 (1).jpg)
حنان فكرى تكتب: رسالة إلى وزيرة البيئة..انفضى المنتفعين من حولك

حينما تقع عينيك على هذه السطور، تذكر أننا جميعاً متورطون فى عشق هذا الوطن، حينما تقرأها، نصيحتى اليك أن تقرأها بوجدان العاشق الملهوف على كل ذرة من تراب مصر، وكل نفس فى صدر طفل مصرى هو ذخيرة المستقبل الذى نتمناه، اقرأها بالغريزة الأبوية التى تقسو من اجل إستقامة المائل في أفعالنا، فهناك فى أركان الأرض الأربع جهود تبذلها مصر للمُضى قدماً، بعد مرحلة انتقالية عنيفة، وحتى ندعم تلك الجهود على كل منا ان يلعب دوره بعيداً عن الانتهازيين، واصحاب المصلحة الذين يصبون فى أذنَى الواحد منا، ما يتفق مع مصالحهم حتى لو كانت عاقبته خسارة وطنية.
بدأت الحكاية عندما استوقفتنى عدة تصريحات للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، تزامناً مع إصابتى بحساسية شديدة فى الجيوب الأنفية، والعين، بسبب استنشاق رائحة الأدخنة كل مساء، والتى لا انكر انها اقل نسبياً من العام الماضى، لكن النتيجة واحدة انها الحساسية.
طالعت ما ظلت تؤكده عبر تصريحاتها، وبغير وعى أو عمد وجدتنى أقارنه مع وزراء سابقين، إذ أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، خلال كلمتها بالمؤتمر الصحفى المنعقد بمصنع قادر التابع للهيئة العربية للتصنيع،مؤخراً أن:" الوزارة تعمل خلال تلك الفترة على عدة محاور لتحافظ على مستوى الأداء وكأن السحابة السوداء موجودة طوال العام، وكان نتيجة ذلك أنه المواطن لم يشعر بأية حالات اختناق خلال هذا العام!!"
صدمتنى الثقة التى قفزت عبر الحروف عن شعور المواطن بعدم الإختناق وانا الذى كدت إختنق قبل أسبوع، ومن الذى يتحدث، إنها المسؤولة عن حالة البيئة فى مصر، تتحدث عن تراجع حالات الإختناق خلال موسم السحابة السوداء بلا الأرقام، فكل ما ورد فى هذا الصدد من وزارة البيئة غير مُحصن بإحصائيات أو أرقام تُظهر العدد الحقيقى لشكاوى المواطنين أو لحالات الإختناق الواردة الى المستشفيات العامة والخاصة، أو المراكز الطبية الصغيرة، ولا عن الشكاوى من التهابات العين والجيوب الأنفية والأمراض الربوية المرتبطة باستنشاق الأدخنة الناتجة عن الحرق. لم نسمع اية أرقام مثل كل الأعوام الماضية.، فعلى مدار عشرين عاماً، تابعت فيها ملف البيئة، كان من اليسير علىَ ملاحظة اجتهاد الوزراء المتعاقبون، فى مواجهة السحابة السوداء، عبر سيل من الأخبار المُحصنة بالأرقام والنسب، وصور المحاضر، وأسماء المحافظات،إنطلاقا من الشفافية، ولا يمكن أن يُنسب النجاح لأحدهم منفرداً ولا الفشل أيضاً. لذلك أتعجب من تفريغ أخبار السحابة السوداء، من المعلومات العلمية،ومن مضمونها الرادع عبر الاعلان عن الأرقام الحقيقية للمحاضر المحررة للمخالفين، وغيرها من الأخبار المنشورة على موقع وزارة البيئة وبالتالى المُرسلة للصحفيين المسؤولين عن الملف، عن السحابة السوداء.
لا أتطرق الى موضوع الشفافية من فراغ، وإنما بالرجوع الى عدد من الأخبار التى عولجت بسطحية من قبل وزارة البيئة، حيث نشرت وكالة أنباء الشرق الأوسط فى الرابع من أكتوبر الماضى- أى بالتزامن مع تصريحات الوزيرة التى تقول فيها أن حرق قش الأرز تراجع بنسبة 90%- يقول الخبر الوارد على الوكالة الرسمية للدولة أن الفرع الإقليمي لجهاز شؤون البيئة بالبحيرة تمكن من السيطرة على الحريق الهائل الذي شب بأكوام قش الأرز بدمنهور، وذلك بعد ورود بلاغ يفيد برصد حريق هائل بكميات كبيرة من قش الأرز تم تشوينها أسفل الكوبري الدولي أمام عزبة دهشور بمدخل الكوبري العلوي بدمنهور في البحيرة.واقتصر بيان الوزارة – كالمعتاد- فى أن الوزيرة الدكتورة ياسمين فؤاد أصدرت توجيهاتها بسرعة إتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على الحريق!!
