علاء طه يكتب : ما يريده المصريون مع عام جديد

علاء طه

كتبت روث ماركوس في جريدة "الواشنطن بوست" قبل أيام في مقال بعنوان "مرحبا بكم في رئاسة ما وراء الحقيقة" : "بالتأكيد ترامب ليس أول الرؤساء الكاذبين.. فقد سبق ان اشتهر رونارد ريجان باصراره علي تكرار قصص مبالغ فيها وبدا انه يخلط بين هوليود والواقع وسبق ان قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض لاري سبيكس: "إذا ما كررت القصة ذاتها خمس مرات تصبح حقيقية".
قصة كرر الكذبة خمس مرات تصبح حقيقة.. تراث سياسي عالمي عتيق.. في الغرب يتفهونها ولا يسقطون في ألاعيب السياسيين وفي الشرق نجهلها ونضرب أمامها "لخمة" فنصدقها ونوقرها.. يكذب الرؤساء والملوك فنطبل ونهلل.. ويكررون كذبة تالية فنضفي علي الحاكم صفة الصادق.. ويخلطون الكذب بالتكويش علي السلطات والخزائن فنصفه بالأمين.
إذا أقسم أحد علي الصدق فتأكد انه كاذب.. وإذا ألح علي انه أمين فثق انه لص مع مرتبة الشرف.. وحسب علمي لا يعرف السياسيون فضيلة الصدق في أي مكان ولا عصر بدعاوي عديدة اما الشعب غير جاهز للحقيقة أو مخافة أهل الشر أو تحسبا للمؤامرات الكونية.. يكررون الأكاذيب حتي يصدقونها.. لكن الأغرب يأتي عندما يطلبون منا تصديقها.
نخشي ان يغيب التنوع الثقافي ويختفي النقد الموضوعي الذي ينير للحاكم والحكومة الطريق وينبه للمطبات والحفر فتسقط ببلادة في أزمة تلو الأزمة.. وتنطفئ الأفكار الكبيرة وتشتعل الخواطر التافهة لنلقي بأموالنا وعرقنا بحرا وفي الصحراء دون حسابات أو دراسات ثم ننتظر السماء ان تساقط علينا ذهباً وفضة فلا تحدث المعجزة فنلجأ إلي صندوق النقد الدولي.
في الطريق إلي المؤسسات الدولية التي ترفع شعارات حرية التجارة والمعلومات والشفافية تبدو خبراتنا السياسية ضحلة في الجمع بين الحريات والعدالة الاجتماعية فتعود القاعدة سيئة السمعة "الخبز مقابل الحرية" ويأتي الضيف السمج الثقيل الذي يصرخ: "الاستقرار.. الاستقرار" والصندوق يعاني الدعم والوظائف الحكومية فتقدم له طلباته علي طبق من فضة برفع أسعار الوقود وتعويم الجنيه وتقليص في الدواوين الحكومية فيعطيك الصندوق المليارات وهو حريص علي إعادتها.. ويصرخ المواطنون كيف سنعيش في ظل هذه النيران من كل اتجاه لكن الشعب لم يخرج في مظاهرات ولا احتجاجات ويتحمل ويصبر.
الاصلاح الاقتصادي صعب وليس نزهة كما قال الرئيس لكن السكوت علي الغلاء ليس نوعا من الموافقة والقبول وهذه حكمة المصريين وعظمتهم الحقيقية يصبر علي الحكومات حتي يأتي بآخر ما لديها.. وعندما يضيق به الحال من الجدل مع أحد علي المقهي له "هات آخرك.. عاوز ايه؟".
وما يريده المصريون الآن مع بداية عام جديد عدالة في توزيع أعباء الإصلاح.. ان يتحمل الأغنياء بضرائب تصاعدية كما دفع الفقرء ضريبة مضافة حزمة دعم وبرامج اجتماعية للحماية من زيادة الأجور إلي الدعم التمويني الجاد في مقابل حزم دعم المستثمرين والمصدرين والمصنعين والأهم فتح المشاركة السياسية والاستمرار في تأكيد حرية التنوع الفكري والسياسي بحق حتي يستطيع الشعب الحياة بكرامة وآدمية.. وبدون ذلك يقول الشعب للحكومة "نشركم علي خدماتكم".
إن مبادئ مشاركة الأفكار الخاصة للمسئولين ارتجالياً دون النظر للحقائق في الشارع. أو التصور أن المشاعر أهم من الوقائع واهتمامات الناس. أو الإيمان بأن سحر الكلام قادر علي إيجاد حل للمشاكل الاقتصادية واليومية. هي مبادئ بالية وقديمة انتهت من العالم. ولم تعد لها قيمة أمام ثورة الاتصالات والمعلومات وقوة مواقع التواصل الاجتماعي.. وعلي من يؤمن بها ويثق فيها أن يري بنفسه سخرية المصريين بالنكات والتعليقات والكوميكس والصور علي ما يحدث في كل الأزمات اليومية المتتالية.. وبالتالي يستطيع المسئول المراوغة لبعض الوقت. أو التكتم هنيهة. لكن الحقائق تكون موجعة والنهايات كابوسية.
alaa1971_7@hotma