
أسامة داود يكتب : أزمة "سيدبك" وعلاجها بالحماقة !

أسامة داود لقد ثبت كل ما كشفت عنه " طاقة نيوز " فيما يخص أسباب جريمة حريق شركة سيدي كرير لصناعة البتروكيماويات " سيدبك " وكنا قد انفردنا بنشر حقيقة عدم اتباع القائمين علي الشركة لأبسط قواعد الأمن الصناعي والسلامة المهنية ، وأن أجهزة الرصد والتحكم ومعالجة الخلل لم تعمل . ونقلت بعض المواقع الاليكترونة عنا ما كشفنا عنه . قلنا أنه لم يتم التعامل مع " العمرة السنوية " بموجب البروتوكولات المنظمة لها. من تنسيق وتدريب لاطقم العمل ،وإختبار كل الأجهزة والتجهيزات والمعدات والتعامل مع كل السيناريوهات . وتصبح الصدمة التي تتجاوز حدود حريق سيدبك ، الإجراء الذي تم التعامل مع الأزمة به ، وهو ما يفرض سؤال هام . هل هي الحماقة التي يتم التصرف بناء عليها ؟ ! . في البداية جاء تشكيل اللجنة وتضمنت عناصر هي بالفعل تتحمل النصيب الأكبر في المسؤلية عن الجريمة . قلنا هذا الكلام ، وكأننا الاعلم باحوال القطاع اكثر من الوزير نفسه! . وهنا يأتي السؤال ، لماذا اختار المهندس طارق الملا وزير البترول رئيس "سيدبك" المسئول الأول عن الواقعة وآخرون قد تنتفي عنهم شرط الحيادية أعضاء للجنة تحقيق في اكبر أزمة يتعرض لها قطاع البترول علي مدار تاريخه .. ثم يتبع هذا الاجراء بقرار يثير السخرية ، وهي عملية النقل التي طالت ثلاث مسؤولين بالشركة منهم رئيسها مما يضع خلف اجراء تشكيل اللجنة وقرار التغييرات علامات استفهام . فإجراء التنقلات ليست عقوبات ولكنها نوعا من التوبيخ علي طريقة فرك الأذن للصغار !! . لكنها لن تكون نوعا من التهدئة علي الاقل لحالة الغضب التي أصابت العاملين بالشركة ، وذلك لشعورهم بجرح عميق لخلل لم يرتكبونه . بينما كان من الاجدي بالوزير أن يضع معايير لاختيار رؤساء الشركات منذ البداية . ولكن علي ما يبدو أن الوزير لم يكن مقتنعاً أن رئيس الشركة مرتكبا لخطأ ، والا ما كان قام بإختياره عضواً باللجنة التي شكلت للكشف عن ملابسات الحادث وتحديد التلفيات . ان توصيف الحادث بالاهمال الذي جاء في بيان الوزارة ، هو بمثابة الالتفاف علي واقع مؤلم يمر به قطاع البترول والذي كان في الماضي يشترك مع القوات المسلحة في عنصريين هما الانضباط ، والالتزام لاقصي درجة بمعايير السلامة والصحة المهنية ، بالاضافة الي الالتزام بالتدريب في التعامل مع كل الحوادث مما يجعل وقوع اي حادث يأتي في مرتبة المستحيل . وحتي ان وقع يكون التعامل معه باعلي درجات الاحتراف مما يقلل من اثاره السلبية . الخلل والاهمال ومع تحليل الحادث والذي بدأ بالتسرب ، نكتشف انه لم يكن هناك أي نوع من التعامل معه ولو بصورة بدائية .. فقد تم التسريب دون أن يتحرك احد ، واستغرق وقتا، والوقت هنا يقاس في مثل تلك الحوادث بالثانية ، ولكنها تجاوزت الزمان والمكان .. فأخذت الغازات السائلة تتسلل .. ربما ارتدت طاقية الاخفاء حتي عن أجهزة الرصد والتي لم تلتقطها !!. والا لو كانت التقتطها ولم يتم التعامل معها لاصبح هناك فعل فاعل مع سبق الاصرار !. لقد مر غاز البروبان الثقيل المتسرب عبر عشرات المراحل دون ان يصل الي علم أحد هذا الخطر ،وفي النهاية يجتمع مع نيران اللحام ليتحول الموقع الي جهنم وفي لحظة واحدة وليست بالطبع لحظات . وكأي حادث في مصر المحروسة لم يكن من بين الضحايا سوي عمال فقراء بؤساء ساقهم حظهم العاثر لأن يكونوا ضحايا لخلل في منظومة عمل بسبب ضعف العناصر القيادية . وأكاد اجزم بأنها ليست المرة الأولي التي يكون هناك خلل