 (1).jpg)
د. إمام الجمسى يكتب : خطة لتنمية وتطوير الزراعة المصرية

عرفت مصر الزراعة قبل كل البشر، ووهبها النيل العظيم حضارة من صنع أبنائها، وكانت الزراعة قبيل ثورة يوليو 1952 هى المصدر الرئيسى للدخل القومى المصرى، يعمل بها معظم القوة العاملة المصرية، وكان القطن محصولها القومى، ويعد حصاد القمح عيداً يحتفل به، أمنت لأبناء مصر الغذاء والكساء، ولدولة مصر حصيلتها الرئيسية من النقد الأجنبى، وكانت الزراعة هى قاعدة للصناعات الزراعية المختلفة الغذائية وغير الغذائية، كما كانت سوقاً رائجة للمنتجات الصناعية التى تخدم الزراعة من آلات وأسمدة ومبيدات مما يمكنها من الاستمرار والنمو، وإذا كانت أوضاع الزراعة قد تغيرت ومساهمتها فى الاقتصاد القومى المصرى تتناقص، إلا أن وظائفها تظل كما هى لم ولن تتغير، ويمكن تنميتها وتطويرها والبناء عليها.
أ- التحديات التى تواجه الزراعة المصرية:
الذين يخططون لتنمية الزراعة فى مصر تواجههم مجموعة من الصعوبات والتحديات التى تجعل من التطوير والتنمية عمليات ليست سهلة ولا ميسرة، ومن أهم التحديات:
1- محدودية الموارد الزراعية الطبيعية من الأراضى والمياه، فهى لا تتعدى 8.5 مليون فدان، 55.5 مليار م3 من المياه العذبة حصة مصر فى مياه النيل، ولقد هبط متوسط نصيب الفرد من الأراضى الزراعية الى 0.1 فدان، ومن المياه الى تحت خط الفقر المائى.
2- سيادة الحيازات الصغيرة والقزمية فى هيكل الحيازات الزراعية، فنحو 90% من عدد الحيازات تقل عن 5 أفدنة- مما يجعل استخدام التكنولوجيات الزراعية الحديثة صعباً ومكلفاً.
3- انخفاض معدلات التنمية الزراعية الى أقل من 3% سنوياً، وهى نسبة ضئيلة لا تتناسب وطموحات الشعب المصرى.
4- التزايد المستمر فى كمية وقيمة الفجوة الغذائية (أكثر من 3 مليار جنيه)، واشتمالها على أهم سلع الغذاء فى مصر مثل القمح والذرة والزيوت والألبان واللحوم والأسماك وعدم وضوح سياسة تقليص أو إنهاء هذه الفجوة باعتبارها جزءاً من الأمن الغذائى والأمن القومى وضرورة للاطمئنان الإجتماعى.
5- ارتفاع نسب الفقد فى الحاصلات الزراعية، وبنسبة إجمالية لا تقل عن 25% وتصل فى الحبوب الى 15%، وفى الخضر 30%، وفى الفاكهة 25% وترتفع فى الطماطم الى أكثر من40%، وفى العنب الى 28%، وفى البطاطس الى 20%، ونسبة فقد 25% تعنى خسارة إنتاج نحو 2 مليون فدان، وهى خسارة كبيرة.
6- ضعف النظام التسويقى للسلع والمنتجات الزراعية سواء فى البنية الأساسية من طرق ووسائل نقل ووسائل تخزين وتخلف وسائل العرض ورداءة عمليتى التعبئة والتغليف، وعدم مواكبة عمليات البيع للتطورات العالمية الحديثة.
7- نظام ائتمان زراعى غير كفء وغير فعال أدى الى تعثر نسبة عالية من الفلاحين فى سداد قروضهم وتعرضهم للسجن والإهانة.
8- سياسة ظالمة لتوزيع الأراضى المستصلحة والجديدة، لا يستفيد منها المزارعون والزراعيون، ويغتنى منها الأغنياء والطفيليون الذين لا يقدمون للزراعة شيئاً.
9- عدم وجود مؤسسات قوية للفلاح المصرى رغم كونه هدف التنمية الزراعية وأداتها الرئيسية فى نفس الوقت.
10- تحقيق الأمن الغذائى لأعداد متزايدة من السكان، هى الآن أكثر من 80 مليون نسمة، ومن المتوقع أن تبلغ 90 مليون عام 2020، ونحو 100 مليون عام 2030.