ومن قبل هذا الخبر غطت سحابة سوداء، قرية البصارطة، التابعة لمركز دمياط، بسبب إشعال عدد من المزارعين النيران في قش الأرز لمدة يومين متتاليين، بينما سادت حالة من الاستياء بين أهالي القرية، وسط مطالبات بتكثيف الحملات لمواجهة الظاهرة، وغيرها من الحالات التى اصيبت بحساسية الصدر ولم تذهب الى المستشفى، صار الناس بلا صحة ولا مال، ولا عون فى مواجهة الغلاء والوباء و البلاء ولا احد ينصت.
كنت اتصور ان وزيرة إمرأة وشابة، ستأتى بفكر مختلف فى إدراة المنظومة الإعلامية فى وزارتها، ولكن وقد جئتى يا سيادة الوزيرة بنهج يغلب عليه الطابع الكلاسيكى الذى يقُدس المسؤول، لحين رحيله، ثم ينفى كل اتباعه، ومساعديه، ويبدأ من جديد، أو ينفى كل السلبيات تحت دعوى نشر الإيجابيات، فاعلمى ان هذه الطريقة لا تفلح مع الأمور العلمية التى تتشابك مع كبرى منظمات العالم..
وما أثير من اعتراض على تقرير مجلة "فوربس"، حول أن القاهرة تتصدر قائمة المدن الأكثر تلوثا فى العالم من حيث الضوضاء والهواء، وكأن "فوربس" تتعمد تشويه هواء مصر، كان رد فعل غير موفق من الوزيرة التى اشعلت "فوربس" غضبها، فقالت أن التقرير لم يوضح مصدر البيانات التى حصل عليها أو الدراسات التى اعتمد عليها، واضافت أن وزارة البيئة تعتمد على مؤشرات دولية، كما أصدرت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الجسيمات العالقة التى من المفروض أن يتم قياس نسبة تلوث الهواء عليها، فى حين أن التقرير تناول واحدة منها فقط، ولم يتطرق إلى الباقى.
وبالرغم من ان المعلوم عن تلك التقارير انها صدرت عن منظمة الصحة العالمية اكثر من مرة والمعلومة وردت اكثر من مرة بها، وكانت الدكتورة ياسمين فؤاد تعمل فى وزارة البيئة، وتعلم جيداً انه ما من وزير خرج وكذب المعلومة، وهنا يجب ان نسأل الوزيرة اى مؤشر تعتمدين فى الدفاع عن هواء القاهرة، هل مؤشر عدم ضرب السياحة، أم مؤشر ان فوربس تتبع الاخوان؟!
يا سيادة الوزيرة تلك التقارير، والمعلومات عن تَصُدر القاهرة قائمة المُدن الأكثر تلويثاً، تتردد منذ أن التحقتُ ببلاط صاحبة الجلالة أى منذ عشرين عاماً، ليست مؤامرة كونية ضدك، ولا محاولة تخريبية للسياحة فى مصر، انها وقائع تحتاج المواجهة، عليك ان تتجولى فى المناطق الضيقة التى تخرج فيها "التكاتك" من كل فج عميق، فتجدينها فى وجهك أينما تذهبين تضرب الطين و الماء والتراب لتلقيه فى وجه البشر، والسيارات المحُملة بمواد البناء تضعها على قارعة الطريق بلا حساب، واصحاب "الكارو" الذين يتجولون حاملين مخلفات المبانى، و"شاكمانات" اتوبيسات النقل العام التى تدفعك الى القىء قبل أن تلحقى بسلم الأتوبيس. وأدخنة الورش والمصانع، ومحال الشواء ومقاهى الشيشة، وآلاف المداخن التى تخترق عقارات المدينة من محال الشواء.
القاهرة لا تقف عند حدود المعادى يا سيادة الوزيرة، واثبات الولاءات لا يأتى على حساب صحة الملايين، من سوء الطالع أننى عاصرتُ ستة وزراء للبيئة، ولم يظهر أحدهم ليكذب المعلومة، وهو ما يضعنى الآن فى هذا الموقف كما لو كنت اتحدى رأيك، بينما الحق اننى احاول تبصيرك عبر وسيلتى الوحيدة التى أملكها وهى قلمى .
