أسامة داود يكتب : على عرفات الله

أسامة داود

يوم التروية علي ما فيه من بركات وخيرات ، ليس الا يوما للاستعداد للعرس الاكبر وهو يوم عرفات . وما ادراك ما يوم عرفات قبل فجر هذا اليوم كان الاستعداد لصلاة الفجر مع التلبية . وكان التضرع وقت السحر بالدعاء والتوسل لله الغفور الرحيم برجاء ترتفع بها الاكف ، وتتطلع العيون الي السماء والالسنة رطبة بالذكر والرجاء ، كانت تباشير صباح هذا اليوم ترسل نسمات رطبه تغلف النفوس المبتهجة بعطر شفاف لا تشم رائحته الانوف بينما تغتسل بها الارواح والنفوس . انطلقنا وسط امواج من الارواح تحملها اجساد تكاد من فرط السعادة أن تطير ، التلبية تملأ الفضاء كان الشوق قد بلغ مبلغه بكل النفوس إننا في الاتجاه الي عرفات ،أكثر من 10 كيلو مترات , نقطعها علي الاقدام ، هناك طرق للمركبات لمن يرغب بعضها بالمجان , لكننا نسير رغبة في ان نعطر اقدمنا وارواحنا بعبق طريق وطأته اقدام النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته وآله رضي الله عنهم أجمعين . سرنا نقتدي بسنة الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم . هانحن نتجاوز مني مرورا بمزدلفة غير متوقفين بها , نقطع الخطوات , كانت الشمس تعلو في السماء رويدا رويدا حرارة الجو ليس لها تأثير مع نسمات تهدهد الارواح ، مع ارتفاع الشمس كانت تتحول ذرات العرق المختلطة وغبار الطريق الي جهاد للنفس وتركا للنفيس . كنا نسير جميعا ، وعلي اختلاف الالوان والالسنة " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".متوحدين في النداء والرجاء مشاهد تتكرر ونحن في الطريق الي عرفات ، هناك كفيف يتأبط ذراع الاخر ، وهناك كسيح فوق كرسي يدفعه أخر ، وهناك عجوز يتوكأ علي عصاه ..وغيرها من مشاهد في رحلة أعظم يوم سطعت فيه الشمس . ساعات اقتطعنا فيها المسافة كانت عرفات أشبه بخيمة بيضاء مكتسية بأرواح تحملها أجساد ، نفوس تركت الدنيا خلفها ، قلوب بعرش الرحمن معلقة ، عيون الي السماء والي وجه الرحمن متطلعة ، وأيدي بالدعاء متضرعة . انها ملايين من البشر تحفها الملائكة ويرعاها الله . في ساحة مسجد نمرة بعرفات افترشنا الارض وجلسنا .. الجميع في ذكر وشكر وتلبية ودعاء ورجاء وتلاوة للقرآن . كانت الدنيا خلفنا الاهل والولد والمال وكل شيئ كنت ابكي خوفا فأتذكر قوله تعالى: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } كانت ساعات تخللتها خطبة عرفات وبعد صلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا ، اتجهنا الي جبل الرحمة والصخرة التي وطأتها قدم الرسول صلي الله عليه وسلم . أكثر من الف وأربعمائة عام منذ حجة الوداع كنت أستن سنة الرسول بالوصول اليها ، وهناك ما أجمل هذا المشهد لقد اكتسي جبل الرحمة بلباس أبيض من انفس جاءت من بلاد بعيدة بذنوب كثيرة تبتغي المغفرة وتتطلع وبرجاء ونداء وقلوب ان يشملهم الله بوعده(من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). ما أكرمك يا الله ، ما أرحمك . كانت الساعات تمر كلحظات كل الالسنة تلهج بالدعاء . مع الغروب كان الاجتهاد يتزايد والتقرب يتضاعف والنداء يعلو والالسنة بكل اللغات تبتهل وترجو .   لحظات تتجمع فيها الملايين من كل اقطار العالم ليس هناك كره أو حقد أو غبن ، ليس هناك غرور أو تكبر .. الجميع في رحاب الله ومعيته الي المغفرة يتطلع . الكل يرتدي لباس ليس فيه من متاع الدنيا شيئا . ليس في النفوس الا الرجاء ، نفوس لو بقيت علي ما هي به لأصبحت الدنيا جنة . كانت الشمس تميل نحو الغروب بينما يتسارع معها الرجاء والدعاء هنا وكأن الجميع يريد ان يوقف عقارب الزمن ، ولو للحظات حتي نغترف منها الرحمة والغفران . ومع غروب الشمس كانت النفرة ، انطلقنا ملبيين الي مزدلفة ملبيين ، وبعد ساعات قليلة وصلنا اليها لنصلي المغرب والعشاء قصرا وجمعا ، وبعدها افترشنا الارض والتحفنا السماء وتوسدنا اكفنا وحتي قبل صلاة الفجر . لقد عدنا ان شاء الله من عرفات وبإذنه تعاليكما ولدتنا أمهاتنا . ثم الطريق الي مني غدا ان شاء الله في الطريق الي مني كان التكبير يعلو قبل لحظات من رمي جمرة العقبة وهي سبع حصيات ثم نتحول من التلبية الي التكبير والتهليل الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا