أسامة داود يكتب عن : انفصال الروح عن الجسد..

أسامة داود

ليلة الثامن من ذي الحجة ليلة عرس .. قلبي يملؤه البهجة . فرحة غامرة تملأ قلبي أنا في جوار الحرم ..انا في حضن بيت الله الحرام انظر اليه ارقبه ..يملؤ قلبي ايمان خالص لله الواحد الاحد كانت ساعات نومي تبدأ ما بعد العشاء وحتي الثانية قبل الفجر اجهز حالي وانطلق الي المسجد في صحن البيت الحرام حيث يطوف الاف الوافدين لاداء فريضة الحج طواف القدوم استعدادا للانطلاق بعد صلاة الفجر وشروق يوم 8 ذو الحجة الي مني وقد سمي يوم التروية بهذا الاسم؛ حسبما ورد ، لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام رأى في منامه ذبح ابنه في تلك الليلة، وأصبح يروي ويقول أهو أمر من الله تعالى أم حلم؟ وقد قيل أيضاً إنّ سبب تسميته بهذا الاسم، لأن حجاج بيت الله كانوا يرتوون من الماء فيه ويتدبرون احتياجاتهم منه يوم عرفات ..  بعد صلاة الفجر أبدأ بالاحرام مرتديا وبالنداء ملبيا " لبيك اللهم حجا " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". كان الانطلاق بلباس الاحرام حاملا بعضا من الزاد وضروريات يومي مني وعرفات في حقيبتي . أنطلق مع التلبية كأريج يعطر الهواء ، نتجرد من كل مطامع ومطامح ورغبة دنيوية ، نرجو رحمة الله نقر بذنوبنا ، نرجو مغفرته ، تغمرنا رحمة الله الرحمن الرحيم .. ما اجمل تلك اللحظة ، هي لحظات وساعات لو بقيت في وصفها ووصف تلك الشحنة الايمانية ما استطعت الوصول الي توصيفها ، التوصيف الذي يعادلها ، هي نداء ورجاء وتجرد وخروج من الدنيا بمفهومها المادي . هي الانطلاق نحو افق ارحب واوسع ملايين المرات من الدنيا وما فيها ،تشعر وسط الملايين الملبية بلباسها الابيض الذي يحيل كل شيئ الي نور من فرط الرضي والسعادة والبهجة والنعيم أرواح تنفصل عن الاجساد ، وتحلق في الفضاء الرحب الفسيح ، امواج البشرالهادر لا تشعر بينهم بغبن او كره وكأنها منظومة من الجزئيات تسير وفق القانون الالهي ، انها مشاعر مفعمة بالرضا والطمأنينة ، انها مشاعر ربما يتخيلها من لم يكتب له الحج . ولكن شتان بين التخيل وبين ان تحياها ، نوعا من المشاعر الجياشة التي تجعلك شيئا اخر اننا متجردين من كل متاع الدنيا الامن الطمع في ان يتقبل الله التوبة والمغفرة ، مقبلين بلباس لا يواري منا الا سوئتنا . كنت وكنا كالاجنة تدفعها ارادة الله للخروج من بطون امهاتها . ما اجمل ان تؤدي الصلاة في مني  قصرا دون الجمع بين صلاتين ، كل  فرد في وقته تتخللها ساعات من الذكر والدعاء , وقراءة القرآن الكريم المبيت بمنى ليلة الصعود الي عرفات شوقا جديد يضاف الي الشوق ليلة الخروج الي التروية . افترشنا الارض والتحفنا السماء ، وتوسدنا اكفنا بعد ان ادينا صلاة الوتر .. كانت ساعات نخلد فيها للنوم نوما لحظاته تعادل ساعات في اوقات اخري ، انها الفرحة والبهجة والسعادة التي يعيشها الطفل ليلة العيد ، والمشتاق بلقاء الحبيب بعد طول انتظار . ساعات ربما يصعب علي الانسان نسيانها . ساعات من الفرحة من الامل من الحب من الرضا من البهجة من كل شيئ تعجز الالسنة عن التعبير عنه والقلوب عن الاتساع لها الا في مثل هذا الموضع . آآآآآآه ..اقولها وكلي شوق .. انني اعيش الان هنا بجسدي بينما قد غادرتني روحي الي هناك الي حشود وامواج من بشر مختلف الالسنة والالوان والجنسيات والسياسات امواج تذوب فيه كل الخلافات . لا غني ولا فقر ولا عنصرية ولا عبيد ولا سادة الكل في رحاب الله سواسية ، الكل يرجو رحمة ربه تنسال الدموع علي الخدود ولا تغادر الالسنة ذكر ودعاء ونداء ورجاء ، الايدي تشد بعضها بعضا والاجساد تتلاحم من شدة الزحام بينما القلوب معلقة مع الارواح في ملكوت الله . اللهم ارزق كل من قال لا اله الا الله محمدا رسول الله حجا مبرورا وذنبا مغفوراً. ويوم التروية علي ما فيه من بركات وخيرات ، ليس الا يوما للاستعداد للعرس الاكبر يوم عرفة . وما ادراك ما يوم عرفة . وهو ما احكي عن ذكرياتي معه غدا ان شاء الله .