11- انخفاض القدرة التنافسية للصادرات الزراعية فى الأسواق العالمية.
12- زيادة معدلات التعدى على الأراضى الزراعية.
ب- أهداف البرنامج:
1- رفع معدلات التنمية الزراعية الى 6% خلال السنوات الأربع الأولى ابتداء من عام 2013، والى 8% فى نهاية السنوات الأربع الثانية.
2- التركيز على مفهوم التنمية الزراعية المستدامة بالحفاظ على الموارد الزراعية الطبيعية وصيانتها وتنميتها لمصلحة الأجيال الجديدة.
3- زيادة نسب الاكتفاء الذاتى من الحاصلات الإستراتيجية الرئيسية مثل القمح والذرة والزيوت والألبان واللحوم والأسماك.
4- زيادة حجم وقيمة الصادرات الزراعية ورفع القدرة التنافسية لها فى الأسواق العالمية.
5- زيادة دخول المزارعين للمستوى الذى يليق، وبحد أدنى لا يقل عن الحد الأدنى للدخول فى القطاعات الأخرى، للحفاظ عليهم فى القطاع الزراعى وعدم هجرتهم الى الحضر أو الى أنشطة اقتصادية أخرى.
6- خلق وتدعيم المؤسسات العاملة فى القطاع الزراعى مع إيجاد آلية فعالة للتنسيق بين تلك المؤسسات.
ج- أدوات تحقيق أهداف البرنامج:
يؤمن واضعو هذا البرنامج بأن الفلاح المصرى والأرض الزراعية ومياه الرى والتكنولوجيا الزراعية هى أضلاع مربع التنمية الزراعية، وأن بذل الجهد فى تطوير هذه الأضلاع سوف يؤدى الى زيادة معدلات التنمية الزراعية فى إطار مناسب من التشريعات القانونية المحفزة، ولتحقيق أهداف البرنامج يمكن تبنى مجموعة أو حزم من الإجراءات أو السياسات أو المشروعات ومنها:
1- ضرورة العودة الى سياسة دعم المزارع المصرى وبما لا يتعارض مع اتفاقيات منظمة التجارة الدولية، وفى هذا الصدد يتبنى البرنامج شراء الحاصلات الزراعية الرئيسية من المزارعين بأسعار مشجعة تزيد عن الأسعار العالمية، والمساهمة بنسبة لا تقل عن 50% فى تكاليف إعداد الأرض للزراعة، وتمويل القروض الزراعية بسعر فائدة مدعم، وتحمل تكاليف تطهير الترع والمساقى والمصارف، وإمداد المزارعين بالتقاوى المنتقاة بأسعار منخفضة.
2- تدريب المزارعين على أنماط التكنولوجيا الحديثة فى الإنتاج وفى عمليات ما بعد الحصاد، وإيماناً بضرورة تطوير العنصر البشرى الفاعل فى التنمية ورفع كفاءته بما يتناسب والتطور العالمى.
3- وفى هذا الإطار فإن اهتماماً كبيراً يجب أن يوجه لقطاع الإرشاد الزراعى المسئول عن نقل نتائج البحوث والتكنولوجيا الحديثة الى المزارعين، بحيث يجد التمويل الكافى لتدريب أفراده، وتوفير الوسائل الضرورية لأداء دوره، وتشجيعه بالمكافآت والحوافز وبنسبة تتناسب مع ما يحدثه من زيادة فى الإنتاج.
4- توفير الميزانية الكافية لمركز البحوث الزراعية باعتبار أن عائد الاستثمار فى البحوث الزراعية هو الأعلى بين أوجه الاستثمار الأخرى لإيجاد تيار مستمر من الأصناف الجديدة عالية الإنتاجية، ومن السلالات الجديدة فى الإنتاج الحيوانى والداجنى، ومن الطرق الجديدة فى استخدام عناصر ومستلزمات الإنتاج الزراعى، ومن السياسات الاقتصادية السعرية والتسويقية والائتمانية والاستثمارية والتصديرية الى تجعل البيئة الاقتصادية جاهزة لنمو اقتصادى واعد وجاد ومناسب.
