هذا الصدد دار حوار بينى وبين خالد يوسف أثناء الانتخابات فى حضور أستاذه الدكتور محمد أبو العلا والذى كان قد قرر هو أيضا عدم خوض الانتخابات لعدم تغيير قواعد اللعبة التى ستمكن رجال مبارك وصبيانهم من مقاعد البرلمان, وساعتها قلت لخالد أن دورك من خلال فنك أفيد للجماهير من دخولك البرلمان, لأنك صنعت وعيا حقيقيا بضرورة التغيير والثورة عبر أفلامك, ولن تستطع تحقيق ذلك من خلال البرلمان الذى ستكون أغلبيته من النظام القديم, لكنه راهن على أنه ومن سينجحون معه من تيارنا الفكرى المنحاز للفقراء قادرون على صنع التغيير وكان تقديرى أنهم لن يتجاوزوا عشرة مقاعد وكان هو أكثر تفاؤلا وكان يعتقد أنهم سيحصلون على خمسين مقعد.

ونجح خالد ومعه عدد يقترب من توقعاتى, ورغم ذلك كان خالد مازال يعتقد أنه قادر هو ومن معه على تحقيق أحلام الفقراء فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وجاء البرلمان بأداء باهت وهزيل وفى بيان الحكومة الأخير وقف خالد يوسف متصديا لهم قائلا ” هناك ثورة قامت فى 25 يناير وكانت موجتها الأعظم فى 30 يونيو 2013 , وهناك دستور أقره الشعب المصرى فى 18 يناير 2014 , وأقسم بالله أن البرنامج لا يمت بصلة لا لدستور ولا نصوصه ولا روحه, ولا للثورة ومبادئها وأهدافها وروحها, هذا البرنامج لا يعرف شيئا عن الفلاح ومأساته ولا العامل ومعاناته ومراراته, ولا المرأة وحقوقها, ولا الشباب ولا المعاقين وحقوقهم, ولا يعرف شيئا عن قسوة المرض وقهر الفقر, ولا بأشواق المصريين فى دولة العدالة, ولا يمكن تسميته برنامج لأن الفكرة فيه غائبة والأولويات مرتبكة والخيال فقير وهو استنساخ ردئ لبرامج حكومات ما قبل الثورة. هناك معارك تخسرها وتشعر بالرضا لأنك خسرتها, وهذه المعركة أعلم أنى خاسرها, لكن أقول بكل فخر أنى أرفض برنامج الحكومة “.

وبالطبع كنت ومازالت متأكدا أن خالد يوسف ومن معه من نفس التيار المنحاز للفقراء سوف يخسرون كل معاركهم بحكم أنهم أقلية داخل البرلمان, وكنت ومازالت أرى أن خالد لو تفرغ لعمله الفنى لأفاد الفقراء والكادحين والمهمشين من خلال تركيزه على همومهم ومشكلاتهم والضغط بها على السلطة الحاكمة, هذا الى جانب تنوير الفقراء بحقوقهم وتحريضهم وتثويرهم من أجل المطالبة بها, لكن تظل تجربة خالد يوسف مهمة لضمان استمرارية خطه الفكرى الذى هو امتداد لتجربة خالد محي الدين منذ أكثر من أربعين عاما وعلينا جميعا أن نبدأ معركة تغيير قواعد اللعبة قبل المشاركة فيها, لكن على خالد يوسف الآن أن يعود سريعا لفنه لأنه يخوض من خلاله معارك رابحة وليترك المعارك الخاسرة لأنها لن تعود عليه وعلى الفقراء والكادحين والمهمشين بفائدة سواء شعر برضا أو عدم رضا, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

زر الذهاب إلى الأعلى