 (1).jpg)
حنان فكرى تكتب : الغوطة

واشنطن وموسكو .. غليان الإنتهازية فوق الحريق السورى
لماذا تبقى الجبهات باردة بين نظام بشار وداعش بينما تشتعل مع المعارضة؟
هل تفرض موسكو وجودها فى المنطقة على أشلاء اهالى الغوطة؟
الدُب الروسى يضع قدميه فى الشرق الأوسط راغباً فى استعادة المجد الضائع، ووهم القوة الأحادية العظمى فى العالم، حتى لو كان ذلك على أشلاء الشعب السورى، وموسكو تدافع عن بشار الأسد ونظامه باستماتة، وتضع يدها فى يد إيران، وتُنكر استهداف المدنيين، وتُنكر استخدام السلاح الكيماوى وغاز الكلور فى الغوطة الشرقية بريف دمشق بالعاصمة السورية، والتى يسيطر عليها مُسلحى المعارضة، ولأن نفى النفى إثبات،كما إن الإنكار غير المبنى على تحقيقات موسعة، يثير الشبهات بقوة حول مدى استفادة روسيا من دفاعها المستميت عن المجزرة التى يرتكبها بشار باستهدافه للمدنيين هناك، فإن ما يجرى لا يخرج عن كونه استمراراً لإثبات وتأمين الدور الذى تقتنصه، لتقدم نفسها بديلاً ومنقذاً من الفخاخ الإنتهازية للوحش الأمريكى،ملقية فى وجهه الإتهامات التى تتقدم وتتراجع - حسب المزاج السياسى- بتمويل وتدريب الإرهاب، فى سوريا وقطر والعراق، فتلتقطها امريكا لتعيد قذفها مرة أخرى فى وجه روسيا فى تعرية دولية متهمة إياها بالمشاركة مع بشار فى استخدام السلاح الكيماوى والتقدم للأمم المتحدة بطلب لفتح تحقيق فى الأمر ، الذى من حق روسيا ان تستخدم الفيتو ضده وتوقفه، وتبقى دماء الأبرياء رهن إشارة فيتو من سبابة الروس، أو وسطى الأمريكان.
وفى مفرمة الصراع الأمريكي الروسي على من له اليد العليا فى المنطقة، تمزق أهالى الغوطة الشرقية، والعالم ما زال غارقاً فى تفاصيل نصفها مُختلق، ولا يعلم أحد صحة النصف الآخر، فينحاز كلِ الى مصالحه وليس الى جانب الحق، فنظام بشار الذى يلقى حالياً منشورات تخاطب المدنيين وتحثهم على الخروج من الغوطة عبر ممرات إنسانية يدعى أنها آمنة، هو نفسه الذى قتل خمسمائة وستون نفس منهم قبل أيام، تحت دعوى محاربة الإرهاب، ويتناسى البعض أن من يمكنه القاء المنشورات يمكنه أيضاً القاء القنابل.
وبينما يهتف الدب الروسى ومؤيديه، بتامين نظام بشار خروج الأهالى، ويتهم المسلحين باحتجازهم واستخدامهم دروعاً بشرية لحمايتهم، يستطيع من يريد فقط إعمال العقل أن يتساءل،كيف ومتى يمكن ل 400 الف مدنى هم سكان الغوطة الشرقية أن يخرجوا تباعاً لممرات تتعرض للقصف مع بقية المنطقة لمدة 19 ساعة يومياً، والهدنة خمس ساعات فقط- حسب القرار الروسى لفرض الهدنة- كم يتطلب الأمر من وقت لإخراج مئات الآلاف أو حتى العشرات منهم؟ وسط جحيم القصف من الطرفين" النظام ومُسلحي المُعارضة، وكم منهم يريد الفرار؟ وإذا فروا هل يرحمهم النظام السورى؟ و هو يعلم جيداً أن بينهم أهالى المسلحين؟ أم أن ما يجرى هو مجرد تمثيلية هزلية من القوات السورية مدعومة بالقوات الروسية لغسل الأيادى من دماء الأبرياء أمام العالم حتى لا تظل مُدانة؟ وتصطدم بالرأى العام العالمى؟والمؤسف ان حتى التمثيلية لم تعد مقنعة، ولا كافية لدرء الخطر الأمريكى بعيداً عن تطلعات موسكو، لأن النتيجة الوحيدة التى جنتها موسكو من دعمها لبشار هو قفز الوحش الأمريكى للمشهد مقدماً نفسه حامى حمى الإنسانية من جديد!! رغم أصابع الاتهام التى تشير اليه طول الوقت بانه من زرع الإرهاب فى المنطقة. لكن دوائر المصلحة لا تنتهى عند نقطة، والفرصة التى منحها له تحالف روسيا مع سوريا ذهبية المظهر، دموية الجوهر.