5- وبخصوص الأراضى الزراعية فإن الحفاظ عليها يجب أن يأخذ أولوية قصوى من خلال التوعية بخطورة التعدى عليها أو تحويلها لأنشطة غير زراعية تحت أى مسمى، وكذلك بالتشريعات المناسبة، وبتشكيل لجان شعبية داخل القرى لهذا الغرض، وبتكثيف برامج إعلامية متخصصة تخاطب كل المعنيين، وفى النهاية بوجود شرطة متخصصة ضد التعدى على هذا المورد الهام.
6- وبخصوص صيانة الأراضى الزراعية فسوف يكون هناك استبيان دورى للتربة ينفذ مرة كل خمس سنوات على الأقل لمتابعة التطورات الحادثة فى خصائص وخصوبة التربة وإجراء اللازم لرفع خصوبتها ورفع كفاءتها الإنتاجية على أسس علمية سليمة، مع الاهتمام بقضايا الصرف الزراعى.
7- وبخصوص تنمية المتاح من الأراضى الزراعية، فإنه يمكن تنفيذ برنامج طموح لاستصلاح واستزراع الأراضى تقوم به شركات الاستصلاح الحكومية لا يقل ناتجه عن 150 ألف فدان سنوياً، مع توفير التمويل اللازم له، على أن يرتبط التقدم فى البرنامج بالمتاح من مياه الرى.
8- وبخصوص مورد المياه، فينبغى أن تكون له الأولوية القصوى، فالمياه هى الحياة، وعلى كل المسئولين فى مصر، على كافة المستويات وفى كل القطاعات المساهمة بخطة مدروسة فى الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل فى الأمد القصير، على أن يبدأ العمل على زيادتها فى المدى الطويل بكل الطرق والأساليب الممكنة والقانونية للحفاظ على حقوق مصر المشروعة على أن يكون التعاون والتفاهم مع دول حوض النيل فى مقدمة تلك الأساليب بجانب غيرها من الأساليب.
9- كذلك ينبغى أن تبدأ مصر فوراً فى تطبيق الإستراتيجيات الموفرة لمياه الرى ومنها تغيرات ضرورية فى التركيب المحصولى، واستخدام أساليب التسوية بالليزر التى توفر 10% من الاحتياجات وترفع انتاجية الحاصلات لأكثر من 20%، على أن يتم تسوية 1/3 الأرض الزراعية سنوياً، وتبطين الترع والمساقى التى قد توفر نحو 30% من مياه الرى، وتربية أصناف الحاصلات قصيرة مدة المكث فى التربة، والزراعة فى المواعيد المناسبة، والتوسع فى نظم الرى المتطور من رش وتنقيط فى الأراضى المناسبة ولحاصلات بعينها. ووضع الحلول الهندسية العملية لعدم اهدار بعض المياه العذبة الضائعة فى البحر المتوسط.
10- وبخصوص استغلال الأراضى فإن البرنامج يتبنى إعطاء أولوية قصوى لسياسة التكامل الزراعى الصناعى عن طريق:
- ربط مساحة الحاصلات التصنيعية مثل القطن والكتان وقصب السكر وبنجر السكر والخضر والفاكهة بالقدرات التصنيعية المتاحة فى مصر أو بقدرات التصدير.
- أن يكون تصنيع مدخلات الإنتاج الزراعى من تقاوى أسمدة ومبيدات تحت إشراف القطاع الزراعى، ومن خلال خطط الاستغلال الزراعى الموضوعة.
- إدخال تكنولوجيا تصنيع المخلفات الزراعية الكبيرة لتحسين الاستفادة منها بعيداً عن العمليات التقليدية التى تضر بالبيئة وبصحة الإنسان والحيوان فى مصر.
- اهتمام خاص يجب أن يوجه لتصنيع معدات وأدوات الرى المتطور الحديث .
11- وفى إطار تحسين النظام التسويقى يتبنى البرنامج للأساليب التالية:
- تحسين كفاءة الطرق الريفية لخفض فاقد النقل عن طريق الميزانيات الحكومية.
- تحسين أساليب نقل المنتجات وإضافة المركبات المبردة الى أساطيل النقل ووضع برنامج تمويلى مناسب فى بنك التنمية والائتمان الزراعى.
- وضع برنامج قوى لإنشاء المخازن الحديثة لخفض فاقد التخزين.
- إنشاء سويقات وأسواق تجارة الجملة للسلع الزراعية فى القرى والمدن ومدها باحتياجاتها من أماكن التخزين والعرض والتبادل والتمويل وغيرها.