بالشركة لان حكمة الله دائما تجعل رحمته وسترة بالإنسان تتكرر مرات .. حتي يظن السفهاء انهم ابعد ما يكونوا عن أن يصابوا بنتاج أعمالهم .. وكانت الطامة ولن اقول الكبري .. ولولا ان الغلبة كانت لستر الله سبحانه وتعالي لكانت هناك كارثة تهدد المنطقة الصناعية البترولية والتي بها من المستودعات الكروية المملؤة بغاز الايثان والبروبان ، ما يحيل الأمر إلي ما يشبه الانفجارات النووية !. لكن الخسارة الأكبر بجانب إصابة ٤٦ عامل من أبناء البسطاء الذين يعملون مع مقاولي الباطن ووفاة أحدهم بجانب سبعة من العاملين لازالوا في حالة خطيرة . وملايين الدولارات التي خسرتها مصر نتيجة التلفيات والتأثير علي سمعة الشركة عالميا . إلا أن الخسارة الأكبر اننا نحاول أن نعالج الموضوع بحركة تنقلات كما قلت نوعا من التهدئة واعطاء الضمير جرعة مخدرة . انني اضع أمام الخبراء عددا من الأسئلة وفي حلقي غصة وعلي اللسان مرارة ، اليس هناك تأثير بسبب هذا الحادث علي سمعة الشركة عالميا ؟ الم يحدث تأثير علي صادرات الشركة خاصة وأن الدول التي تستورد منتجات سيدي كرير أو غيرها يتطلب وجود تقييم لأداء الشركة والحوادث التي وقعت بها ونتائجها والاصابات التي تعرض لها الأفراد والمعدات ؟. العالم يضع محاذير في استيراد اي سلعة أو منتج مهما كان جودته طالما أن الشركة لم يراعي فيها معايير السلامة والصحة المهنية فمن يتحمل تكاليف اهتزاز سمعة "سيدبك" ؟ . هل عملية التنقلات التي تمت تمثل العقوبة اللازمة لعلاج الخلل ؟ ، ام هناك العديد من القيادات علي مستوي القابضة للبتروكيماويات من يجب ان يخضعوا ايضا للحساب لانشغالهم بامور أخري عن متابعة شركاتهم التابعة وما يحدث بها ؟. من الذاكرة ولمن لا يعرف سيدبك وقدرها أقول ، لقد رجعت بي الذاكرة خلال نهاية العقد الماضي عندما انهارت اسعار البتروكيماويات . وفوجءنا بشركة سابك السعودية أكبر شركة بتروكيماويات في العالم تسعي لشراء سيدبك . كانت الحكومة في ذلك الوقت تبارك تلك الصفقة خاصة الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية وتلميذه النجيب الدكتور محمود محي الدين وزير الاستثمار في ذلك الوقت . واصاب العاملين ونحن حالة من الحزن و بدورنا لم نصمت وكشفنا عن المخطط صحفيا . لان سابك كانت في ذلك الوقت قد أغلقت عددا من مصانعها في أنحاء العالم ودفعت مليارات الدولارات تعويضا للعاملين .وتساءلوا كيف بشركة تغلق مصانع بينما تسعي لشراء شركة مصرية وكان السبب انها تغلق في اوربا لتقليل خسائرها ، بينما في مصر لتعود بعد انتهاء الأزمة المالية العالمية الي موقع الصدارة والاحتكار وليرتهن الاقتصاد المصري بمدي رضي الشقيق السعودي !. ودافعنا زملائي وانا ومن خلال حملات صحفية عن سيدبك كما دافعنا عن ميدور واموك لمحاولة الأمراء العرب في السيطرة علينا لشراءهم وبهدف التحكم في الاقتصاد المصري من خلال الصناعات الحيوية التي تحقق لنا نوعا من الاستقلال . والان اكرر أن جريمة الخلل الذي تجاوز الإهمال في سيدبك ،يجب أن تدفع من بيدهم الأمر و في الدولة لتنحية المصالح الشخصية جانبا ، وان تنتدب الخبراء واللجان المتخصصة للوقوف علي كل تفاصيل الجريمة ، وأن يتم دراستها لكشف أوجه الخلل وتدريسها داخل كل شركات القطاع وحتي لا يتكرر نفس السيناريو مرة اخري . والحكمة تقول إن الاذكياء يتعلمون من أخطاء الغير ، بينما الاغبياء يتعلمون من أخطاء هم ... وكل ما أخشاه أن نكون من الحمقي الذين لا يتعلمون من أخطاء الآخرين ، ولا حتي من أخطاءهم!.