إذا كان النظام السورى ومعه الحليف الروسى جادين فى انقاذ المدنيين لأوقفا الحصار، ومكنا فرق الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من الدخول لتقديم العلاج للجرحى، وتأمين المساعدات للمحتاجين الذين مات منهم البعض جوعاً، فلا يمكن ان تتخذ المعارضة المسلحة من نصف مليون مدنى دروعاً بشرية إلا إذا كان ذلك برضا القسم الأكبر منهم على الأقل، خاصة و أن أعداد المُسلحين لا تتعدى 12 الف مُسلح، داخل الغوطة التى لا تتعدى مساحتها 110 كم مربع، وحتى إذا سلمنا بأن المُسلحين يستخدمون النساء والأطفال "دروعا بشرية". والبعض يفلت منهم فلماذا يواجه الفارون عبر الممرات طلقات القناصة والألغام الأرضية والقصف والإعتداء اللفظي والجسدي والاحتجاز، والتفتيش المُهين والضرب؟
كما ان إعلان روسيا عن هدنة لخمس ساعات يومية، بعد يومين من اعتماد مجلس الأمن الدولي قرار "2401" - الذي يتضمن وقفا شاملا لإطلاق النار لثلاثين يوما في سوريا وفك حصار النظام عن اهالى الغوطة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والسماح بإجلاء المرضى والمصابين فقط دون قيد أو شرط- يُعرى الموقف الروسى ويضعه امام مسؤولية تاريخية، كشريك فى قتل الأبرياء، لان خمس ساعات أصلاً لا تكفى لدخول قوافل الإغاثة التى يجب استيقافها عند نقاط التفتيش، وتفريغ حمولاتها، وتفتيشها ثم اعادتها الى القوافل، وتمريرها، كيف يمكن ان تدخل القوافل وتخرج خلال خمس ساعات،ألا يبدو ذلك تعجيزاً متعمد، ومنعاً مُقَنَعاً، لا نبالغ إن وصفناها بحرب الإبادة الجماعية؟ يواجهها العالم بمدفعية الصمت العاجز أمام المصالح، إبادة سقط فيها منذ تاريخ 19فبراير حتى تاريخ 27فبراير الفين مصاب منهم من الرجال 1000و 600 من نساء، و 500أطفال أما القتلى فعددهم خمسمائة وستون منهم 107 من الأطفال، و76 من النساء و377 من الرجال، هذه الإحصائية طبقاً لآخر تحديث وصلنى من الإعلامى السورى الموجود فى الغوطة عمار الحسن.