- توفير المعلومات الضرورية عن أسواق السلع، تكون الأسواق والسويقات أساساً لها، وتربط بشبكة معلومات خاصة ليتخذ المتعاملون فى الأسواق قراراتهم فى ضوء المعلومات الصحيحة.
12- وضع سياسة ائتمانية حديثة تقوم على مساعدة المزارعين ودعمهم، ويتبنى البرنامج ما يلى:
- وضع سقف لسعر الفائدة على القروض الزراعية على أن يكون السعر مدعماً.
- العودة الى نظام الضمان الجماعى بحيث تضمن الجمعية التعاونية أعضاءها عند الحصول على القروض، حتى لا يتعرض المزارعون لمخاطر رهن الأرض أو الحبس وخلافه.
- وضع حوافز ادخار مناسبة للمزارعين لتنمية ودائعهم تمهيداً لإنشاء بنك المزارعين أو بنك التعاون الزراعى، وبخصوصية منفردة لمساعدتهم على الاستثمار والتنمية بعيداً عن شروط ونظام البنك المركزى.
13- يتبنى البرنامج مشروعاً حيويا ً يتم تنفيذه خلال أربع سنوات مضمونة أن يكون كل مزارع فى مصر يمتلك على الأقل بقرة أو جاموسة حلابة فى إطار زيادة دخله النقدى، ينفذ من خلال الجمعيات التعاونية، على أن يكون هناك صندوق استثمارى لهذا الغرض، يتولى دفع مقدمات الحيوان، ويتم تقسيط باقى السعر ليدفع من عوائد بيع الألبان والولدات.
14- وفى إطار توفير البروتينات الحيوانية للمواطن، فإن الخطط التى يتبناها البرنامج ترتكز الى أولويات: الأسماك أولاً، والدواجن ثانياً، والأغنام والماعز ثالثاً، ثم القطعان الكبيرة رابعاً، توفيراً للوقت والجهد والاستثمارات.
15- تعديل سياسة توزيع الأراضى المستصلحة الجديدة، ويتضمن هذا التعديل تخصيص 70% على الأقل من هذه الأراضى لشباب الخريجين والمزارعين على أن تكون الأولوية لخريجة كليات الزراعة ومدارس الزراعة، ذوى الأصول الريفية، وللمزارعين المعدمين، وللذين أضيروا من السياسات السابقة، وإلغاء فكرة التوزيع بالمزادات، وتمليك المصريين فقط، وتطبيق سياسة حق الانتفاع للأجانب فقط ولمدة لا تزيد عن 25 سنة، وعدم إعطاء أى أراضى لأى أجنبى فى سيناء أو مطروح أو أى أراضى حدودية.
16- إعداد وتمويل برنامج الميكنة الصغيرة للحيازات الصغيرة، بتمويل ائتمانى بفائدة صغيرة أيضاً.
17- البدء بزراعة أشجار الوقود الحيوى (الجاتروفا والجوجوبا) فى مساحات لا تقل عن مليون فدان فى الأراضى المحيطة بمحطات معالجة الصرف الصحى، أى باستخدام مياه الصرف الصحى المعالجة وبواقع 100 ألف فدان سنوياً، واستغلال هذه المياه أيضاً فى زراعات الكتان وزهور القطف وغيرها، مع مراعاة قواعد الكود المصرى فى استغلالها.
18- وضع كل الوسائل الممكنة لإعادة القطن المصرى الى مكانته المميزة ويتضمن ذلك .
- إنشاء هيئة للقطن تتبنى رعايته من الزراعة حتى التصنيع والتصدير.
- إنشاء المصانع الملائمة لخصائص القطن المصرى مشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص حتى يتم ضمان تسويقه بأسعار مجزية.
- إقامة المعارض فى الداخل والخارج لتسويق منتجات القطن.
19- تبنى مشروع لخفض فاقد الإنتاج الزراعى الكلى من 25-30% الى النصف، وهو يعادل إضافة مليون فدان الى الأرض الزراعية، ويتضمن المشروع بالإضافة الى ما سبق فى تحسين النظام التسويقى، كل الأساليب الخاصة بتحسين معاملات ما بعد الحصاد، وخاصة التدريب والبنية الأساسية.
20- تشريع زراعى شامل وكامل يتضمن.
- قانون موحد جديد للزراعة.
- قانون جديد للتعاون الزراعى.
- قانون جديد لحماية الأراضى.
- قانون جديد للمؤسسات الزراعية وصلاحياتها.