إن المؤتمر السنوى الـ 11 للجمعية المصرية للشعب الهوائية والصدر والحساسية، صنف القاهرة كثالث أكثر مدن العالم فى مُعدّل تلوث الهواء بعد مدينتى: “نيو ميكسكو” المكسيكية، والعاصمة الصينية “بجين”، لم يكن بين المؤتمر وبين بيجين، ولا نيو مكسيكو ثأراً، لكنها حقائق لا يمكن انكارها، فهواء القاهرة هو ما أدّى إلى انتشار مرض “السدّة الرئوية” بين المواطنين، وهو مرض مزمن يتسبّب فى حدوث ضيق فى الشعب الهوائية، ويؤدّى إلى انتفاخ بالرئتين والشعب الهوائية، يعجز معه المريض عن التنفس بشكل طبيعى وصحى
. التقرير السنوى لمنظمة الصحة العالمية فى عام 2014أوضح أن الوضع في مصر ارتفع بشدة في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن أصبحت نسبة التلوث أعلى 20 مرة من نسبتها المعتادة.وأرجع التقرير السبب الرئيسى للتلوث في مصر إلى محطات الكهرباء، وعوادم السيارات، بالإضافة إلى استخدام طرق غير مشروعة في التخلص من النفايات عن طريق حرقها، واتباع طرق قديمة في التدفئة عن طريق حرق الفحم والأخشاب. هل تغيرت تلك الأوضاع ؟ أبداً.
ورصد تقرير منظمة الصحة العالمية، أن القاهرة تقع في النصف الأول من مجموعة الدول الأكثر تلوثا، بالرغم أنها بلداً ليست صناعية، لكن حولها مناطق صناعية مثل حلوان، مما يتسبب في إصابة الكثيرين بسرطان الرئة والأوعية الدموية واضطرابات الجهاز العصبى والإدراكى.
الجديد انه منذ ساعات اعلنت منظمة جرينبيس، "نتائج تحليل غير مسبوق لبيانات حديثة صادرة عن الأقمار الصناعية في الفترة الممتدة من 1 يونيو وحتى 31 اغسطس، وجاء فيها أسماء أهم البؤر الساخنة لمراكز تلوث الهواء في العالم.وكشفت "جرينبيس" ان " مدينة جونية بين المدن الأكثر تلوثًا في العالم، وهي في المرتبة ٥ عربياً والـ٢٣ عالمياً من حيث نسبة الغاز الملوث ثاني اكسيد النيتروجين في الهواء NO2 لتسبق بذلك المدن الكبرى مثل القاهرة ونيودلهي".وقد شملت قائمة البؤر الساخنة ٥٠ مدينة في العالم، ثمانية منها عربية وهي: دبي والرياض والأحمدي وبغداد وجونية بلبنان والقاهرة والدوحة وأربيل.
هل "جرينبيس" أعلنت الحرب على تلك العواصم لا قدر الله؟ هل تفتعل "عركة" بينها وبين الدول المذكورة، لماذا لم تخرج علينا اية دولة مُكذبة تلك البيانات، التى هى بيانات تحليلية لتوقيت معين، اعتقد ان هناك مغالاة فى كل شىء، فى حجب الأخبار السلبية، فى ردود الافعال المبالغ فيها، فى تفريغ التقارير من مضامينها العلمية، فى غياب الشفافية، وهيمنة الشللية واصحاب الثقة،كل هذا يبرز خللاً فيما يتعلق بالأداء السياسى والمهنى والاعلامى، لوزارة البيئة، وللأسف المقدمات المتُشابهة تؤدى الى نتائج متشابهة، فالمغالاة لن تنتج إلا إنهياراً فى الثقة يقود الى مزيد من الخلل فى الأداء، قد يؤدى الى تعثُر العملية التنموية كلها لأن البيئة جزء أصيل من التنمية خاصة فيما يتعلق بالتنمية المستدامة.
وأخيراً.. يا سيادة الوزيرة انفضى غبار حفنة المنتفعين من حولك، لأنهم يوهمونك، انهم اصدقاء، بينما يتاجرون باسمك ويهددون الصحفيين، ويساومونهم على أرزاقهم، ويتوعدونهم باسمك، ويبثون الرعب فى قلوب صغار من فى المهنة اذا كتبوا خبراً بسيطاً ينتقدك، ومنهم من ادعى عليك بأن علاقاتك كوزيرة سوف تطيح بهم وتكسر أعناقهم، استمدى قوتك من ملاحظاتهم وليس من كلمات الإطراء عليك، لأنه ويل لمن قال كل الناس فيه نعماً.