والعجيب أن الحرب تشتعل بين النظام والمعارضة فى الغوطة- ريف دمشق- فيما تظل باردة بينه وبين تنظيم داعش الإرهابى منذ أواخر العام 2014 على أجزاء واسعة من جنوب دمشق، ومخيم اليرموك وخرج تماماً من الغوطة ؟ الا يثير ذلك الدهشة؟ أيهما اولى بالقتال؟ المعارضة أم الإرهابيين؟ ام ان التحالف السورى الروسى الإيرانى لا يقوى على الدواعش فيقاتل من يتمكن من غلبتهم، أم ان داعش قتال مؤجل لغرض ما؟ أم أن امريكا وروسيا يستخدمون الوجود الداعشى فى الشرق الأوسط لتحقيق مكاسبهم.؟
ألا يثير الدهشة إعلان كل فصائل المعارضة فى الغوطة و التى تضم 12 الف مُسلح ليس بينهم دواعش، استعدادها لاخراج ما يتبقى من عناصر لجبهة النصرة وعددها 200 عنصر فقط،- جبهة النصرة، تحالفت مع القاعدة وكونا جبهة اسمت نفسها ب"جبهة تحرير الشام" وهى منظمة ارهابية- فى خطوة لنفى أى علاقة بينهما وما زالت روسيا تصر على توصيف الموجودين داخل الغوطة بالارهابيين وتغض البصر عن المعارضة المسلحة التى تولت هى ذاتها تسيير الاتفاقات معها لتكوين قيادة وطنية فى سوريا؟
تلك المعارضة حضرت مؤتمر الأستانة، ومؤتمر جنيف، ووقع جيش الإسلام اتفاقية الُهدنة برعاية القاهرة، باعتباره الجناح العسكرى للثورة السورية، حيث جرى اتفاق الغوطة الأول بخفض العمليات العدائية في شهر يوليو ٢٠١٧، برعاية مصرية، وهو ما يعنى ان هناك اعتراف دولى بهذا الجناح ودخول فى مفاوضات، فمن أين جاءت ايران وروسيا بادعاء الحرب ضد الإرهاب فى الغوطة الشرقية؟ كان اولى بهما محاربة داعش فى مخيم اليرموك، واذا كانت روسيا ذاتها تدير تفاوضات باعتبارها وسيطاً بين النظام والمعارضة، لكنها وسيطاً غير نزيه. فهل تتوسط لدى الارهابيين؟! وهكذا تتضارب اداعاءاتها وتصرفاتها فى موقف الغةطة الشرقية، الذى كشف عن اضطراب حقيقى يصيب موسكو كلما ادانها الرأى العام العالمى و حقق ذلك مكسباً للأمريكان ، حتى إدعاء روسيا بأن المُسلحين هم من قاموا بالقصف و البدء بخرق الهدنة.!!هو أمر غير المنطقى فكيف يبُادر الطرف المُحاصر الجوعان، الجريح، الذى يضم مدنيين يتعرضون للدك، وهو يعلم جيداً ان رصاصة واحدة من طرفه سيكون مقابلها سيل من الصواريخ جواً وبراً ، تدمر أهالي الغوطة، وتدك ابنائها، فكيف يبدأ المُدافع بهجوم هو على يقين انه غير متكافىء؟!
لسنا فى معرض لتخطئة طرف على حساب طرف لآخر، ولا مع طرف ضد طرف، لكن صرخات الإنسانية التى تنتهك فوق التراب السورى تدعونا للوقوف أمام مرآة الضمير.وبعيداً عن التحالفات، والانتماءات، بعيداً عن السياسة والساسة، تمس مجزرة الغوطة فى سوريا، شيئاً ما تحت جلد الإنسانية، تهز عروش المصلحة، ولا يهتز للمستفيدين جفن، ولا أحد يسمع، ويبقى المدنيون دروعاً بشرية لكل مستفيد و انتهازى، عالقون فى منافى الدم، رهن الرُعب الروسى من الفشل وشهوة القوة الوحيدة،التى يتنافس مع أمريكا عليها، وتظل موسكو لا تعترف بالهزيمة فى معركة الإنسانية، والعالم يرى - صارخاً بلا حيلة - جثث الصغار تتناثر بعضها فوق التراب وبعضها تحت الركام، على مداخل الأزقة، وبوابات الملاجىء، قرباناً للدُب الروسى، الذى يحاول من خلال وجوده فى سوريا فرض تغييرات سياسية على المشهد العالمى وتقديم نفسه باعتباره القوة العظمى من جديد، بينما تندد امريكا التى ستغض البصر عن تلك الفظاعات فى أول محطة تلاقى مع مصالحها، وهكذا يمضى الغليان البطىء بين القوتين الأمريكية و الروسية فوق الحريق السورى، ووقوده حياة الأبرياء من المدنيين.